سيد قطب في ظلال الربيع العربي

سيد قطب رحمه الله

فدوى حلمي

"إنّ سيّد عنيدٌ في الحقّ فهو إذا اعتقد شيئاً أصرّ عليه، ولا يعتقد إلا الحقّ ، وهو عنيد في كفاحه وجهاده، لا يثني عزيمته أمر من هذه الأمور، التي تحطّم الرجال حطماً.."[1]، بهذه الكلمات وصف الأستاذ أحمدعطّار ، الأديب سيّد قطب .كثيرون من يرون بأنّ قراءة سيّد قطب لابدّ أن تكون مرهونة بالمراحل التي عايشها ، والمفاصل الفكريّة التي مرّ بها ، لكنّهم في ظني لا يختلفون على أنّ سيّد في جميع مراحله كان يشكّل لحظة الثورة التي تقفز بالوعي المُغيّب إلى حاضر التغيير ، فسيّد العنيد في الحقّ حمل مشروعه الأدبي على مدار 25 عاماً كتيار ثوريّ فكريّ ، لاسيما ثورته على الاستبداد السياسي ، التي بدأت بانتقاد الحكم القائم في عهد الملك فاروق ، فيقول سيّد: " واستغرقت أنا عام 1951 في صراع شدید بالقلم والخطابة والاجتماعات ضد الأوضاع الملكیة القائمة والإقطاع والرأسمالیة وأصدرت كتابین في الموضوع غیر مئات المقالات في صحف الحزب الوطني الجدید والحزب الاشتراكي ومجلة الدعوة.. "[2]، حارب سيّد في مقالاته كل من سمّاهم بأبناء الذوات وأصحاب الكروش والإقطاعيين السارقين لعبير الحرية ، ففي إحدى مقالاته يقول : " إنها لعبة على هذا الشعب الذى يسرق هؤلاء المحظوظون قوته وكساءه فيصبحون بما سرقوه "أولاد ذوات" .. إنّ الشعب لا يتسول ولا يجوع، ولا يعرى، ولا يمرض، إلا لأنّ بضعة نفر يستولون على أرزاقه وأقواته..على حساب هذه الملايين المسروقة المنهوبة المغصوبة الحقوق.."[3] ، كان نهجه الرافض الساخط على أذناب الاستعمار في بلاده صريحاً مدفوعاً بطاقة الثورة المكنونة في الرجل ضد الظلم ، فها هو ينشر مقالاً بعنوان ( مدارس للسخط ) يقول فيه : " أما أنا فسأظل ساخطا، أعلن سخطي على كل شائه من المظاهر والأوضاع. ولن أدع الخلق للخالق، لأن الخالق هو الذي يقول: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون).. وأخيرا مدرسة للسخط على هذا الشعب الذي يسمح بكل هذه (المساخر)، .. دون أن ينتفض فينبذ هؤلاء وأولئك جميعا، وينفض يده من رجال السياسة المضللين.. "[4].

لذا كان من التسلسل الطبيعي لمدرسة سيّد الثورية أن يكون قلمها من أشدّ الأقلام حماساً لتأييد ثورة الضباط الأحرار عام 1952 ، بل كان من أوائل من أطلقوا على الانقلاب اسم " الثورة " حيث لم يسبقه إلى ذلك سوى محمد فريد أبو حديد ، مع الاختلاف في المُسمى حيث كان يرى سيّد بأنّها ثورة شاملة لكل مناحي الحياة على رأسها الهيكلية السياسية وليست ثورة اجتماعية فكرية فقط ، كما كان سيّد مُقرّباً من مجلس قيادة الثورة وتربطه علاقة قوية بالضباط الأحرار ، فاسمه كان يتردد في الصحف في أنباء اجتماعات المجلس ، وقد صرّح سيّد عن طبيعة هذه العلاقة في قوله: " أعمل أكثر من اثنتي عشرة ساعة يوميا قريبا من رجال الثورة ومعهم ومع من يحيط بهم "[5]، ويقول عن محمد نجيب : "..لأنه كان یراني كذلك مقرباً من رجال الثورة وموضع ثقتهم مع ترشیحهم لي لبعض المناصب الكبیرة الهامة.."[6]،  ويقول عادل حمودة : " والذين عاصروا تفاصيل الأيام الأولى والسنوات الأولى للثورة يؤكدون أن سيد قطب كان له مكتب في مبنى " مجلس قيادة الثورة " ، وأنه كان يقيم هناك إقامة شبه دائمة ، حيث أوكلت إليه هو وسعيد العريان مهمة تغيير مناهج التعليم "[7]. إذاً سيّد لم يكن مجرد أديب وناقد بل كان عنصراً فاعلاً في موجة التغيير ومُرتَكز يُعتمد عليه في تهيئة البيئة التعليمية لنجاح الثورة والاحتفاظ بمكتسباتها ، لكن مرة أخرى روح سيّد الثورية تقلب المعادلة على غير المُتوقع ، فيقول سيّد: " استغرقت كذلك في العمل مع رجال ثورة 23 یولیو حتى فبرایر سنة1953 عندما بدأ تفكیري وتفكیرهم یفترق حول هيئة التحریر ومنهج تكوينها وحول مسائل .."[8]، ويروي سليمان فيّاض في حديث دار بينه وبين سيّد قطب:" وقلت: أراض أنت عن هذه الثورة؟ قال سيد قطب: لا أجد فى تطور أمورها ما يريح، فهؤلاء الأمريكان يحاولون احتواءها بدلا من الإنجليز.. أتفهم ما أعنيه؟!"[9].

إلّا أنّ ثورة سيّد الأخيرة هذه كلفته روحه ودمه ، وبالرغم من أنّه لم يكن حاضراً بجسده مع ثوّار الربيع العربي ، لكن روحه كانت تسري في وقود الثورة ولو لم يكن ثوارها تلاميذه ،لكنّهم تلاميذ مدرسة الثورة الفكرية على الاستبداد السياسي المُعاصر التي هو أحد أبرز روّادها ، فترى كيف كانت مقالته ( نحن الشعب نريد ) المنشورة في عام 1952 ، تتناغم عفوياً مع مقولة الثورة الهادر ( الشعب يريد ).

               

[1]  الخالدي ، سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد.

[2]  سيّد قطب ، لماذا أعدموني ؟

[3] سيد قطب ، (ليس الشعب متسولا فردوا له حقوقه وهو غني عن برّكم ) ،جريدة الفكر الجديد العدد 11 مارس 1948م.

[4] سيد قطب ، ( مدارس للسخط ) ، مجلة الرسالة العدد 651 بتاريخ 30 سبتمبر 1946م .

[5]  سيد قطب ، لماذا أعدموني ؟

[6]  المصدر السابق.

[7]  عادل حمودة ، قطب من القرية إلى المشنقة .

[8]  سيّد قطب ، لماذا أعدموني ؟ .

[9]  سليمان فياض ، سيد قطب بين النقد الأدبي وجاهلية القرن العشرين ، في مجلة الهلال 1986.