الظلم.. الفساد.. الموقف

محمد السيد

قال تعالى: ((والذين إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ)) الشورى: 39

أولاً: مقدمة

إن الدفاع عن النفس واجب على الإنسان لحماية نفسه وماله وعرضه كما أنه واجب لحماية نفس الغير وماله وعرضه.

يقول الشهيد سيد قطب _رحمه الله_ في كتابه القيم: في ظلال القرآن، المجلد الخامس، ص3167، بعد أن عدّ ما جاء في آية الشورى الآنفة قاعدة عامة في حياة المسلم: (ويؤكد هذه القاعدة بوصفها قاعدة عامة في الحياة:  ((وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)) الشورى: 40 فهذا هو الأصل؛ مقابلة السيئة بالسيئة كي لا يتبجح الشر ويطمئن حين لا يجد رادعاً يكفه عن الإفساد في الأرض فيمضي وهو آمن مطمئن، وذلك مع استحباب العفو ابتغاء أجر الله وإصلاح النفس من الغيظ، وإصلاح الجماعة من الأحقاد، وهو استثناء من تلك القاعدة، والعفو لا يكون إلا مع المقدرة على جزاء السيئة بالسيئة، فهنا يكون للعفو وزنه ووقعه في إصلاح المعتدي والمسامح سواء) .

وهذا الدفاع بنوعيه واجب كما أسلفنا يأثم من لم يقم به من المسلمين، بدءاً بمدافعة الصائل على النفس أوالمال أو العرض أو الأوطان أو الهوية، ثم دفاع الطلب الذي يحاول رفع البغي والظلم عن الناس، ومنع الاعتداء على حرياتهم في الرأي وفي اختيار ما يشاءون وما أجمعت أكثريتهم على صلاحه لهم في حياتهم وآخرتهم. وإليكم فيما يأتي بيان ذلك الواجب من السنة .

ثانياً: بيان من السنة

_ عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أن يأخذ مالي؟ قال:" فلا تعطه مالك". قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله". قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد". قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار"). رواه مسلم .  

إنه بحسب هذا الحديث، يكون دفاع المرء عن نفسه وماله وعرضه واجباً ملزماً له، وهو آثم إن لم يفعل. إن هذا الواجب ردّ إنساني عام على العدوان؛ شخصياً كان هذا الرد أم جمعياً، فلا مراء فيه ولا تردد، فهل يوجد في هذه الدنيا إنسان يدع الدفاع عن نفسه وماله وعرضه ودينه إلا أن يكون ذليلاً مستضعفاً، لا يملك من أمره شيئاً، ولا يستطيع صرفأ ولا عدلاً ..؟

_ وعن ابن مسعود _رضي الله عنه_ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهومؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) رواه مسلم .

وإذن فالمسلم في جهاد دائم، يجاهد هواجس نفسه بما يصلحها، ويجاهد في مجتمعه الفساد والظلم، سواء كان فساداً وظلماً فردياً أم جماعياً يرعاه السلطان، ويكون ذلك الجهاد حسب الاستطاعة، باليد أو باللسان أو بالقلب، ولا عذر للمسلم بعد هذه الثلاثة إن خرج من الإيمان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل نظر من يقول بأن الاحتجاج على الظلم والخروج من أجله إلى الشارع إعلاناً ومجاهرة فتنة وأي فتنة؟ هل نظر في رأيه ومقولته هذه، بعد أن سمع وقرأ وتدبر حديث رسول الله الذي أسلفنا إيراده، وغيره من الأحاديث الكثيرة الصحيحة التي تحض على إنكار الظلم والفساد باليد إن استطاع، أي بالقوة، وباللسان إن لم يستطع إلا به، وبالقلب وذلك أضعف الإيمان.

_ (إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الخاصة والعامة) رواه أحمد والطبراني.   

وعن النعمان بن بشير _رضي الله عنه_ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا. فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نَجوْا ونَجوْا جميعاً) رواه البخاري.

وإذن فكيف ببعضنا يريد لنا أن نهلك جميعاً بترك الحبل على الغارب في مجتمعاتنا، فلا نحرك ساكناً، ولا نعلن دفاعاً عن أنفسنا ومجتمعاتنا، أو حتى عن المجتمعات الإنسانية جميعاً..؟!

_ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وإٍسناده صحيح.

_ فهل نترك أنفسنا يتناوشنا الظلم، ويتعاورنا الفساد، ويعتدى علينا؛ على أوطاننا وأرواحنا وأعراضنا وأموالنا وهوياتنا، من أجل رأي يقول بأن الخروج للاحتجاج على كل ذلك، والمطالبة بالتغيير علانية فتنة وشر..؟!

_ إن الفتنة والشر كامنان في السكوت على ذلك الفساد، والرضا بالذل، والخوف من إعلان الحق. وكم من الفتن والشرور والعدوان والظلم وقعت جميعها على بلادنا وشعوبنا وأنفسنا عندما سكت الفرد وسكت الجمع، ولم تعلن كلمة الحق..؟ لقد آل حالنا إلى بوار ودمار وتخلف وفقر وفساد كبير، بعد إذ لم نُحِرْ مواقف محددة واضحة بينة ضد من مارس ذلك العدوان، سواء كان ذلك المعتدي أجنبياً أم من بني جلدتنا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سألته أم المؤمنين زينب _رضي الله عنها_ قائلة: أَنَهلِك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث) متفق عليه. ففي هذا الحديث تحريض للناس على إنكار المنكر، فإن فيه الخلاص من الهلاك، وليس فيه فتنة أبداً. يتبع إن شاء الله.