يا إخوتي المسلمين !!!

أحلام النصر

لا يخفى على أحد صعوبة وضع المسلمين اليوم ؛ فما يجري في سوريا وبورما وفلسطين والعراق وأفغانستان وأي بلد فيه مسلمون : واضح لكل ذي عينَين ، والقصة جليّة إذ التأريخ يعيد نفسه : {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد *} ، هذا الصراع الذي يجري دائماً بين الحق والباطل ، والذي يحاول أصحاب الباطل أن يموّهوا الحقيقة بكلام فارغ تفضحهم فيه ممارساتهم وأفعالهم ؛ إذ ما علاقة الأطفال والرضع والنساء كي يُقتلوا إن كان الصراع سياسيّاً مثلاً ؟ أم أن السيدة سياسة لن ترتاح إلا إن تم ذبح الأطفال وشيّهم وأكلهم والتمثيل بجثثهم ؟ .. ولا يقر لها قرار إلا أن أزيل الحجاب عن رؤوس المسلمات وتعرضن لشتى أنواع العذاب ؟؟!! .. ولا تشعر بوجودها الكريه إلا إن دُمرت المدن وهُدمت المساجد ودُنست المصاحف ؟!!!! .. أكتفي بهذه الصفعة لأهل الباطل الذين لا يحاربوننا إلا بسبب إسلامنا وإن كذبوا وادعوا خلاف ذلك .

إنما أريد رغم صغر سني وتواضع خبرتي أن أتوجه بالكلام إلى المسلمين أنفسهم والذين أتشرف بالانتساب لهم ..

إنكم يا أساتذتي ترون وضع أمتنا اليوم ، وكيف تداعت علينا الأمم ، كما وليس خافياً على أحد منكم مدى حقد المخابرات العالمية على العاملين منكم سواء في الميدان القتالي أو الفكري .

إنهم لا يشغلهم سواكم أنتم ، يريدون القضاء عليكم جميعاً .. نعم جميعاً ؛ لأنكم الأمل بعد الله في أن تستيقظ الأمة وتنفض عنها غبار الوهن وعصارة الحزن وشبح اليأس من النصر ، وتقوم قياماً جادّاً بالكفاح في سبيل إعادة الأمور إلى جادة الصواب ورفع الظلم واستعادة الحقوق والأمجاد ، وهذا ما لا يناسب المجرمين الظالمين الذين يجدون سعادتهم في قتل الناس بشراهة ، وفي فرض آرائهم التي تنضح بالظلم والسفاهة ، وأنتم وحدكم العقبة في طريقكم بسبب هذا الدين العظيم الذي صمدت مبادئه على مر العصور في وجه الظالمين جميعاً بفضل حماية الله عز وجل .

حسناً .. وبالنظر إلى أنكم جميعاً مسلمون : تؤمنون بذات الإله ، وتقرؤون نفس الكتاب ، وتصلون في اليوم الصلوات الخمس عينها ، وتصومون الشهر نفسه كل عام ، وتحتكمون إلى المصادر نفسها والتي احتكم إليها كل مسلم منذ فجر الإسلام ..... فلم يبق إذاً من فروق بينكم إلا بعض الآليات والأساليب في التعامل مع الأمور .

هذا الاختلاف في تلك الآليات - مع الاتفاق على المبادئ - : نشأ بسبب اختلاف ظروفكم لا غير ..

فمَن كان في مجتمع إسلامي متدين حق التدين : سيكون وضعه وأسلوبه مختلفَين عمن يكون في مجتمع فيه خليط من الناس ؛ إذ الأول : سيعرض الأحكام دون أن يتعب في اختيار الأسلوب فالمجتمع ملتزم جدّاً ، والثاني : سيتخذ الأسلوب الذي يناسب المجتمع الذي يعيش فيه ، على أنه سيعرض الأحكام نفسها دون أن يغيّر منها شيئاً أو يجامل في هذا أحداً ؛ إذ الأسلوب يكمن في (طريقة عرض الفكرة) لا في (الفكرة) نفسها .

ومَن كانت معركته فكرية : ستكون أدواته مختلفة عن أدوات مَن معركته قتالية .. لكن هذا لا يلزم أن يكون المجاهد بالسلاح : فاقداً لمقوّمات الجهاد بالفكر ، ومثل هذا يُقال في المجاهد بالدعوة .

وأنتم جميعاً تتفقون في أمر مهم جدّاً ؛ وهو أنكم جميعاً مطارَدون من المخابرات العالمية والتي تهيمن عليها أنظمة الفساد والظلم ! ، وتتعرضون للتشويه الإعلامي وللإقصاء والتعذيب والتغييب والقتل وشتى صنوف المحاربة ... إضافة إلى أن أعداء الحق يهدفون إلى جعلكم تحاربون بعضكم بعضاً - وذلك بلاء جديد ! - ، ويضخمون الخلافات بينكم ، مع أنها خلافات غير جوهرية ، فَرَضَها اختلافُ الظروف ، ولم تكن في جلّها اختلافات جذرية ؛ فقواعد الدين واضحة لمن كانت له همة فتفقّه وأحسن التطبيق : هناك من القواعد الدينية ما لا مجال إلا لتطبيقه حرفيّاً ، وهناك ما جعله الله تعالى مرناً ليكون أداة مناسبة لكل ظرف بحسبه دون مساس بالأصول .. هذه كل القصة ! .

فلماذا يكون هناك مجال للأعداء كي يفرقوا صفوف المسلمين مع أنه يجدر بالمسلمين أن يتحدوا إزاء كل ظروفهم الصعبة ، وإزاء تكالب الأمم عليهم ؟! ..

لماذا إن أخطأ واحدنا - وقد أخذته الحماسة واللهفة على الأمة - نجد من يبالغ في التهجم والتشنيع عليه وذمه والانتقاص منه وكأنه إبليس ؟ أهكذا تتم معالجة الأمور ؟

أحياناً لا يكون الأمر خطأ فعلاً ، بل يكون فقط مخالفة لهوى المستدمر المهيمن ، فنجد البعض - من لهفتهم على المسلمين أيضاً ومن خوفهم من اشتطاط المستدمر وزيادة ظلمه - يبالغون في التهجم على مَن قال أو فعل ( مع أنه أيضاً يقصد الخير للأمة ) ، لكنهم يهاجمونه بعنف بدعوى أن هذا سيزيد المأساة ! ..

لماذا نجد اللطف والظرف وحسن التعامل ومراعاة المشاعر (!!) حكراً من بعض المسلمين على العلكانيين والفسقة والظلَمة والكفَرة والفاسدين - رغم عدائهم وصفاقتهم وبجاحتهم وسوء أدبهم وعدم مبالاتهم لا بدماء ولا حتى بمشاعر - ؟؟؟ بينما نجده وحشاً متوحشاً على مسلم مثله ! .. وكأن الآية قد عُكست فصار هؤلاء هداهم الله : أذلة على الأعداء أعزة على إخوانهم !! .. وكل هذا - يا للعجب - بدعوى المصلحة العامة للأمة ! ..

أظن أن سبب هذا هو أن بعض المسلمين ما زال متأثراً بظروفه السابقة والتي لاقى فيها السجن والتعذيب والإقصاء وسط صمت شعبي مؤلم ، فكان أن فرض عليه ذلك آليات معينة ، ولم يدرك الآن أن الزمن قد تغير ، وأن الوعي قد انتشر ، وأن شباب الأمة الصاعد يريد الحق كاملاً غير منقوص .. البعض بسبب طول ما عانوه : باتوا لا يفضلون المواجهة ولو كانت في معركة قتالية ! ، بل وينقمون على مَن يقوم بذلك لأنهم متأثرون فعلاً بظروفهم المختلفة عن ظروف أولئك ! ، ففضلوا أسلوب التدرج - كمثال عن الأساليب - في كل أمر ولو كان تعليمَ الطفل المشي ! ، علماً أننا لا يمكن أن نعلم الطفل المشيَ إلا على رجلين لا بالتدرج على رجل واحدة ! ، واللبيب بالإشارة يفهم .......

والبعض على الطرف الآخر : يظن أن آلياته ناجعة لكل حال - كذلك بسبب تأثره بظروفه السابقة - مما أدى لوقوع أخطاء ، ولكن هؤلاء لن ألومهم كثيراً ؛ فأساساً معظم وضع الأمة اليوم : حروب قتالية ، والظلم مستشرٍ ، والقمع للمسلمين حتى فكريّاً يبلغ مداه ، بما لا يدع مجالاً لوجود حرب فكرية يُعطى المسلمون فيها حريتهم ، بل كثيراً ما يكون الاستبسال في الجهاد وبذل النفس : بوابة للحرب الفكرية ؛ حيث يرى الناس بأم أعينهم أولئك الذين يصفهم الإعلام الكاذب بالإرهاب : كيف يستبسلون في الدفاع عن المظلومين بدافع واحد هو طاعة أوامر الله تعالى ، مما يحدو بالناس للوقوف على هذا الأمر بوضوح تام ، فيعني هذا بالنتيجة : دعوة مباشرة - وإن كانت غير منطوقة - للدعاة بأن يباشروا عملهم في الدعوة ؛ حيث لا ظلم يكمم أفواههم ، ولا أفكار عدائية تجاههم تشتت جهودهم .. ومع ذلك : لا بد من الانتباه للأخطاء التي قد تقع هنا وهناك ، ولا ننسى الانتباه إلى أن المخابرات هي التي ترتكب الجرائم وتقتل الأبرياء وتنسب ذلك للمجاهدين المظلومين ! .

أمر آخر : هؤلاء العاملون جميعاً تعرضوا للخذلان بشكل قاس ؛ فقد كانت الأنظمة العميلة في غاية الإخلاص للمستدمر القديم ؛ إذ سممت عقول الناس بالأفكار الخبيثة ، وأقصت الإسلاميين وحاربتهم ، وحكمت بالحديد والنار ، فبات مَن يفكر في أفكار الإسلاميين عرضة للخطر فكيف بمن يحاول مساعدتهم والمناداة برفع الظلم عنهم ؟ ومن الطبيعي أن تكون النتيجة إزاء هذا : الخذلان ! ..

وهذا ولّد لدى كثيرين : أن ينتموا لجماعاتهم - التي شكّلت الظروفُ شكل كل جماعة منها وفرضت آلياتها التي ميزتها عن غيرها - ، وقد بلغ بالبعض في هذا مبلغ التعصب للجماعة أيّاً كانت ، فتراه يتعصّب لأفراد جماعته ، ويدافع عنه بالحق وبالباطل ولا يسمح بكلمة انتقاد له ؛ إذ ما زالت ذكريات الماضي الأليمة تعمل تأثيرها ، وما زالت مخاوف المستقبل تتراءى في تربصِ منظماتِ الباطل ضد أي صوت حق كان ! ..

ولكن هذا في حد ذاته خطأ ، وكفيل بأن ينخر في أي جماعة تنتهجه نخرَ السوس ! ، فيذهب بحسناتها ويعمّق من أخطائها حتى تُنبذ ! ، وتعاني من أمر آخر : وهو الإقصاء حتى من الناس بسبب عدم جدواها !! .. بعد أن عانت الإقصاء سابقاً بسبب خوف الناس من الحكام !! .. وهذا في حد ذاته حصاد مرير بعد كل آلام السنين ، غير أن في يد أولئك أنفسهم الحيلولة دون وقوع مثل هذه النتيجة بأن يستوعبوا جيداً بأن الزمن قد تغير ، وأن الماضي رغم قسوته : رحل وانتهى ، وأن الناس التي لم تكن تلتزم الإسلامَ في السابق خوفاً من الحكام الظالمين وتلبيةً للشهوات الرخيصة : تغيرت ، بدليل أنها ثارت ، وعلمت ألا حياة لها إلا بشرع الله الذي خلقها ونظّم شرعُه أمورَها ... لقد تغير الزمن أيها الإسلاميون الذين تقومون بذلك : فتغيروا أنتم أيضاً في هذا ؛ حتى لا تضيع إيجابياتكم ومزاياكم التي تحتاجها الأمة اليوم ! ..

الآن كل واحد منا معشر المسلمين : لا ينتمي لجماعة بعينها ، إنما ينتمي للإسلام ، ويفقهه من مصادره الأساسية ، ولكن أحدنا مثلاً ماهر قتاليّاً فيساعد جماعة خبرت هذا الشأن ، والآخر مثلاً لديه علم فكري ودراية فيساعد قوماً تخصصوا بهذا المجال ، دون أن يكون في الأمر تحزّب وتعصب يجعل الأمور تبدو وكأن بعض الجماعات هي فوق الإسلام ! ، مع أنه لولا الإسلام لما قامت أية جماعة ! .. وأنا لا أتهم أحداً بأنه يظن نفسه أو حزبه كذلك : ولكنني أرجو منهم الانتباه حتى لا يقعوا في مثل هذا وهم لا يشعرون .

الآن أيضاً وأكثر من أي وقت مضى : اتحاد المسلمين واجب أشد الوجوب ، فكما أن أعداءنا - رغم اختلافاتهم في أشياء كثيرة - يتحدون على قتالنا والحيلولة بيننا وبين النتائج التي كتبها الله لنا : كذلك نحن علينا أن نتحد متجاوزين كل خلافاتنا - وما أقلها وما أهون أمرها خاصة تلك التي فرضتها ظروف وانجلت - ، بل إننا والله أولى بالاتحاد ، {إنما المؤمنون إخوة} .

ثم انظروا كيف أن الآخرين لا يتشاجرون على الملأ ، ولا يعلم أحد إلا المسرّب من خلافاتهم ، يا جماعة يا جماعة : لبابا روما فضائح تقشعر منها الأبدان وتتقزز لذكرها النفوس : هل سمعنا لها ضجة تناسب قذارتها ؟؟ بينما انظروا كيف يُتَكَلَّمُ عن المسلمين !! مع أننا لو تجاوزنا الضجيج الإعلامي عنهم لتبيّن لنا أن خطأهم سخيف أو ليس بخطأ بالأحرى إذا التزمنا الدقة في التعبير !!! ..

فالأولى إذاً أن تكون عضلاتنا على غيرنا ، لا أن يعتبر واحدنا نفسه بطلاً إن أمعن في الطعن بفلان المسلم مثله كي يبرهن للعالم أننا لسنا طائفيين ، أو يبرهن للغرب أننا مستعدون لمحاربة بعضنا بعضاً من أجل اعتبارات هي في أصلها سخيفة ولكن عظمت في نظر البعض لأن الغرب بنظره الأعوج اعتبرها عظيمة !!!! ...

لتكن خلافاتنا بيننا وبشكل لا يطعن في مظهرنا العام الذي ينبغي أن يتصف بالوحدة والتآخي ؛ ففي هذا قوة (حقيقية) لنا تفرض على الجميع احترامنا وأن يحسبوا لنا ألف حساب أو على الأقل يكفوا عنا شرهم بدل أن يتسلوا بتعذيب أفراد أمةٍ ينشغل العاملون فيها بملاحقة أخطاء بعضهم بعضاً كي تقول جماعة أو حزب : أنا أفضل من البقية !! .. ويا لها من غاية عظيمة وهدف نبيل !! .. ويا لها من معلومة مهمة لا تطعم خبزاً !! ، أن نعرف أن هذه الجماعة ترى نفسها أفضل من غيرها بينما لا يوجد بلد محرر للآن !!! ..

ولننسَ موضوع : مداهنة الآخر ومجاملته عل وعسى أن يقدّر لنا ذلك ويسمح لنا أن نمارس شعائرنا !!! ؛ فهذا الآخر الذي يجامله البعض رغم كل ما يجري للمسلمين : ظالم مجرم صفيق ، لا يبالي لا بدمائنا ولا بحقوقنا ولا حتى برأينا فيه !! .. كما أن من المهم التوقف عن القياس الفاسد : فإن كان بعض الإسلاميين يقدّر ما يبذله الآخرون ، فإن أعداءنا لا يقدّرون لنا تنازلاتنا أو مجاملاتنا ، بل هذه أمور تجعلهم يظنون أننا نرحب بهيمنتهم ولا نجد غضاضة في ظلمهم فيتوحشون أكثر ! ، ثم أكرر من جديد : الزمن تغير ، وإن كان البعض قد جامل في السابق من أجل ألا تسوء الأمر وتُسفَك الدماء : فالآن اختلف الوضع وباتت دماء المسلمين تباهي المحيطات بغزارتها وتغيظ البحار بتفوقها عليها ! ، فعلامَ المجاملة بعد ؟ إنها الآن مجانية إلا أن تكون لوجه الشيطان مثلاً ! .. وهو ما لا يرضاه لنفسه أحد ! ..

كذلك لننسَ موضوع : تحسين صورتنا أمام الآخرين !! .. يا جماعة صورتنا حسنة ، أقسم بالله إنها حسنة ، وإن الإسلام لا يحتاج إلى عمليات تجميل ! ؛ إنه جميل كما شرعه الله تعالى ، وإن الإسلاميين جميعاً - وإن أخطؤوا ، وأعني الحقيقيين فقط - يحملون من اللهفة على الأمة والحرص عليها : الكثير! ، ولكن يا أساتذتي : ليس الإعلام الخبيث من يحدد لنا صورتنا ، ليس السفاح القاتل الذي ملت معدته من دمائنا : أهلٌ بأن يحكم علينا ! .. وإن حكم أو وصفنا بصفة أو اتهمنا بشيء : فذلك لأنه صفيق وقح لا لأنه محق ! ...

يا أساتذتي : على الآخرين هم أن يحسّنوا صورتهم ! ، وأن يبيّضوا صفحاتهم التي جللها الظلم والإجرام بالعار والخسار قديماً وحديثاً ! .. فلا تتركوا لهم مجالاً ليلعبوا معكم لعبة : الهجوم خير وسيلة للدفاع ! ... المسلمون يُذبحون والبعض منكم لا يشغل باله إلا أن يثبت للسفاحين بأن المسلمين ليسوا إرهابيين بل هم لطفاء ظرفاء أو بالأحرى حمقى وبلهاء يسكتون عن حقوقهم ويجاملون جلاديهم ؟!!! ... أهذا يُعقل ؟! ..

إننا بفضل إسلامنا عادلون : لسنا ظالمين فنقتلَ البريء ، ولكننا لسنا حمقى فنتركَ المسيء ! .. ومَن لم يفهم : فهو لا يستحق الفهم أصلاً ! .. دعوكم منهم ؛ ففي الناس العاقل والمجنون ، والمنصف والظالم ، لنركز فيما يفيد أمتنا ويخفف من مآسيها ويحقق حرية البلاد وسعادة العباد مسلمين وغير مسلمين ! ، لنفعل ذلك بمعزل عن هؤلاء الآخرين الظالمين ، كذا عليهم وعلى آرائهم وعلى سائر ما يفكرون به ولا مؤاخذة ! ..

أمر أخير أظنه في غاية الأهمية : ليتنا جميعاً نؤمن حق الإيمان بأن أخي المسلم أغلى عندي من طغاة الأرض جميعاً وأفكارهم الظالمة كلها ، فلا أتخلى عنه إرضاء لهم فهنا سأخسر رضا الله وأتعرض لركل هؤلاء الذين حرصتُ على رضاهم وبعتُ أخي لأجلهم ! ، ولا أبالغ في التشنيع عليه إن أخطأ أو تسرع ؛ فهذا سيجعله يزداد خطأ ، وقد يجعله يستشعر المرارة أن يجد الكل ضده حتى إخوته المسلمين فتتبدد جهوده فيما لا طائل من ورائه بدل أن يستثمرها في مصلحة الأمة ! .. فهذا عين ما يريده الأعداء ! ، عدا عن أن ردود الفعل العنيفة ستجعل بقية المسلمين يُحجمون عن العمل ؛ فكل مَن سيعمل سيكون معرّضاً للخطأ وهذا طبيعي لأننا بشر ، ولكن ! .. هل كل واحد سيكون مستعدّاً لحرب شعواء من العدو - الكاره للحق - ومن الصديق - الذي يظن باجتهاده أن ذلك العمل أو القول ليس في وقته - ؟!!! .. مرة أخرى : لنركز على مصلحة الأمة بمعزل عن اهتمامنا بآراء الأعداء ، ولنتصرف تجاه بعضنا بعضاً بمسؤولية ونصح و(إخاء) .

وإذا ظهر أمر ما على الملأ : فليتم احتضانه من المسلمين ، واستثمار مزاياه ، وتلافي سلبياته ، ومعالجة أخطائه بالحسنى وبما يفيد .. أما التهجم والتخوين والوصف بالسفاهة والحماقة وسائر هذه الكلمات اللطيفة (!) : فهو أمر سيتكفل به أعداؤنا أقسم لكم بذلك ! ، فلا تزاحموهم على اختصاصهم ! .. ولا تجعلوا بأسكم بينكم كما يشتهون ! ..

نعم لنفكر : أخي المسلم أغلى عندي من العالم كله ؛ إذ ليس لي غيره بعد الله تعالى ، وهو الوحيد الذي سيكون مخلصاً في الاهتمام لأمر أمته وإخوته ، بينما الآخرون لا يفكرون إلا في مصالحهم ، ولا يبالون في سبيلها بحقوق الآخرين ! - علماً أن مصالحهم وهمية فلا مصلحة حقيقية إلا مع الحق ، إذاً مَن يشتهي أن يكون أحمق الناس : يبيع دنياه وآخرته بدنيا غيره ؟!!

وموضوع الوقت المناسب وغير المناسب : لا أحد يعلم هذا الوقت المناسب إلا الله تعالى ، الله عز وجل يملك الأسباب والمسببات ، فكيف لنا نحن البشر بنظرنا القاصر أن نحدد وقت الانتصار ؟ أو أن نهاجم أي مشروع إسلامي صافٍ مئة في المئة بدعوى أن الوقت غير مناسب ؟! .. الله تعالى أمرنا بالعمل .. وفقط : بالعمل ، مهما تكن الظروف ! .. أما إن أراد منا البعض أن ننتظر رضا أمريكا وموافقة أوربا وانصياع الشعوب للحق : فهنا لن يأتي الوقت المناسب أبداً ! ؛ لأن أعداءنا لو كانوا منصفين : لما عانينا من أي شيء نعانيه اليوم ! ، ولكن تصرفاتهم لا تدل على أنهم يفهمون أو مستعدون للفهم ! .. فلنتجاوزهم ! ..

يا إخوتي المسلمين : عندما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة : كان وحده ، وكانت الظروف صعبة ، لكنه لم يقل : الوقت ليس مناسباً ! .. الله تعالى هو الذي قال : {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين *} .. عندما اندلعت انتفاضة فلسطين : كذلك كانت الظروف صعبة ، عندما بدأنا ثورتنا في سوريا : كنا وحدنا وكانت وما زالت الظروف صعبة ! .. ولكن انظروا إلى أين وصلنا الآن بفضل الله تعالى ، فلا تضيعوا النتائج ! ..

الآخرون لن يرضوا مهما كان ، فلنتجاوزهم ! .. ليسوا جديرين بالاهتمام حتى نَقِفَ أمورَنا وحياتَنا من أجلهم ! .. هل هم يجاملوننا في شيء ؟!!! .. حتى كلامهم المسموم لا يرحموننا منه ناهيكم عن تصرفاتهم ! .. فلمَ نحرص عليهم إذاً ؟!! ..

لا تنظروا للنتائج ، إنها ليست من اختصاصنا ، نحن دائرة اختصاصنا هي العمل وبذل غاية الجهد ، الله تعالى لم يقل : انتصروا ، لم يقل : اجعلوا الناس مسلمين أو مقتنعين بالحكم الإسلامي .. بل قال : جاهدوا ، واطلبوا أسمى النتائج وأعلى المراتب ، وادعوا الناس ولا يصرفنّكم عن ذلك أنهم (قد) لا يستجيبون ، وجاهدوا ولو قال لكم الشيطان : ليس الوقت مناسباً ! .. الله تعالى هو ربنا وأوامره لا بد أن تطاع في كل حال ، خاصة وقد وعدنا بالنصر والتمكين والعون ، فليس من الأدب أن يكون الأمر مساومة بين الرب وبين عباده : إن أعطيتنا النتيجة عملنا ، وإن لم تعطنا إياها فسنقول : الوقت غير مناسب ولن نعمل !!!! .. هذا ليس من الأدب ! .. يقول عز وجل : {أليس الله بكاف عبده} ، {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} ، {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} .. فالعمل مطلوب قبل النتيجة ، وهي متحققة على كل حال ولكن لمن يستحق ! .. فماذا ينقصنا حتى لا نستحق ؟؟ الإيمان ؟ الجهاد ؟ العزيمة ؟ لمَ لا نحصل على ذلك كله ؟ لمَ ؟!!! .. خاصة وأننا نموت وبشكل رخيص أيضاً ولا يبالي بنا أحد ! .. حسناً إذاً {ففرّوا إلى الله} ! ..

لذلك يا أيها الإسلاميون : الاتحاد الاتحاد والتعاون التعاون والتآخي التآخي ، إن أمتنا تمر بمرحلة مفصلية عصيبة ، إن تجاوزتها بنجاح فقد انتهينا إلى الغاية العظيمة التي نَنْشُدها جميعاً والتي كتب الله أنها ستكون - فلتكن لنا - ؛ من تحكيم للإسلام ، وفي هذا طعنة نجلاء للطغاة والظالمين والفاسدين ، وهدية إنسانية عظمى لكل إنسان يريد العيش بسلام وإنجاز مسلماً كان أو غير مسلم - فالإسلام للجميع - .

يا أيها الإسلاميون : إنه يومكم ، وواجبكم فيه أكبر وأخطر من كل ما قد سبق ، فكونوا عند حسن ظن الشعوب بكم .

يا أيها الإسلاميون : لن يرضى أصحاب الحق بحق ممزَّق ، كما لن يرضى أصحاب الهوى بهوى مرتّق ؛ فاحملوا لواء الحق يتبعكم أهله ويبوء الظالمون بالخسار ، والله غالب على أمره ، والعاقبة للمتقين ، اللهم ألهمنا الصواب والرشاد ، وأكرمنا بالدعوة والإرشاد والجهاد ، ووفقنا جميعاً لما فيه خير البلاد والعباد ، وارضَ عنا وأكرمنا بالجنة في يوم المعاد ، اللهم آمين .