"حدود الروح": حوارات مثيرة مع الكاتب اليهودي سامي ميخائيل:

"حدود الروح":

حوارات مثيرة مع الكاتب اليهودي سامي ميخائيل

نبيل عودة

كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة

[email protected]

يعد الكلتب سامي ميخائيل (ولد في بغداد عام 1926) اليوم من ابرز الكتاب باللغة العبرية. سامي هو يهودي عراقي ولد باسم سمير مارد في العراق، وصل اسرائيل منذ 6 عقود وانتظم في صفوف الحزب الشيوعي الإسرائيلي، ربطته علاقات شخصية مع الروائي الفلسطيني اميل حبيبي والعديد من شخصيات الحزب الشيوعي القيادية في الوسط العربي، سكن في حارة وادي النسناس العربية في حيفا، علاقته ضعفت مع الشيوعيين العرب بعد انسحابه من الحزب الشيوعي والتفرغ للكتابة الروائية.

عام 1946هرب سمير مارد (سامي ميخائيل) من بغداد الى طهران لأنه كان مطاردا بتهمة الانتماء للحزب الشيوعي العراقي المحظور وقتها في العراق، في طهران اتصل بحزب "تودة" الشيوعي الايراني ونشط معه، بعد عامين يئس تماما من أمكانية العودة الى وطنه العراق ومدينته مسقط راسه بغداد، حيث عائلته وشعبه وشعر بالوحدة والانعزال. فاضطر كما روى للجوء الى اسرائيل، حيث بقي  وحيدا لعامين قبل ان تضطر عائلته  مرغمة على مغادرة وطنها العراق حيث عاش فيه  اليهود العراقيين اكثر من ثلاثة آلاف عام، يصف سامي ميخائيل وصوله الى اسرائيل  بأنه  كان أقرب الى النفي .

يروي سامي في  احدى احاديثه الصحفية: في صباي، وشبابي ناضلت جنبا الى جنب مع السنيين والشيعة والمسيحيين من اجل عراق ليبرالي مزدهر. جيل كامل من الشبان والفتيات قتل وعذب ونفي وابيد على ايدي نظام الحكم الملكي وذلك بتشجيع وتأثير من المستشارين البريطانيين الذين كانوا في بغداد، لحماية وتأمين منابع بترول بلاد الرافدين التي تدفقت سيولا وانهارا بابخس الأثمان للإمبراطورية البريطانية.

من مؤلفات سامي ميخائيل: "متساوون ومتساوون أكثر" (1974)، "حماية" (1977)، "هذه قبائل إسرائيل" (1984)، "فيكتوريا" (1993)، "الجناح الثالث" (2000)، رواية "عايدة" (2008) "حمام الطرف الأغر" (2005) - اثارت هذه الرواية الكثير من الاهتمام، بكونها استمرارا لرواية الكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني "عائد الى حيفا"، انتقدها بحدة بعض الكتاب العرب دون فهم مضمونها الانساني، كتب نبيل عودة ( كاتب هذا المقال) مداخلة نقدية عن الرواية نشرت في الصحافة المحلية وعلى شبكة الانترنت   (نسخة عنها في نهاية النص)   كذلك صدر كتاب حوارات هام مع سامي ميخائيل وهذه مراجعة للكتاب :

كتاب"حدود الروح" – روبيك روزنتال يحاور سامي ميخائيل

العراقي "سمير مارد" صار اسرائيليا اسمه"سامي ميخائيل"

بقلم: نبيل عودة

صدر عن " كاف ادوم " من منشورات " هكيبوتس همؤحاد " كتاب حوارات مثير للاهتمام ، مع الكاتب العبري الكبير سامي ميخائيل ، اجراها معه الصحفي العبري المعروف ، روبيك روزنتال. عدا مقدمة سامي ميخائيل للكتاب  ومقدمة روزنتال، هوعبارة عن ثمانية احاديث يتناول فيها سامي ميخائيل قضايا متنوعة ومتشعبة من مسيرة حياته وتجربته الادبية والسياسية والانسانية ، منذ كان طفلا في العراق  وخروجه من العراق وقدومه الى اسرائيل .

أبناء جيلي يرتبط بذهنهم اسم سامي ميخائيل باسم " سمير مارد " وهو الاسم " العراقي " لسامي ميخائيل ، الذي نشر تحته اول اعماله الادبية ( باللغة العربية ) في الصحف المحلية ، خاصة صحف الحزب الشيوعي الاسرائيلي صحيفة "الاتحاد" ومجلة "الجديد" ، ثم غير اسمه ولغته ، مع ذلك بقي سامي ميخائيل ذا حس انساني  وموقف تقدمي متنور وصادق ، رغم الفجوة التي اتسعت بينة وبين جذوره العراقية والعربية ...

في مقدمته للكتاب يطرح سامي ميخائيل معادلة سقطت على اساسها سذاجة الايمان ، بدءا من سقوط الوهم حول حقيقة الحضارة الاوروبية والالمانية خاصة ، بفشلها في وقف المد الاجرامي للنازية ، وصولا الى انهيار الشيوعية الذي يعني ، كما يقول : " انهيارا للاتجاه الانساني للثقافة الاوروبية ، وصولا للاشكالية التي لم تبق امام الانسانية الا وضع يتحول فيه الدولار  والمجتمع النووي الامريكي ، الى القوة الحافظة للنظام والسلام وحقوق المواطن ".

يشير سامي ميخائيل في مقدمته بان انسانا طبيعيا لا يترك بيته واملاكه ولغته الام  واجواء طفولته من اجل فكرة عليا ، يقول ان خيانة القرن العشرين " لهم " هي التي وجهت خطواتهم الى اسرائيل ، وانه حتى اليوم " لا يأتي الينا " ( لاسرائيل )اليهود المتخمون والآمنون من الولايات المتحدة وانكلترا ، انما يجيء يهود من البلاد الفقيرة .

يطرح سامي ميخائيل التناقض الذي الم به في هذا الانتقال من تاريخه العراقي الى تاريخ " ارض اسرائيل "، يطرح قلقه الشخصي من الواقع المتقلب في الشرق الاوسط  ويعترف بانه يعيش في عالمين مثل كل الذين تركوا واقعا لواقع آخر ، يقول ان  بينه وبين اسرائيل لم ينشأ حب من اول نظرة ، انما تطورت علاقة خاصة من الحب والاخلاص والتقدير  وانه بقي بعيدا عن النظرة الرومانتيكية المزيفة في نظرته للواقع الاسرائيلي .

الحديث الاول : عن الهوية والثقافة

يقول سامي ميخائيل : " أنا غير صهيوني ، لست معاديا للصهيونية، انا وطني اسرائيلي ".يفسر ذلك بقوله منذ فجر شبابي عرفت نفسي كيهودي، المقياس الاعلى بالنسبة لي هي اليهودية ، من هذا التعريف اتساءل ماذا يضر باليهودية وماذا يفيدها ؟ ماذا يضر بي كيهودي وماذا يندمج جيدا مع هويتي كيهودي؟". يقول : " كان في العراق يهود نشطاء في الرابطة المعادية للصهيونية " ويضف : " انا غير صهيوني من الناحية الايديولوجية، لكني غير معاد للصهيونية عاطفيا ، انا معاد للصهيونية حتى الحد الذي يؤدي هذا الفهم للأضرار باليهودية ودولة اسرائيل . أنا لا اعرف نفسي كصهيونيواختلف مع طروحات كثيرة للصهيونية قديما وحديثا ، الصهيونيون الحقيقيون اليوم هم اؤلئك المستوطنون ، اليهود الآخرون يشملون انفسهم بالصهيونية  ويتجملون بامور لم تعد قائمة " .

يوجه نداءه لأولئك الصهيونيين الذين يعرضون أنفسهم ومستقبل أطفالهم للمخاطر بمخاطبتهم : "عودوا الى البيت!" . يقول لهم ان نداءه لا يجيء شفقة على العرب ، العرب ليسوا بحاجة لشفقتة وحبه .

يأخذ الصحفي المحاور سامي ميخائيل لمواضيع متنوعة للغاية ، يدفعه للافصاح عن مفاهيمه حول قضايا اجتماعية وفكرية وفنية وأدبية متنوعة ، تتعلق بتجربته الاسرائيلية ، بما ترسب في وجدانه من هويته الشرقية ... من عراقيته والتناقضات المثيرة التي اوجدها المجتمع الاسرائيلي الخاص والمميز وليس شرطا بالمفهوم الايجابي !!

وينتهي الحديث ، كما في سائر الاحاديث بمقطع ادبي من كتابات سامي ميخائيل .

الحديث الثاني : حول الهجرة والقدوم الى اسرائيل

" في الهجرة انت تنتحر بأمل ان تعود الى الحياة ". هكذا يلخص رؤيته الفلسفية لمفهوم النزوح اليهودي الى اسرائيل .

يتحدث عن تجربته الشخصية بالهجرة من العراق ، والحياة غير المتوقعة والمتناقضة في اسرائيل .

الحديث الثالث : المجتمع الاسرائيلي

يطرح تصوراته حول بعض القضايا التي تشغل المجتمع الاسرائيلي ، يحاول الاجابة على سؤال حول تطور القومية العربية  ويرى بها تقليدا لنشؤ القوميات الاوروبية  وانها غير اصيلة ، لان مضامينها تختلف من جيل الى آخر .

لن ادخل في نقاش حول الصواب والخطأ في رؤية سامي ميخائيل ، انما احاول ان انقل للقارىء جزءا من رؤيته .. كذلك نجده يتسرع فيما يطرحه من ان المركب الديني للعرب ، تحول الى مركب اساسي في الانتماء (بمفهوم ما يساوي بين اشكالية الانتماء اليهودي والانتماء القومي العربي ، ربما ليخلق انطباعا اننا لا تختلف ... وان واقع الانتماء القومي اليهودي هو نفس واقع الانتماء القومي العربي ) .

سامي ينتقد بشدة تحول دولة اسرائيل الى دولة حرب ، ينتقد بشكل خاص حرب سيناء ( 1956) ويقول : " لاتوجد حرب لا يمكن منعها " ويرى باتفاقات السلام ، من مدريد وحتى واي بلانتيشين انه سلام مفروض على الجانبين .

الحديث الرابع : عن الشيوعية

يسرد ذكرياته عن الشيوعية منذ كان شيوعيا شابا في العراق ، يلخص تجربته الشيوعية بانها نتيجة ظروف صعبة ليهودي في العراق .

هذا الفصل مليء بانطباعات وذكريات عراقية . يتحدث عن تجربة الخروج من العراق،  ظروف القدوم الى اسرائيل  وبحثه في اسرائيل عن الحزب الشيوعي ، يروي حادثة حاول فيها السوفييت تجنيده للتجسس ، يتحدث عن عمله في جريدة " الاتحاد " – صحيفة الحزب الشيوعي الاسرائيلي  وعلاقاته مع الشيوعيين .. ويقول انه يقدر الشيوعيين العرب لانهم يحبون شعبهم ، لذلك بقوا في الحزب... وهو لا يفهم بقاءاليهود في الحزب ..  لا يوضح ان كان موقفه رفضا للفكر الشيوعي كفكر سياسي واجتماعي ، ام رفضا لاطار محلي ، ام تبريرا ذاتيا لموقفه الاسرائيلي ؟

الاحاديث الخامس : الدين والعلمانية والسادس :عن الطبيعة ، والسابع : عن الادب والثامن : عن دولة اسرائيل

يطرح سامي هنا موقفه من الدين ومن فصل الدين عن الدولة، يطرح قضايا مجتمعه اليهودي  واشكالية العلاقة بين الدين والعلمانية ، هذا الحديث يستحق مراجعة خاصة .

يتحدث عن موقفه من الطبيعة والقضايا العامة السياسية والفكرية والادبية .

يتحدث عن تجربته الكتابية وعن قراءاته ، يقول ان روايته الاولى كانت تحمل اسم " المعابر " ( اشتهرت المعابر في السنوات الاولى لاقامة دولة اسرائيل حيث اسكن القادمين اليهود في مجمعات سكنية اشبه بالمخيمات وتفتقد للكثير من الخدمات وهي احياء للفقراء اليهود الشرقيين بالاساس ، اليهود من الدول المتطورة ، الاشكناز – اي الغربيين .. لم يعانوا من السكن في المعابر، اصبحت المعابر من رموز التمييز بين اليهود الغربيين والشرقيين ) كتب سامي رواية المعابر باللغة العربية عام 1950 وفازت بالجائزة الاولى في مسابقة لكتابة الرواية نظمها الحزب الشيوعي ، الجائزة كانت اصدار الرواية ، لكنه في نفس الفترة ترك الحزب الشيوعي  ولم يشأ بنشر الرواية ، "تخلص" منها وهو لا يملك اليوم نصا عنها ، يتحدث عن اعماله القصصية باللغة العربية التي كان ينشرها باسم " سمير مارد " . في صحافة الحزب الشيوعي بالاساس .

ينهي احاديثه عن تجربته الاسرائيلية من زاوية اخرى ، فيتحدث عن قادة الدولة ورأيه فيهم  وارتباط ذلك بشتى الاحداث ، بدءا من بن غوريون واشكول وغولدا مئير وبيرس ورابين وبيغن ونتنياهو وصولا لبراك .

القارىء يلمس بوضوح ، رغم كل محاولات فلسفة الواقع المتناقض ، ان سامي والجيل الذي يمثله سامي ما زال عربيا عراقيا في اعماق نفسه ، يعيش حالة اغتراب في مجتمعه .. ولكن الاساسي ان هذا الجيل يتلاشى ويختفي ويحل مكانه جيل اسرائيلي لا يعرف الماضي ، قيمة كتاب الاحاديث مع سامي ميخائيل ، انه شهادة على امكانية بناء واقع آخر في العلاقات العربية اليهودية ، لا دور فيها للبندقية وسفك الدماء .

ــــــــــــــــــــــــ

ملحق : مراجعة لرواية سامي ميخائيل

الكاتب العبري الكبير سامي ميخائيل في روايته الجديدة يبدأ من حيث انتهى غسان كنفاني

رواية تحمل رؤية نبوئية حول مستقبل آخر للفلسطيني واليهودي

نبيل عودة

الكتاب : حمام الطرف الاغر ( باللغة العبرية )

الكاتب : سامي ميخائيل

اصدار " عام عوفيد " ( 262) صفحة من الحجم الصغير 

سامي ميخائيل، ابن الثقافة العربية ،ابن بغداد  الذي صار اسرائيليا وكاتبا عبريا ، ربما هو التعبير اليهودي الثقافي عن العائلة الفلسطينية التي هربت من حيفا، دون ان تستطيع اخذ طفلها بدير معها .فعادت بعد الاحتلال الجديد عام 1967 للبحث عن ابنها في حيفا ( رواية غسان كنفاني : " عائد الى حيفا" ) لتصطدم بحقيقة مؤلمة ، ان طفلها بدير ، العربي الفلسطيني ، اصبح جنديا اسرائيليا اسمه " زئيف آفشتاين ".. بعد ان وجدته امرأة يهودية عبرت الكارثة فتبنته .

زئيف – بدير ، هو وجه آخر للنكبة الفلسطينية ، لكن سامي ميخائيل يقول لغسان كنفاني في روايته " حمام الطرف الأغر " ان زئيف – بدير هو التعبير للكارثة اليهودية ايضا كما يتضح في نهاية الرواية .

الأب ، ابن جيل النكبة ، لم يستطيع تحمل هذا الضياع وأن يقبل زئيف ، الجندي اليهودي – ابنه الفلسطيني ، رغم انه نتيجة للنكبة ، شعر بالعداء له ... تماما كشعوره بالعداء لمغتصبي وطنه  وعاد ليواصل نضاله العنيد، ثم ليسقط فيما بعد برصاص رجال الموساد . لكن الأم ... قلب الأم يرفض الهزيمة ، زئيف هو ابنها رغم حواجز اللغة والزمن ، لا تستطيع ان تفرق في حبها بين ابنها وابنتها الفلسطينيين  وبين ابنها الذي صار " اسرائيليا" .

سامي ميخائيل  بوعي او بدافع غير واع ، يطرح مأساتة الذاتية ايضا ، كأني به يروي احداثا عايشها على المستوى الفكري على الأقل  وربما على المستوى الشخصي أيضا، لكن باختلاف الأحداث والمضامين .سامي ايضا ابن ضائع للثقافة العربية ، تبنته ( خطفته ) ثقافة اخرى .

الأم تنجح في بناء علاقة حميمة مع ابنها زئيف ، متجاوزة حواجز اللغة ، الابن زئيف يعمل كل ما بوسعه ليعيش هذا الواقع المعقد بين حب امه البيولوجية و"هجرته" ، التي لم يخترها ، الى اليهودية والاسرائيلية .

امه تدخل حياته وتنشأ بينهما علاقات رائعة من المودة ، بينما الواقع الاسرائيلي – الفلسطيني ، واقع الاحتلال الوحشي والمقاومة العنيفة ضد الاحتلال ، يشكلان الخلفية المأساوية لهذه العلاقات ، التي تتسع دائرتها لتشمل لقاءه مع اخيه واخته ، ولكن في واقع مأساوي لا يترك فسحة للحب والفرح والحياة .

سامي ميخائيل في روايته المركبة والمليئة بالاحداث يبرز بقدرته الكبيرة على السرد  وطرح الأسئلة الصعبة عن العلاقات بين الشعبين ، في ظل استمرار سفك الدماء المتبادل ، يقوم بذلك باسلوب فني حساس ومؤثر ومدهش بنفس الوقت .

لماذا حمام الطرف الأغر ؟

" الطرف الأغر" هي ساحة في لندن اشتهرت بالحمام الداجن الذي لا يخاف الانسان ، بل يلامسه باجنحته ويحط على يديه وأكتافه ، كأني بسامي ميخائيل يقول: اذا كان حمام الطرف الأغر قادرا على اجتياز حاجز الخوف من عسف الانسان ، يرفرف بكل حرية في الفضاء وعلى الأرض ، يحط على ايدي واكتاف الناس ، يتجول بين ارجلهم ، فالانسان قادر ايضا على اجتياز الحواجز التي تبعده عن أخيه الانسان ، لذا كانت ساحة الطرف الأغر المليئة بالحمام هي الساحة التي اعادت الحرارة للعلاقة العائلية وعلاقة المصير الواحد بين شقيها الفلسطيني والاسرائيلي .

لكن الجيل الثاني ايضا ، جيل زئيف وأخيه ، رغم اختلاف علاقاته نوعا عن الجيل الذي سبقه ، جيل النكبة / جيل الأب ، كان عليه ان يدفع الثمن  وهو ثمن مؤلم ولا يقل مأساوية عن الكارثة اليهودية والنكبة الفلسطينية ... وكأني به يقول : ان الكارثة والنكبة متواصلتان كوجهين لعملة واحدة .

زئيف اليهودي – الابن الفلسطيني ، يجد نفسه في معمعة الانتفاضة ، بعد احدى زياراته لأمه .. يسرع اخوه الفلسطيني لحمايته ... ويسقط الأخوان، اليهودي والفلسطيني ضحايا للواقع المأساوي لهذه الأرض التي شبعت دماءا وجثثا .

لكن سامي ميخائيل لا يتوقف في هذه الميلودراما العنيفة هنا ، فها هم احفاد الأم ( ام اليهودي والفلسطيني ) حفيدها اليهودي واحفادها الفلسطينيون يلتقون في ارض غريبة ( قبرص ) لتحضنهم الأم - الجدة سوية ، بحب وحرارة وأمل ، فكلهم أبناؤها  ولكلهم نفس الحق بالحياة ، لكنها تكاد تبدو لوحة سوريالية في واقع مجنون  مليء بالدم والألم والدماء والدموع .

ينهي سامي ميخائيل روايته بعتاب بين الأم وابنتها . الأم كانت تظن ان ابنتها عاملت اخيها اليهودي بكراهية عمياء ، لكن الحقيقة ان الأخت ، التي التقت بزئيف  اخيها ، دون ان تعرفه  ودون ان تكشف امها حقيقته ، عانت منذ ذلك اللقاء من صراع نفسي عنيف ، كشفته لأمها في الجملة الأخيرة من الرواية اذ قالت تفند اتهام امها لها بكراهية زئيف :

- "لم تكن آية كراهية يا امي ، أنت وهو ارتكبتم خطأ مخيفا قبل سنوات ، حين التقينا به في الحديقة ، كان عليك ان تكشفي لي مسبقا ان الرجل الذي سألتقيه هو رجل انا ممنوعة عنه ، لم أكرهه حتى للحظة واحدة يا امي ، العكس تماما ، انت لا تعلمين كم تصارعت مع نفسي حتى لا احبه".

رواية سامي ميخائيل تعبق بروح انسانية ، بل هي صرخة تدين الاحتلال الهمجي  وتحلق بالروح الانسانية في نبؤة عن مسقبل آخر عبر عنه في اللقاء بين الاحفاد اليهود والعرب الذين احتضنتهم الام – الجدة ومن يعرف قيمة الحب وقيمة الحياة اكثر من قلب الأم ؟

اثارت الرواية جدلا واسعا بين بعض المثقفين العرب في اسرائيل ، اعتقد انه من حق كل انسان ان يرى احداث الرواية من زاويته الخاصة ... البعض شن هجوما عنيفا على الرواية والمؤلف .. ربما يكون سامي ميخائيل قد بالغ في محاولته لرؤية مغايرة للواقع المأساوي .. ولكني على ثقة ان سامي ميخائيل انطلق من رؤية انسانية في جذورها ، لكن عمق المأساة الفلسطينية  بات مرعبا ، بات من الصعب رؤية المستقبل الذي يبشرنا به ( او يحلم به ) سامي ميخائيل . مع ذلك تبقى الرواية  وبغض النظر عن تفصيلاتها العامة ، صرخة انسانية لوقف التدمير الذاتي الذي يمارسه الشعبين !!