أصحاب الأرض !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

لم تكن حادثة الخصوص مجرد عدوان طائفي فاجر بالسلاح الآلي على مسلمين مسالمين في ذلك المكان الشعبي الذي يتضامن أهله في السراء والضراء ، دون نظر إلى دين أو طبقة . ولكنها كانت تطبيقا بشعا وفجا لحالة التمرد الطائفي الذي أسس له رئيس الكنيسة الراحل شنودة وأشعله على مدى أربعين عاما ، وجاء خلفه تواضروس ليواصل المسيرة الدموية المتوحشة واثقا أن هناك إعلاما منحرفا عميلا يواصل دوره في تقديم المتمردين الطائفيين على أنهم ضحايا والمسلمين الضحايا على أنهم جناة يحركهم المتشددون الإسلاميون ، والقنوات الدينية ونظام الإخوان المتطرف !

حادثة الخصوص كان من الممكن استيعابها في إطار المشادات التي تحدث بين الجيران ، ولكن الطائفي الذي يملك وأسرته سلاحا آليا سريع الطلقات ، كان مشحونا بغضاضة لا تعرف العقل ولا تفقه التفاهم ، وقد أورثه المتمردون في الكنيسة أن القتل خير وسيلة للتعامل مع الجيران ، وهي وسيلة ناجعة سبق استخدامها وانتهت إلى نتيجة صفرية لم يعاقب فيها طائفي متمرد مجرم عقابا يتكافأ مع جريمته ، بل كانت البراءة أو الحكم المخفف أو التصالح في جلسة عرفية هو النهاية السعيدة لاستخدام السلاح الآلي وتذكروا ما حدث مع مجرمي كنيسة إمبابة، وعين شمس، والماريناب بأسوان، وكنيسة أطفيح .

من يتأمل العنف الذي قادته ميليشيات الكنيسة في العباسية يدرك أن التعبئة والشحن والتجييش ، عناصر بارزة فيما جرى هناك . التحدي السافر لسكان العباسية وشتمهم وإهانتهم . استخدام الرصاص الحي والخرطوش والمولوتوف من داخل الكاتدرائية ومن فوق سطحها . الرائد محمد طارق، معاون مباحث قسم الوايلي، الذي تتبعه الكاتدرائية – يحكي جانبا مما جرى ، فيقول :

" إنه ذهب لحماية الكاتدرائية من أي هجوم يواجهها، ولكنه فوجئ بأن الضرب يأتي من داخل الكاتدرائية نفسها.

وأضاف طارق: فوجئنا بشباب داخل الكاتدرائية يضربوننا بكل أنواع الأسلحة ( حي - خرطوش - مولوتوف – حجارة)،  وقد طلبنا من مدير أمن الكاتدرائية أن يُنزل هؤلاء الشباب حتى لا يحدث المزيد من الاحتقان.

وأشار طارق إلى أنَّ الأمن لم يقبض على أحد منهم حتى الآن بسبب أن الضرب ظلَّ مستمرًا بلا توقف.. قائلا: "حاولت تأمين وكيل نيابة الوايلي لدخول الكاتدرائية للمعاينة إلا أنَّ الموجودين داخل الكاتدرائية منعونا".

وأردف: لا نستطيع دخول الكاتدرائية لأن مهمتنا هي التأمين من الخارج.. حتى لو وجدنا شخصًا يحمل سلاحًا داخلها لا أستطيع التدخل.. وهذه أمور يتم الاتفاق عليها بين البابا ووزير الداخلية "مش بتاعتي أنا".

وأكمل: حاول بعض الموجودين بالخارج الرد عن طريق الطوب والشماريخ، ولكن الأسلحة الموجودة بالخارج ليست بكثافة وقوة الأسلحة الموجودة بداخل الكاتدرائية ".

تعامل الأمن مع المتمردين الطائفيين بحنان بالغ يذكرنا بما جرى في العباسية مع الإسلاميين حين أشرف أمن الدولة وغيره من الأجهزة بتوجيه الجنرال بدين وآخرين على  قتلهم وسحلهم مع أنهم لم يسيئوا لأهالي العباسية ولم يعتدوا على ممتلكاتهم ، وخرج المجلس القومي للمرأة يتنصل من الدفاع عن الفتيات اللاتي تم الاعتداء عليهن لأنهن ينتمين إلى الحركة  الإسلامية وسكت الإعلام الفاجر عن الجريمة ، ولكن الأمن أمام شباب التمرد الطائفي لم يستطع أن يفعل شيئا وهم يدمرون السيارات والمحلات في العباسية !

لقد كانوا يهتفون بهتافاتهم البذيئة فى حراسة الشرطة ثم فجأة بعد انتهاء الجنازة تحولوا إلى وحوش تضرب وتدمر لدرجة أن ضباطا و لواءات كانوا يهربون إلى الحارات المجاورة والمتمردون الطائفيون يتعقبونهم ، وهو ما أثار حمية الأهالي الذين انطلقوا فى موجة غضب يطاردون المعتدين الذين لاذوا بالكنيسة ومنها واصلوا  الضرب والتصويب .

ثم إن من يتأمل هتافات المتمردين الذين قادهم محام مشهور بتعصبه وكذبه وتحريكه للفتنة ، يجد أنها ليست مجرد هتافات وقتية، ولكنها تعبير عملي عن تخطيط إجرامي ، وتطبيق لدعاوى خيانية تحدث عنها قساوسة معروفون ، وكلها تصب في الفكرة الملعونة التي تشغل المتمردين ، وهي تحرير مصر من الإسلام والمسلمين ، وأن المسلمين ضيوف كما صرح أحدهم ذات يوم ، وكان يقصد أنهم غزاة محتلون كما يصرح آخرون .

تأمل الهتاف الذي يقول : " بالطول  بالعرض احنا أصحاب الأرض "، " قالوا علينا خمسة فى الميه - و إحنا أصحاب الأرض ديه " ، " قالوا علينا أقليه - بكره يشوفوا المليونيه " و إنسى القبطي بتاع زمان - بكرة هنضرب فى المليان " ، " ارفع راسك فوق إنت قبطي " ، " يسقط يسقط حكم المرشد " ، " الصحافة فين - النصارى أهم".

من يريدون تحرير مصر من الإسلام والمسلمين وجدوا في الإعلام الخائن لله ورسوله حليفا طبيعيا ، حوّل جريمتهم إلى هجاء سياسي للإسلاميين والإخوان المسلمين خاصة . وجاءهم المدد من خونة المهجر الذي تخصصوا في التشهير بالمسلمين ، واتهامهم كذبا بذبح النصارى ، وفرض الهجرة عليهم وخطف بناتهم، واستحلال أموالهم ، وحرمانهم من أداء فرائضهم الدينية ، وعدم إقامة كنائس لهم ( بلغ عدد الكنائس التي بنيت في عهد شنودة 3600كنيسة ، وكان عدد الكنائس منذ الفتح الإسلامي حتى عهد شنودة يزيد قليلا عن خمسمائة كنيسة ) . تأمل ما يقوله خائن من خونة المهجر تحتفي به الصحف المصرية والإعلام الفاجر في بيان يمتلئ كذبا وخسة وكراهية للإسلام والمسلمين ، أصدره تحت عنوان " بيان إدانة لمجازر الدولة المصرية وبلطجة الداخلية " ويقول فيه :

" لم تكتف الفاشية الدينية لجماعة الأخوان المسلمين والسلفيين في السطو على مقدرات الوطن إنما نجحت في تحويل مؤسسات الدولة الأمنية لتصبح جناح عسكري (كذا!) لها.

إننا ندين ولن نصمت على مليشيات وزارة الداخلية التي كان همها الأكبر حماية الغوغاء والدهماء من الأخوان والسلفيين وضرب الكاتدرائية المرقسية بالعباسية...".

هكذا يعمل التمرد الذي أخفق في وأد الثورة ، فعمل على تدمير الديمقراطية ، وإثارة القلاقل بالتظاهر والاعتصامات والبلاك بلوك وميليشيات دوران شبرا وماسبيرو والكاتدرائية !