المعري المُتنازع على قتله بين الأسديين والسلفيين

المعري المُتنازع على قتله

بين الأسديين والسلفيين

د. حمزة رستناوي

[email protected]

-كيف نماثل بين تمثال تذكاري للشاعر أبو العلاء المعري و بين صنم لمتألّه مثل حافظ الأسد ؟!

 - يذكر التاريخ أن أبو العلاء المعري لم يمدح سلطانا أو أميراً في حياته - بغرض التكسّب - على نقيض عادة الشعراء من المتمجِّدين و المتسكعين على أبواب السلاطين و الامراء آنذاك , فقد كان يعيب أقرانه الشعراء على هذا السلوك اللا أخلاقي.

 - هل أبو العلاء المعري من المنحبكجيّه و عبيد الاسد حتى يكسّر تمثاله هكذا وفق تأويل ما ؟!

 - هل من مبرِّر للكتابة و الاهتمام بحدث تحطيم رأس تمثال من الحجرالأصم في وقت تشهد فيه سوريا و منذ عامين مجازر مستمرة ذهب ضحيتها عشرات الآلاف الأحياء ,منهم الكثير من الاطفال و المدنين الابرياء.؟!

 - إن الشاعر أبو العلاء المعري هو الشخصيىة الأكثر شهرة في تاريخ معرة النعمان - منذ الغزو الاشوري لها في فجر التاريخ و حتى الآن – حيث أنّ ذكرهُ يقترن بها ,و ذكرها يقترن به , فلو سألنا عربي من مراكش عن معرة النعمان سيحضر في ذهنه أبو العلاء المعري, و لو سألتَ أيّ عربي آخر من الأهواز أو اليمن أو فلسطين.. كذلك فسيخطر في ذهنه أبو العلاء المعري.

 -تحطيم رأس تمثال أبو العلاء المعري يعكس قصوراً في الانتماء ,و يعكس فهما جوهرانيّا للهوية , هذه الهوية العربية الاسلامية – كأي هويّة أخرى- الغنية في تنوعها و تفاعلها و التي عبَرت عن نفسها بأشكال و طرائق تشكّل مختلفة متفاوتة في حيويتها في اطار الثقافة العربية الاسلامية ,و بما يتجاوز الفهم الاحادي لها, و ليس المسيح الذي جاء ناصحا لقومه اليهود , و نبي الاسلام الكريم , و التيارات الاسلامية المختلفة من سنة و شيعة و معتزلة و أشاعرة ,و ابن رشد و الغزالي و ابن تيمية و ابن سينا و الطبري و أبو نواس و الحلاج إلا فاعلين فيها , هذه الثقافة التي استوعبت العرب و الكرد و التركمان و الفرس و البربر و الاقباط بأشكال و درجات مختلفة و متنوعة عبر تاريخها, إن هذه الهوية ليست بالضرورة أن تكون محصورة و متطابقة مع الانتماء العقائدي للأفراد و الجماعات , فيجب النظر اليها كانتماء ثقافي و حضاري يشمل المؤمنين و غير المؤمنين , العرب و غيرهم ممن ساهموا في بنائها و ازدهارها, المسلمون بشتى مذاهبهم ..الخ.

- هل قتلَ أو آذى أبو العلاء المعري إنسانا ً في حياته , أو ياترى هل حَرَّضَ على قتل أحدهم رغم كثرة أعدائه في ذلك العصر , بما يمائل الطريقة الأسدية أو غيرها! فهو الذي عاش نباتيّاً ,يحرّم على نفسه أكل اللحوم و البيض و العسل ,حتّى أنه كان يرفض قتل الحيوانات لا بل الحشرات فهي في رأيه خُلقت حتّى تعيش

فلا تأكلْ ما أخرجَ الماءُ ظالماً *** ولا تبغ قوتا من غريض الذبائحِ

ولا تفجعنَّ الطير وهي غوافلٌ *** بما وضعتْ فالظلمُ شرُ القبائحِ

ودعْ ضربَ النحل الذي بكرتْ لهُ *** كواسبُ من أزهار نبت فوائحِ

لقد كان المعري رائدا للرفق و اللاعنف, كارها للظلم , رهين المحبسين , منكفئا على نفسه , نافرا من شرور البشر, ناقدا لحكّام عصرة الظالمين – كما يفعل الآن الشعب السوري بثورته ضدّ حكامه الظالمين :

يا رب أخرجني إلى دار الرضا *** عجلاً فهذا عالم منكوسِ

وأرى ملوكا لا تحوط رعية *** فعلام تؤخذ جزية ومكوسِ

ألا يصلح بيت الشعر الأخير ليكون إحدى لافتات الثورة السورية المباركة ! - إذا كان نظام الاستبداد الاسدي بكل سلبياته قد أقام مهرجانا سنويا لتكريم أبو العلاء المعري, فكيف للثورة السورية – أو بعضاً منها- ضد هذا النظام الاستبدادي أن تغتال – وفق فرضيّة معيّنة- رمزياً أبو العلاء المعري و كل ما يمثل في الثقافة العربية الاسلامية؟! مع العلم أن أهم تظاهرة ثقافية في هذا السياق كانت في أيلول عام 1944 بمرور ألف عام على ولادة أبو العلاء المعري و الذي شارك فيه شعراء و باحثين عرب على رأسهم طه حسين و محمد مهدي الجواهري , أي عندما كان عمر الأسد الأب (14 سنة ) فقط.

- أليس هذا السلوك العدائي – وفق فرضيّة معينة- يدعم حجج النظام لاستبدادي في دعاواه أنه يقاتل ارهابيين و امارات سلفية, و يشكِّكُ في مقدرتنا على تحقيق بديلا ديمقراطيّاً أفضل منهُ ؟!

 - هل يحق لنا المماثله بين صنم لحافظ أسد و بين تمثال تذكاري لأبو العلاء المعري أو يوسف العظمة أو أبو فراس الحمداني, أم أنها كلها قد تكون في عرفهم بعضهم : أصنام و أوثان يجب تكسيرها.

-هل قام الشعب السوري بثورته الاسطورية في شجاعتها و تكلفتها ليستبدل نظام الهمجية الأسدية بنظام أحادي جوهراني على طريقة طالبان و شباب المجاهدين الصومالية؟!

- من ينتقم من الاموات , و يصفّي حساباته معهم , على الاغلب لن تكون لديه مشكلة في إقصاء المختلفين عنه ممن هم على شاكلة أبو العلاء المعري و طريقته في الحاضر ؟!

-سأثبت نص فتوى منشورة على موقع اسلامي شهير : اسلام ويب – مركز الفتوى, بخصوص أبو العلاء المعري و طه حسين , بغية عرض وجة نظر لفئات من المتدينين" المحافظين " في الآمر.

"س: سؤالي وباختصار أنا حائر من بعض علماء الدين والدعاة أجلهم الله بسبب تكلمهم عن بعض الأدباء والشعراء وأقصد طه حسين وأبو العلاء المعري، وسؤالي بالأخص عن هؤلاء الإثنين وإن كانوا قدحوا ببعض الأحكام في الشريعة لنفترض أنهم مجانين ولكن مع ذلك هل نقرأ مؤلفاتهم أم لا ؟ ولماذا لم نقل عن المتنبي هذا الشيء من التكفير أو القدح ونحن نعلم أن المتنبي لم يهتم بالدين وله قصائد في المدح يغلو فيها كثيرا هل هناك تناقض ؟ أنا من أكثر المعجبين بالدعاة السعوديين خاصة وجميع محاضراتهم عندي ولكن لماذا أبو العلاء المعري وطه حسين ؟ لماذا لا نقول مثلا إنهم اتهموا ظلما ولم يكونوا هكذا ؟

-الإجابــة:

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فلا يمكن أبدا أن يعتبر أبو العلاء المعري أو طه حسين مجنونين غير مكلفين وقد كانا عاقلين يعيان ما يصدر منهما من أقوال أو أفعال ، ولم يدخرا وسعا في التشكيك في الإسلام وبث روح الإلحاد والزندقة وإليك شيئا مما يوضح ذلك . أما أبو العلاء المعري فقد تواردت أقوال أهل العلم على ذمه ونسبته إلى الزندقة والتشهير به ، قال ابن كثير في ترجمته : أبو العلاء المعري التنوخي الشاعر المشهور بالزندقة اللغوي.... وقال بعد إيراد بعض شعره : وهذا من قلة عقله وعمى بصيرته .." و من الجدير بالذكر أن تمثال طه حسين في مدينة المنيا المصرية و تمثال أبو العلاء المعري في معرة النعمان قد تعرضا للعبث إبان ثورات الربيع العربي و حالة الفوضى التي رافقتهما.

 - نأتي الآن إلى سؤال جوهري , من الذي قام بتحطيم تمثال أبو العلاء المعري , فالأمر لا يبدو وضحا و قد خضع لتوظيف اعلامي دعائي من قبل أطراف متعددة. و على أي كاتب في هذا الشأن تحري واقع الحدث قبل البناء عليه ,

 إذ اتهمت السلطة السورية و الموالين لها و كذلك مثقفين "علمانيين" كأدونيس"1" مثلا جماعات سلفية متشددة , و لكن اتهاماتهم جاءت مَعِيْبَة لسببين :

 الأول هو نقص أدلة برهان الحدوث والاتهام ,أما السبب الثاني فقد جاءت اتهاماتهم في معرض الدعاية لسلطة الاستبداد الاسدي ,و سكوت عن همجيّة و بربريّة قلَّ مثيلها في العصور الحديثة .

 -إن واقعة التعدي على تمثال أبو العلاء المعري ليست بجديدة فهي تعود غالباً لجمعة العشائر منذ ما يزيد عن سنة ,و الصورة التي عرضتها مواقع الكترونية و فضائيات مثل روسيا اليوم"2" و سكاي نيوزعربي"3" للتمثال مقطوع الرأس هي صور قديمة أرشيفية , و لكن جرى عرض الحدث و إثارة نقاش حوله و كأنه حدث للتو ؟؟! و بتواصل كاتب المقال مع أكثر من صديق – كلٌّ على حدة- من معرة النعمان أكَّدوا أن التعدي على التمثال حدث قديم تمَّ في جمعة العشائر أثناء تصدي قوات السلطة الاسدية لمظاهرة في الشارع الرئيسى في معرة النعمان حيث اصابته رصاصات و قذائف بشكل مقصود او غير مقصود .

 - قامت القوى الموالية للثورة السورية بالتبرؤ من فعل تحطيم التمثال, و قد ورد بيان من الجيش الحر في معرة النعمان ينفي مسؤوليته عن ذلك و ينسب الفعل إلى السلطة الاسدية , على الرابط :

 - بغض النظر عن الجهة التي قامت بالفعل يقينا ً, فأنا هنا لستُ في وارد تقمُّص شخصية محقق جنائي , و لكن يبقى الاحتمالين ممكنين الحدوث فالاتجاهات السلفية المتشددة ترفض مبدأ اقامة التماثيل لأي كان من الاساس بدعاوى و حجج ذات طبيعة عقائدية, فكيف بتمثال لشخصية اشكالية مثل أبو العلاء المعري يُتّهم من قبلهم بصفات:" كافر- ملحد- مرتد..الخ" و تاريخ هذه الجماعات مليء بحوادث مشابهة من تحطيم تماثيل بوذا إلى تفجير اضرحة في ليبيا و تمباكتو في مالي و غيرها. و كذلك السلطة الاسدية لم تدَّخر جهدا في تشويه صورة الحراك الشعبي الثوري السوري و نعته بالسلفية و الظلامية باكراً ,و دفعه للعنف و التطرّف أكثر فأكثر.

 ورد في الاثر النبوي " لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون من قتل المسلم " و الانسان السوري الذي صنع تمثالاً لابو العلاء المعري عرفاناً له و تذكيراً به قادر على صنع تماثيل اخرى في المستقبل , و من يدين تحطيم تمثال أبو العلاء المعري و – معه كله الحق و نشدُّ على يده- عليه ان يدين أولاً سفك الدم السوري و انتهاكات حقوق الانسان التي تجري في سوريا أيا كان فاعلها, و قبل ذلك النظام الاستبدادي المسؤول بشكل مباشر و غير مباشر عن سفك الدماء و انتهاك حقوقه.

" أورينت نت"

**

"1"أدونيس لفرانس 24: "كنا في مشكلة النظام واليوم أصبحنا أمام مشكلة الثورة"وفي السياق عاد الشاعر السوري إلى حادثة قطع رأس تمثال أبي العلاء المعري "إنني كنت أتمنى من المعارضة والمثقفين المرتبطين بها إصدار بيان يدينون فيه تحطيم الرموز.. إنني أرى في تحطيم رأس تمثال أبي العلاء قطعا لرأس الفكر والحرية والديمقراطية.. والمعارضة لم تصدر ولو بيانا لاستنكار ذلك.. إن صمتهم هو إما خوفا أو رغبة". 2-2-2013

"2" عنوان التعليق :" بعد أبو العلاء المعري في سورية ... طه حسين بلا رأس في المنيا بمصر" تاريخ النشر 16-2-2013

"3" سوريا.. مسلحون يقطعون رأس تمثال المعري , الثلاثاء 12 فبراير, 2013