بالأدب نسمو

يسري الغول*

[email protected]

في عام 2003، وأثناء زيارة شارون إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولقائه بالرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، قام الأخير بإهدائه خارطةً قديمة جداً لفلسطين التاريخية، فابتسم شارون وقال: دعني أيضاً أقدم لك هدية ولكن من دون إطار، إنها قطعة من قصيدة للشاعر الأميركي روبرت فروست، بعنوان: «الجدار الواصل» يقول فيها : " إن الجدار الجيد يبني جيرة حسنة.وكان شارون يلمح بذلك إلى جدار الفصل العنصري الذي يبنيه داخل الضفة الغربية، وكأنه يريد أن يقول بأن بناء الجدار قد يصنع جيرةً حسنةً مع الفلسطينيين، حيث استثمر ذلك المجرم لغة الأدب من أجل الترويج لفكرته عند صناع القرار العالميين، في حين أننا أصحاب القضية نتجاوز فكرة الطرح الأدبي ولا نوليه أيَّ اهتمام.

ولعل الكثير من الأمثلة يعطينا مدلولاً واضحاً حول أهمية الأدب، ومدى تأثيره على صناعة القرار، فلقد كانت كتابات علاء الأسواني وجمال الغيطاني وفؤاد قنديل وبهاء طاهر وإبراهيم عبد المجيد دليلاً واضحاً على مدى تأثير تلك الروايات على الشارع المصري وإلهابه في الثورة ضد الظلم والطغاة. وليس ذلك فقط، فإن الأدب لا يتوقف عند إذكاء النفوس بالثورة والانفجار، بل إنه قادر على اختراق الأجهزة الرسمية للدولة وتغيير القوانين والتشريعات، فبعد أكثر من عشر سنوات مرّت دون أن يخرج البرلمان البرازيلي بقرارٍ حول الحجز التعسفي للبشر في المصحّات النفسية، وقف السناتور البرازيلي إدواردوسوبليسي أمام البرلمان في يناير 1999، وقرأ مقتطفاً من رواية (فيرونيكا تقرر أن تموت) للروائي العالمي باولو كويهلو،مما أثار ضجة داخل القاعة ليصدر بعدها قانون يمنع الحجز التعسفي للبشر في تلك المصحات.

إن الأدب كإطار فكري معرفي شعوري فريد، يجتاز كل التابوهات، ويخترق كل الحصون ليؤثر في ثقافة المجتمع ورؤيته للأشياء، ويذكر بأنّالروائي الأمريكي جاك كيرواك بعد أن كتب رواية "على الطريق"،  قد أثّر بشكلٍ كبيرٍ في الحياة الواقعية الأمريكية، إذ رفع مبيعات ملابس الجينز بصورة مخيفة، وجعل ملايين الأمريكيين يتخلون عن الملابس التي ليست من ذلك النوع.

ولننظر لتأثير أدب المقاومة في كل البقاع والعصور،  كقصائد بابلو نيرودا وكاميليو ولويس أراغون ومحمود درويش ومظفر النواب وناظم حكمت وأرنستو كاردينال وفيديركو غارسيا لوركا وغيرهم؛  وأعمال روائيينا الروّاد أمثال غسان كنفاني، إيميل حبيبي، غريب عسقلاني، سميرة عزام، يحيى يخلف، توفيق فياض وغيرهم الكثير.

إن الأمة بغير الأدب والفنون هي أمةٌ متخلفة تعوزها اللغة والتطور والتاريخ، خصوصاً وأننا اليوم في مرحلةٍ لا يمكن تجاوز الإعلام فيها، حيث أنّ الروايات والقصص والقصائد تُمثّل وتُغنى، سينمائياً ومسرحياً، مما سيعمل بشكل أو بآخر على التأثير في الرأي العام وهو ما يجب أن تستثمره المؤسسات الرسمية من أجل إبراز ما يعانيه الفلسطيني من تهجير وتشريد وحصار وقتل وترويع..إلخ. ولنستحضر دوماً مقولة ذلك الأديب الياباني، المدعويوكيوميشيما،  والذي كان يردد دوماً: "لنؤثر قليلا في التاريخ، وتحديداً بالأدب، لأنه قادر على التأثير في مجرى نهر العالم".

               

*عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين