جنسية في الزبالة

خليل الجبالي

مستشار بالتحكيم الدولي

[email protected]

لم نلتق منذ فترة بعد الإنقلاب العسكري علي الشرعية في مصر، وشاءت إرادة الله أن أقابله دون موعد فوجدت اليأس والإحباط مغيم علي وجهه الذي قلما تجده كذلك، فبعد الإطمئنان عليه قلت له وكيف حالك في مصر فبادرني قائلاً: إرمها في الزبالة !!

فقلت: ما هي؟

قال: جنسيتك المصرية .... واستترد قائلاً : لو أجد دولة تعطيني جنسية ما جلست في تلك البلد التي يحكمها العسكر ثانية واحدة.

فقلت : الخروج بعيداً عن الظالمين والهروب من بطشهم وارد مالم تملك القوة التي تدافع بها عن نفسك ... ولكن أن تتنازل عن ذرة من تراب بلدك وليس جنسيك فهذا غير وارد، فمن يدافع عنها إن لم ترد الظالمين عن ظلمهم، وتسعي أن توقف السلب والنهب، وترد الحقوق المسلوبة إلي أصحابها!!

فقال : كيف ذلك وأنا أعزل؟

قلت: بلسانك ... بقلمك... بجهرك للحق والدفاع عنه .... ورفضك للباطل والتصدي له... حتي وإن كنت بعيداً ، في الشمال الشرقي ، أو الجنوب الغربي.

قال : ومن يسمع صوتي حتي أجهر به؟

قلت: أهل الحق فيثبتوا علي حقهم، وأهل الباطل فتُزلزل أقدامهم.

خذ بالأسباب وسيُسمع الله صوتك للحجر والشجر فيدعون لك.

لا تجعل اليأس يدب في قلبك فقد بنى نبيُ الله نوح السفينة في صحراء جرداء، وليس لديه من المبشرات للنجاة إلا الثقة في معية الله بعد الأخذ بالأسباب، فقد استهزءوا به كثيراً ، وأوذي في سبيل الله طويلاً حتي قال لهم ( إن تـَسْخَرُوا مِنَّا فَإنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ويَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (39) سورة هود

إن تكاتف المصريين لتبيلغ رسالة واحدة وهي الحرية لمصر، والحفاظ علي الشرعية المكتسبة بصناديق الإنتخابات وإلا فالموت دونها لهو من معالم النصر الحقيقة، فإن إسقاط الإنقلاب رسالة جمعت المصريين الشرفاء علي قلب رجل واحد حتي تتحقق.

وإن كثيراً من الأنبياء والرسل جاءوا لتبليغ رسالتهم، فمنهم من لم يؤمن معه أحد، ومنهم من لم يؤمن معه إلا قليل، وماهي إلا رسالة حق نقوم بتبليغها والعمل علي تحقيقها (قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) سورة يس .

إن الأمل مع العمل ، والصبر مع الإبتلاء، والجهاد في وجه الظالمين لجديرٌ أن يُضحد الإنقلابيين ويشل أركانهم، فأهل الباطل أولي باليأس من أهل الحق، وإن الرعب الذي يملأ قلوبهم لجدير أن يزلزل عروشهم، ولكنه يا سيدي إنما هو صبر ساعة، يحتسبها أهل الحق حتي يظهره الله أو يهلكون دونه.

فتوكل علي الله وكن من المتفائلين بنصره القريب، فمن ركن إلي الله فلا يُذل، ولن يُخزى ( ومَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ولَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ (12) سورة إبراهيم.