الضمــير

الضمــير........

الراحل الأستاذ سعيد عبد الحليم

الضمــير هـو ذلك الصـوت الخفي الحـاكم والـرادع للنفس والرقيب عليها ، ليردها

عند جمـوحـها ، وشطـط هـواها ، إنه قـاضـيك الخـاص الذي يسكن أغـوار نفسـك

، يقـيِّـم ماتفـعـل أولاً بأول ، فإذا خالـفته في غفـوة منه صـب عليك جـام غضـبه

وقـد يوخذك أو يقـضي بجـلدك ً ، فتعـمل علي إرضائه وتعـاهده بألا تعـود إلي مافعـلت من شطـط 

وغـفوة الضمير واردة ويمكن تداركـها ، غير أن الخطـير في الأمر ليس غفوته بل تكـون الطاامة حين يموت فيك ، فحينئذ تعيث النفس فساداً لموت من يراقبها وتصبح دمية في يد هواها.

والضمـير : يعني إستـعـداد النفـس لإدراك الخـبـيـث أو الطـيـب من الأعـمـال والأقوال ، بل والأفـكـار أيضاً ، والتـفرقـة بين ماهـو حسن منـها ، أو قبـيـح وإتيـانـه بقـناعة منك ودون الخـشـيـة من قـانـون وضـعي

أضمر الشئ وأخفاه– أضمر في نفسه أمراً وعزم عليه بقلبه

وفي المنتهي يعني ماتضمره في نفسك ويصعب الوقوف عليه .

والضمـير يولد معنا بالفـطـرة ، لذا فهو يعد نتاج نشأة ، وأثـر تربية ،

فالضمير شأنه شأن الـولـيد الـذي يحـتاج لأن يحـيا في بـيـئـة صحية وصالحة

، فإذا نما علي هذا النحو صار كياناً ذو أثـر في حياة الفرد وسلوكياته ، فيضع

علي النفس سياجاً يعصمها من إقتراف الخـطـأ والخطـيئة ، كما أنه إذا صلحت

ضمائر الأفراد في الأمة ، فإنه يصب في ضميرها العـام ، وساعـتـئـذ لاننظر

إلي الضـمـائر فـرادي ، وإنما نتـحـدث عن ضمير أمة بأثرها ، ونحكم بمدي

صلاحه من إعوجاجه .

ويتبدي الضمير الحي في الخفاء أكثر منه في العلن ، فقد يتصنع الإنسان خرب

الضمير أمام الناس ، لكنه إذا ماإخـتـلي بنفسه ، تجـرد من هذا السياج الحاكم ،

وصار لايلوي علي شئ من وازع ولا رادع

وإذا كانت الرسالات السماوية جميعاً بما تدعو إليه من فضيلة قد عنت

بالضمير المتمثل في القول والسلوك في إطار إفعل ولا تفعل ، فإن تربية

الضمير قد لاترتبط بالأديان أيضاً ، وآيـة ذلك أن هناك شعوباً وأمماً

لاتنتمي لأي ديانة سماوية ، ولكنها تملك ضمائراً حية ، كانت رائـدهـا في

التحـضر وإعتلاء الشأن ، ولننظر إلي اليابان ، تلك الـدولة التي تملك

ضميراً عاماً يضرب به المثل في القول والسلوك ،وكذا الصين ، والدول

الشيوعية، والتي ملكت نواصي العلم وبلغت في دروب التقنية شأواً عظيماً.

والضمير يعتبر هو القاطرة الرئيسية في نهضة الأمم ونمو إقتصادياتها

، والعنـصر الأهـم والدائم من عـناصر الدخـل السلـبي ، أو غير المرئي

فيها ، وأخذاً بالقول أن معظم النار من مستصغـر الشرر ، فمثلاً إذا لم

يجيد عامل الكهرباء دقة توصيلاته ولم يعمل ضميره في ذلك ، فحتـماً

ستحـدث ماسـاً أو شـرراً لا يلـبس أن يتـولد عنه حريق عظيم يلتهم مايقع

في طريقه ، وهي خسارة في أموال الفرد والدولة معاً ، ولو أعـمـل

ضميره بإحكام ما يصنع لأمكن تجنب تلك الخسارة وتلافيها .

أو ألا يحسن الـصـانـع جـودة السلـعـة المكـلف بها ، فإنها سـرعـان

ماتتـلـف وتهلك قبل فوات عمرها الإفـتـراضـي المقـدر لها ، وهي

خسـارة أيضاً للفرد والمجتمع ، وقس علي ذلك المعلم والطبيب ،

والقاضي ، كل في نطاق عمـلـه ......إلخ

حـتي الأم بجـلال قدرها ، قـد لاتراقب أبناءها في النشئ بالمستوي المأمول

منـها والمضطلعة به ، بأن توجههم وتنمي ضمائرهم ، كأن تنصرف عنهم لأعمال أخري ، نراهـم وقـد صـاروا عـنـد بلـوغـهـم ينتـمون إلي بني

الإنسان قولاً لا فعلاً ، وهم عن هذا الـوصـف ببعيد ، فضـلاً عن أنهم

سيصيرون عنصر هدم لا بناء في مجتمعاتهم، فشهادة الحـق ضـمير،

ونصـيحة الآخرين ضمير ، والمأكل والمشرب ضمير ،والنظافة في الجسم

والملبس والبيئة ضمير ، والذوق ضمير ، والتأدب مع الآخرين ضمير،

وإيثار الآخرين علي النفس ضمير ، والكلمة إذا كتبت أو قيلت فهي عين

الضمير ، فقد تصدر عن ضميرخرب المرامي والقاصد والأهداف فتحدث

تصدعاً في بنيان الأمة.

وإذا كان الملاحدة لن يؤجروا علي ضمائرهم الحية في إتقان أعمالهم ،

فقد قرن الإسلام ذلك بحسن الجزاء ، فقدقال تعالي:

[وقل إعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون]

التوبة 105

كما قال ( صلي الله عليه وسلم ) :

" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه

فهلا راعينا ضمائرنا فيما نقول أو نفعل سراً وعلانية ؟؟؟؟

دمتم بخير

رحمك الله أستاذنا الطيب و أبانا الحنون أ/ سعيد عبد الحليم و أسكنك الله فسيح جنانه