التقويم الثقافي لعام 2012م

التقويم الثقافي لعام 2012م

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يرتبط السياق العام لحركة المجتمع المصري بعد ثورة يناير 2011 بالثقافة بصورة ما . لقد تحررت مصر وتحرر الإسلام وتحرر الشعب من عصابة إرهابية فاسدة ، ظلت ستين عاما تكتم أنفاس الناس ، وتصادر حريتهم وعقيدتهم وإبداعهم وفنونهم ، ولا تسمح إلا بما يزيف الوعي ويسطحه ويحول المواطنين وخاصة من الأجيال الجديدة إلى كائنات بيولوجية لا تعرف إلا ما يملأ بطونها ويشبع غرائزها ، ولذا فقد أعلت من القيم المادية والقوة والعنف واستباحة الكرامة مع الترويج للفهلوة والغاية تبرر الوسيلة والبحث عن المنفعة الشخصية قبل المصلحة الوطنية ، وازدهرت الكتابة التي تدعي أن الكاتب لا يملك إلا جسده ، وأن القضايا الكبرى لم يعد لها وجود أو كينونة ، وفشت كتابات هابطة من هذا النوع تنفق عليها الدولة من عرق الفقراء والبائسين .

ثورة يناير تجاوزت هذا المنهج بدليل خروج الجماهير بطريقة مدهشة أثارت إعجاب العالم كله ، وكان في مقدمة هذه الجماهير أجيال من الشباب الغض الذين اهتدوا بفطرتهم إلى ضرورة الحصول على الحرية والكرامة والعدل ، ورفض الاستبداد والمهانة والظلم ،وهو ما وجد صداه في أعمال كتّاب مهمشين ، لا ينتمون إلى الحظيرة الثقافية ، ولا ينتسبون إلى العصابات التي سرقت ثقافة الأمة وهمشتها وقايضت بها في سوق اللصوصية الحضارية ، لدرجة الاحتفال بالمحتل الفرنسي المجرم ، وعدّ ذلك الاحتفال علاقات ثقافية (! ) .

مع أن رأس النظام في المستشفي ينام في العسل ويحظى بالخدمة من الدرجة الممتازة ، والزيارات التي لا تتوقف ، فما زال أبناؤه يحكمون الوطن ، ويسيطرون على مفاصله ، ويشيعون في أرجائه الفساد واليأس والإحباط  ، ويحاولون العودة إلى الفردوس المفقود لإبقاء عارهم الذي كان ، وتبدو قوى الثورة أسيرة ومحاصرة ومطاردة أمام محاولات إسقاط الدولة ومؤسساتها وعرقلة إقامة ديمقراطية تناسب مصر العريقة . لقد نجحوا في إسقاط مجلس الشعب ، ويحاولون إسقاط مجلس الشورى والرئاسة والدستور ، وكل ذلك لمصلحة مؤسسة اللصوص الذين سرقوا ونهبوا بالقانون ، وسيطروا على مؤسسات الفكر والتوجيه والرأي ، وصار من الصعب على الرئيس المنتخب أن يقطع خطوات ولو بسيطة في طريق الأمل ، فكلما خطا خطوة للإمام أعادوه بالأكاذيب والتهويش والتضليل والذرائع الواهية إلى نقطة الصفر .. بما يعني في مفهومهم : إما نحن أو الدمار !

ما زالت المؤسسة الثقافية في قبضة أبناء المخلوع ، ومختطفة من قبل اللصوص الذين سرقوها قبل ربع قرن من الزمان . الأشخاص أنفسهم  ، والأفكار ذاتها ، والنشاطات عينها ، والنتائج الكارثية هي هي لم تتغير . لم تعلم المؤسسة الثقافية أن هناك ثورة ، وأن هناك مثقفين مختلفين ، وأفكارا مغايرة ، ونشاطات متعددة ، ونتائج إيجابية تنتج عن الحوار والتفاعل والتنوع .

القيادات الثقافية ما زالت تأتي من داخل الحظيرة ، وحين بدا أن هناك وزيرا سيأتي من خارجها قامت القيامة ولم تقعد إلا بعد عودة الوزير الذي استقال قبل استقالة وزارة الجنزوري بأيام ليحصل على مائتي ألف جنية وقلادة ذهبية قيمة ما يسمى جائزة الدولة التقديرية !

كثرت البيانات والتصريحات من الحظيرة الثقافية عن حرية الفكر والتعبير والإبداع ، والخوف من الأسلمة والأخونة وكأن مصر دولة بوذية أو هندوسية أو مجوسية ، وتابع القوم سياسة التهميش والإقصاء والاستئصال التي ظلت طوال ربع قرن حتى اليوم ضد من هم خارج الحظيرة ، لدرجة أن الكاتب الذي أهان الإسلام والمسلمين وجماعة الإخوان و، وجعل منشئها عميلا للإنجليز حصل في ظل الأغلبية الإخوانية على ما يقرب من نصف مليون جنيه وقلادة ذهبية  فيما يسمى جائزة مبارك أو جائزة النيل أكبر جوائز الدولة المصرية ، وخرج بعدها ليقول إنه غير متفائل ، وشبه الإخوان بالقرود ، ولم يعترضه أحد بسوء ، ولكن الضجة حول حرية التعبير ما زالت قائمة ، والتهميش والإقصاء والاستئصال لغير الحظائريين ما زال قائما أيضا .

هناك كتب في مجال التخصصات النوعية تصدر من حين لأخر ، ولا يهتم بها أحد وفقا لمنهج التهميش والإقصاء والاستئصال ، وهناك نصوص إنشائية في الرواية والقصة والشعر والمسرح تأتي في سياق معتاد ، و أغلبها الأعم غير ساطع ، وغير متفرد .. بيد أن هناك بعض الكتب التي رصدت حركة ثورة يناير وأرخت لها ، وهي كتب مهمة بالنسبة للأجيال القادمة وإن كان بعضها يأخذ منحي حزبيا أو أيديولوجيا فيحجب بعض الحقائق أو يفسرها تفسيرا غير موضوعي يلوى عنقها لإثبات رؤية منحازة وغير دقيقة.

 وهناك بعض الكتب التي رصدت المتحولين أو المنافقين الذين كانوا يخدمون النظام الأمني السابق ، وتحولوا إلى الثورة ، وبالغوا في ثوريتهم المدّعاة لدرجة أنهم يتجرءون الآن على مقام الرئاسة المنتخبة بصورة مقززة ومخالفة للأخلاق والأعراف  ، مع أن بعضهم عمل في تلميع بيادة النظام البوليسي الفاشي ، وكان يصف المخلوع بأنه أفضل رئيس عرفته مصر ، أو يصفه بأنه النسر الأعظم إشارة إلى مهنته في الطيران قبل وصوله إلى الرئاسة ، وكل ذلك نظير العطايا والهدايا التي جعلت لبعضهم قصورا وحدائق بعد أن كانوا يهيمون على وجوهم في أحياء القاهرة بلا مأوى .

جوائز الدولة لم تتجاوز الحظيرة كالعادة ، ولم تتغير لعبتها المعروفة ، وبرع أنصارها في الحرص على عدم خروجها من بين ظهرانيهم ، لدرجة أنهم استثمروا نصوص القانون ليمنحوها لموتاهم !

من العلامات الطيبة إخراج مسرحية كفر الأخضر التي تدعو إلى تعمير سيناء ، وعرضت في العاصمة والمحافظات وحققت نجاحا ملحوظا ، وللأسف وقف منها بعض المنسوبين إلى الحظيرة موقفا غير طيب ، حيث منعوا عرضها في قصر الثقافة بإحدى المدن .

ومن العلامات التي نرجو أن تكون طيبة تخصيص ملحق للثقافة بالأهرام ، ونأمل أن يكون مفتوحا للمهمشين الذين تم إقصاؤهم واستئصالهم ، كما خرجت أخبار الأدب من الدائرة الحديدية الضيقة  التي تحركت فيها منذ إنشائها ، ونأمل ألا تكون حكرا على دائرة أخرى حديدية ضيقة ، بل تتسع للجميع ، وان يكون شعارها بل شعار الحياة الثقافية : الجودة قبل الشهرة ، فرب نكرة يكتب جيدا خير من مشهور لا يكتب إلا زورا وبهتانا وخدمة للاستبداد .

وكل عام وأنتم بخير .