المراهنون على خراب ربيع العرب

ياسر الزعاترة

لم يعد سرا أن تحالفا بعضه مباشر، وبعضه الآخر يلتقي في السياسات وردود الأفعال، قد نشأ خلال المرحلة الماضية، بينما أخذ يتعزز منذ فوز الإسلاميين بالانتخابات البرلمانية المصرية، وعنوان هذا التحالف هو تخريب ما عرف بالربيع العربي وإثبات عبثيته وتأثيرها السلبي على مصالح الناس، وقبل ذلك وبعده إحباط الشعوب التي عوّلت عليه وعلى القوى التي تصدرته، وفي مقدمتها القوى الإسلامية وعلى رأسها الإخوان.

هذا التحالف يتداول الأموال والخبرات الأمنية والسياسية والإعلامية، ويلتقي في السياسات حيال المستجد من القضايا العربية العامة؛ والمحلية منها على وجه الخصوص.

المطلوب بالنسبة لهذا التحالف واضح كل الوضوح. إنه باختصار تخريب مسيرة الربيع العربي وإثبات عبثيتها، لا لشيء إلا لأنها مسيرة لا تتوقف عند بلد بعينه، بل تمتد وتتمدد لتصل مختلف العواصم دون استثناء، أي أنه في عرف أركانه “وباء” لا يستثني أحدا على الإطلاق، أكان غنيا أم فقيرا، ملكيا أم جمهوريا أم غير ذلك.

ما جرى في ليبيا أثبت أن الدول الغنية ليست بمنأىً عن مسيرة التغيير، فضلا عن الدول الفقيرة المدججة بالدكتاتورية والفساد. لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن هذه المجتمعات المثقفة والمتعلمة لم تعد تطيق حكمها بذات الآليات القديمة؛ أكانت دكتاتورية كاملة، أم ديمقراطية ديكور، وهي ترغب تبعا لذلك في محاكاة النماذج الغربية في الحرية والتعددية، وإن رأت أن ثمة خصوصيات ينبغي أخذها بنظر الاعتبار.

في دول أخرى تحسُّ بعض الأنظمة أن الأرض تميد من تحت أقدامها، فهذه الملايين التي تدخل يوميا إلى “تويتر” و”فيس بوك” وتتحدث عن الفساد والسرقات الفلكية والحرية والتعددية لا يمكن أن تصبر طويلا على وضعها، وهي تنتظر الفرصة المناسبة لكي تنتفض، ولا شك أن نجاح دول الربيع العربي سيمنحها تلك الدفعة المطلوبة.

من أجل ذلك كله يجري العمل على إجهاض ذلك الربيع؛ أحيانا بالحصار الاقتصادي، وأحيانا بالحصار السياسي، وأحيانا بدفع بعض الناس إلى التخريب الداخلي، ولا تسأل عن الهجوم الإعلامي اليومي الذي ينقب في التصريحات والمواقف عن كل ما من شأنه إدانة تلك القوى التي صعدت مع نجاح الثورات.

واللافت بالطبع أن التحالف المذكور لا زال يجد عونا من قوىً تدعي مناصبته العداء مثل القوى اليسارية والقومية وبعض الطائفية، وهذه هي التي تتولى كبر تخريب الربيع العربي عبر رفض آلياته الديمقراطية والإصرار على الحصول على حصة من كعكته أكثر بكثير مما تمنحه لها صناديق الاقتراع، وكذلك عبر التشكيك بالقوى الإسلامية على مختلف الأصعدة.

هذا التحالف الذي يصطدم مع تلك الدول في سوريا بهذا القدر أو ذاك لا يزال يتحالف معها في تخريب ربيع العرب واستهداف قواه، وهو أمر لا يجد تحالف “حكام ضد ربيع العرب” إن جازت التسمية أي حرج في استثماره أفضل استثمار.

في سوريا يتبدى مشهد بالغ الغرابة، ففي حين وجدت بعض الدول في الثورة فرصة لإشغال جماهيرها عن أوضاع الداخل، مع الخوف من ردة فعلها على موقف متخاذل في سوريا في ظل حشد مذهبي واسع النطاق، فقد مالت إلى التلكؤ في منح الثورة فرصة نجاح حقيقية.

ولما كانت الحالة المصرية هي “أم ربيع العرب” والأكثر تأثيرا فيه، فقد تعرضت للكثير من الاستهداف، وستتعرض للمزيد منه، لاسيما أنها تضيف لمخاوف نشر عدوى الثورات مخاوف أخرى بشأن الوضع العربي وطريقة إدارته وعلاقاته البينية والخارجية.

وإذا تذكرنا أن تحالف “حكام ضد ربيع العرب” يحظى بدعم كبير من أمريكا والغرب، فينبغي علينا أن نتوقع حربا طويلة ومضنية بين الثورات التي نجحت وبين قوى التخريب الداخلي والخارجي، بل علينا أن ننتظر استخدام كل الأساليب الشيطانية من أجل أن لا يقترب ربيع العرب من الدول الخائفة منه.

كل ذلك لا يدفعنا إلى اليأس بحال، بقدر ما يدفعنا إلى تقدير الموقف بشكل صحيح، وعدم التورط في مستنقعات الإحباط بسبب فشل هنا أو هناك، فهذا الربيع ينطوي على تحولات تاريخية تؤثر على مصير الكيان الصهيوني، وتؤثر على منظومة العلاقة بين شعوب منطقة بالغة الأهمية والحساسية وبين الغرب الاستعماري، ولا يمكن أن يمر بيسر وسهولة، وهو يحتاج إلى نضال حقيقي ومرير حتى يصل إلى شاطئ الحرية والوحدة والنهوض للأمة بأسرها.