إفلاس الإبراهيمي، أوهام أسدية، ووقاحة روسية

منذر آق بيق

إنتعشت آمال الأسد بعد عودة نائب وزير خارجيته من موسكو بغنائم سياسية كبيرة، و عودة الإبراهيمي من نفس المدينة بخفي حنين، و أدرك أنه قد أعطي ضوءا أخضرا لمتابعة ما بدأ به من البطش اللامحدود بالشعب السوري، و لكن هذه المرة بأقل قدر من الإنتقادات الدولية بعد أن بدا أن الغرب قد سلم الملف إلى روسيا، أو على الأقل ليس لديه الرغبة في التوغل في الملف السوري بأكثر من مجرد التصريحات و المراقبة من بعيد و إدخال المعارضة في دوائر جدلية مغلقة حول حماية الأقليات و التطرف الإسلامي، إنتعشت آماله فسارع بعد إنقطاع سبعة أشهر الى دار الأوبرا في دمشق لإلقاء خطاب المنتصر ، و هو المعروف عنه عندما يلقي خطابات من هذا النوع عنجهيته و قلة أدبه، و لعلنا نذكر مثالا عن ذلك عندما ألقى خطابا بعد حرب تموز بين إسرائيل و حزب الله، كيف أهان القادة العرب أنذاك و أسماهم (انصاف رجال)، يعود الآن و بنفس الصفاقة يكيل الإهانات و الهجاء الى معارضيه، و يسميهم مجرمين ، قتلة، إرهابيين، تكفيريين، عملاء، عبيد، و لاتجري الدماء السورية في عروقهم..الخ من الصفات. و حتى يعطي مناصريه الخارجيين و الداخليين ما يتحدثون به، ألقى في وجوه الجميع ما أسماه مبادرة سياسية، فارغة تماما من أي مضمون سياسي، أو مفاعيل قابلة للتنفيذ، و يدل إنتقاد الإبراهيمي لخطاب الأسد، و دعوته الغير مباشرة للخروج من الحكم حيث وصف حكم عائلة الأسد بأنه طال أكثر مما ينبغي، و ثم هجوم النظام على الإبراهيمي بمثابة إعلان وفاة لمبادرته و فشل الجهود الدولية و العربية للخروج بحل سياسي.

لم يكتف الأسد بذلك الخطاب الأرعن، بل سارع إلى تأكيد محتواه، فبدأ حملة منظمة و مخطط لها بالإبادة الجماعية للشعب عن طريق مجازر متتالية بدأت قبل الخطاب في حلفايا (مجزرة الخبز)، و المليحة(مجزرة الوقود)، و أتبعها بمجازر يومية عن طريق الإعدامات الميدانية، و القصف الجوي اليومي و الممنهج الذي يستهدف تجمعات المدنيين و آخرها في جامعة حلب، و أعزاز، و سلقين، و الطبقة، و قبلها الكثير. أما إعزاز و سلقين، فهو يوجه رسالة خاصة و هي أنه قادر على الوصول إلى المناطق الحدودية، أو تلك التي يقال عنها مناطق محررة، بينما كافة المجازر يوجه من خلالها رسالة الى الشعب السوري أنه سوف يستمر في البطش و القتل بدون أي رادع إلى أن يعود الشعب إلى حظيرة العبودية، و يقبل بإستمرار حكم العصابة الأسدية بدون شروط.

وكان للأسد ما أراده من المواقف الدولية، التي تجاهلت تماما تلك المجازر ماعدا جامعة حلب، حيث صدر بيان من الخارجية الأمريكية بشأنها، سرعان مارد عليه رئيس الدبلوماسية الروسية و الأسدية في آن "لافروف"، بأنه بيان معيب لأقصى الدرجات لأنه يحمل النظام المسؤولية، و صمت الأمريكيون بعد ذلك، و هنا تفي روسيا بوعدها للأسد بإستمرار مناصرته مهما بلغت درجة الوقاحة التي تسلكها دبلوماسيتها. أما إحالة الملف إلى محكمة العدل الدولية، و التي أيدته بضع و خمسون دولة، و اعتمدته خمسة دول أعضاء في مجلس الأمن هي كوريا الجنوبية فرنسا وبريطانيا وأستراليا ولوكسمبورغ  ، فهذا المشروع ولد ميتا بسبب النتيجة المعروفة سلفا للتصويت في مجلس الأمن، و بالتالي يمكن أن يوضع في خانة "رفع العتب".

و ذلك الشعور بالإنتصار لدى الأسد، و الذي يستند إلى معطيات دوليه، يدل على أن الأسد مازال أسيرا لأوهامه بأن المسألة برمتها هي مؤامرة أجنبية، إنحرف من انحرف من الشعب و انساق إليها، و الدليل على ذلك أيضا أن أول بند في مبادرته المزعومة هو أيقاف الدعم الخارجي للثوار.

و لكن هل فعلا الأسد ينتصر كما يتوهم ؟، إن المتابعة الدقيقة للأوضاع على الأرض توحي بعكس ذلك تماما، فالمعارضة المسلحة المتمثلة بالجيش الحر، و رغم قلة العتاد و الذخيرة، مازالت تتقدم ببطء و لكن بثبات على الأرض، و تحقق الإنتصارات فيما يمكن تسميته حرب إستنزاف، و استولى الثوار على مطار تفتناز المحصن جيدا في ادلب، و كذلك كتيبة الدفاع الجوي 599 و ذلك تمهيدا للهجوم على مطار النيرب في حلب، و يتوالى تحطيم حواجز النظام و إسقاط طائراته في الوقت الذي تتكبد قواته خسائر كبير في داريا بريف دمشق، و بصرى الحرير في درعا.

ومما لاشك فيه أن النظام لديه أزمتين كبيرتين، الأولى هي مخزونه من الموارد البشرية التي تقاتل معه، و يدل على ذلك لجوئه إلى تشكيل جيش شعبي من المدنيين مؤخرا، و استعانته بمقاتلي حزب الله، و بعض الطائفيين من العراق، و خطفه للشباب على الحواجز لإلحاقهم بالخدمة العسكرية. و من الواضح و حسب التقارير اليومية من أرض المعارك، أن النظام يتكبد خسائر بشرية هائلة، من قتلى و جرحى و منشقين، و هذه الأزمة سوف تكشف النظام آجلا أم عاجلا.

اماالأزمة الثانية هي مالية، و يدل على ذلك زيارة رئيس وزراء النظام التسولية إلى أيران ، و مسارعة الأخيرة بمنح النظام ملياري دولار، أحدها قرض حسن، و الثاني على شكل وديعة، و كان يمكن إرسال تلك المساعدات بدون تلك الزيارة، و لكن من الواضح أن الإيرانيين طلبوا التوقيع على بعض الإتفاقيات و التي سوف تتجلى شروطها المهينة مع الزمن . و في هذا الإطار يوجد إشارة إستفهام كبيرة حول وضع الأمم المتحدة حوالي نصف مليار دولار بتصرف النظام تحت مسمى مساعدات إنسانية و في هذا التوقيت بالذات.

إن قيام النظام بالقصف الهيستيري و المحموم على المدنيين بالطيران و المدفعية هو محاولة متخبطة للتغطية على أزماته و إنكساره المتسارع، بينما هذه المجازر التي تستهدف المدنيين لا تؤدي إلى تحقيق مكاسب استراتيجية و عسكرية، و قد حاول هتلر خلال الحرب العالمية الثانية تحطيم معنويات البريطانيين عن طريق قصف المدنيين في لندن حتى أيامه الأخيرة، و لم يمنع ذلك الحلفاء من اجتياح برلين وإنهاء الحرب لصالحهم . أما التغطية الروسية، و الدعم الأيراني فيمكن لهما إطالة أمد الحرب، و ليس التأثير على النتيجة النهائية لها .

يثبت تاريخ نضال الشعوب من أجل الحرية أن المعادلة الصحيحة هي إرادة الشعب و ليس المعادلات الدولية، وسوف تكون نهاية نظام الأسد مماثلة لنهاية من سبقه من الأنظمة الفاشية، أما محاولاته المحمومة لتحطيم معنويات السوريين فلن تؤدي إلا إلى إزدياد النقمة عليه، و إنخراط أعداد إضافية من الشعب في الثورة، حيث يدل المنحنى البياني لعدد المقاتلين في صفوف الثوار على إزدياد مضطرد حتى وصلوا إلى مئات الآلاف، و مازال العدد في إزدياد رغم إستخدام الأسد لكافة أنواع الأسلحة الثقيلة في حربه على الشعب، و رغم المجازر التي لم تهدأ منذ اليوم الأول للثورة، و التي حتما أدت إلى زيادة إصرار الشعب على التخلص من ذلك الإستبداد الهمجي و ليس العكس. و رغم الألم الشديد على الشهداء و المآسي الإنسانية من جراء تلك الهمجية، فإن الشعب السوري أيضا إستفاد كثيرا من تجربته خلال السنتين الماضيتين، و أهم تلك الفوائد أنه أدرك أنه عليه أن يعتمد على نفسه أكثر فأكثر، فيزيد من العمل الجماعي و المنظم عسكريا، و إغاثيا، و سياسيا، و يقلل في نفس الوقت هدر طاقته في الشكوى، و إنتظار مساعدة الغير.