الثورة فعل تغيير..

عقاب يحيى

والثورة طموح للانتقال إلى وضع أفضل .

والثورة أهداف لأغلبية المجتمع لا تقتصر على حزب، أو مجموعة، أو فئة، أو دين، أو طائفة، أو أنا مهما كانت كبيرة، او تسلّحت بكل أنواع القواصف..

والثورة حرية وكرامة 

الحرية أولها ومنطلقها . مسارها وجوهرها ومآلها : حرية التعبير، والعمل والتحزّب . المساواة في المواطنية وفقاً لدستور عصري يقرّه شعب بحرية الاختيار، وقوانين ناظمة تسري على الجميع : حقوقاً واضحة، وواجبات مطلوبة التنفيذ ..

والثورة انتماء لوطن واحد متعدد الأطياف والأديان والمذاهب، والإثنيات.. بواقع كونه جزءاً من وطن كبير اسمه الوطن العربي الذي يقرّ حقوق المكوّنات القومية جميعها في إطار وحدة الجغرافيا والمجتمع والنظام السياسي.. حتى وإن اختار اللامركزية الإدارية، أو أشكالاً من الفيدرالية المتناسبة مع تركيبته .

والثورة رفض للاحتكار من أية جهة كانت، ولفكرة امتلاك الحقيقة انطلاقاً من الإيمان الواعي بأن الحقيقة نسبية، وأنه ما من أحد يحوز عليها.. وإلا لكان الاستبداد هو البديل، وهو هنا استبداد قد يكون أشدّ، واقسى من استبداد قامت الثورة لإنهائه، ونسف مرتكزاته، وإرثه.. خاصة ذلك النوع الذي يريد سجن الدين والمذهب في قمقمه الخاص، وتنصيب نفسه الوصي، والحارس، والمنفّذ له...

                                                    ***

ـ لنعترف ونحن على أبواب السنة الخامسة، والتضحيات جبال..بأن الثورة عرفت ـ على أيدي المنتسبين إليها، والراكبين والمحسوبين عليها، تراجعات مشهودة، وتشويهات مقصودة وعفوية، ومحاولات لإلحاقها في مسارات ليست لها، وتودي بها ..

لقد كان مفهوماً، وربما منطقياً، وعادياً تزاوج ذلك الإيمان الشعبي مع أفكار الحرية، والانطلاق من المساجد، ورفع شعارات إسلامية، وإيمانية تعبّر عن مشاعر الأغلبية، واستنادهم إلى المعتقد، ومناجاتهم للرب كي ينصر الثورة... حتى وإن غلبت على تلك الأمواج المتصاعدة تلوينة دينية موصوفة..

لكن توظيف هذه الحالة من قبل قوى سياسية دينية، معظمها من القوى السلفية الجهادية، والمتشددة، والانطلاق منها للتحشيد، ومواجهة نهج، وتركيبة النظام، وفعله بما هو مشابه.. ثم الاستفادة من ضرورات لجوء الثورة لاستخدام السلاح دفاعاً عنها، وعن الحياة والشرف..قد أحدث نقلات خطيرة، قادت بالتتالي، وعبر دعم إقليمي وخارجي متعدد الوجوه، إلى طغيان الفكر الديني ـ السياسي المتشدد، والبعد عن جوهر الثورة وأهدافها.. خصوصاً مع تأكيدات بعض القوى، والفصائل المسلحة على إقامة نمط إسلامي، أو شكل من الحكم الإسلامي المتنافي مع تطلعات الأغلبية في الدولة المدنية، وسيادة الحريات العامة، وفي إرجاع قرار الحكم وشكله، ومن يحكمه للشعب، وعبر انتخابات عامة تقرر، وتفرز.. وتضع اللبنات المهمة في صرح تلك الدولة المنشودة.

ـ والثورة ـ رغم المرار، والفظائع، ورغم جرائم النظام التي لا تحيطها الكلمات والأوصاف، وفعله الطائفي المبرّمج، واستنجاده بمليشيات طائفية، وبإيران صاحبة المشروع المعادي للثورة، والأمة... هي لجميع السوريين أولاً، بمن فيهم القطاع الأوسع من الفئات الشعبية التي وإن وقفت ضدها، أو على الحياد، وإن استخدم النظام عديدها في الجيش والمليشيات والشبيحة.. إلا أن مسؤولية الثورة عن وطن، وشعب، ومستقبل يفرض عليها ترسيخ مبدأ المحاسبة القانونية من جهة، وتعميم نهج التسامح، والإخاء، والعدل من جهة أخرى، وليس الدخول في لعبة النظام المجرم، أو الوقوع في ردّ الفعل العنيف لإشعال البلد حرباً مذهبية أكثر دماراً، ونزيفاً، وديمومة.. والقيام بتقسيم الجغرافيا والمجتمع ..

ـ وعلينا الاعتراف أن تلك الانزياحات والتحولات أفقدت الثورة عديد حواضنها الشعبية التي تشعر بشيء من الأسى، والمرار، والخيبة.. ليس فقط من حجم الدمار والقتل وفقدان الأمن والأمل وحسب.. بل من عديد الممارسات المنسوبة لقوى مسلحة، ومدنية محسوبة على الثورة تمارس مشابهاً للنظام، واشنع، ووكثير فيها تحوّل إلى نهّاب، وتاجر، ومصّاص دماء، ونهّاز فرص.. أو قاتل لا يتقن غير القتل ..

ـ ربما تتحمّل القوى الديمقراطية، والوسطية، والمؤمنة بأهداف الثورة مسؤولية كبيرة على صعيد القيادة وما أنتجت في ممارساتها عبر الهيئات السياسية التي نهضت بعد الثورة، أو في ميوعتها، ودرجة انتهازيتها، وذاتياتها الحزبوية والشخصية، أو على صعيد تواصلها مع الثوار، وحضورها في الميادين، والعمل المسلح.. ولذلك ستبقى معنية، ومدعوة للمبادرة عبر صيغ توافقية تجتمع فيها من مشارب شتى مؤمنة بالتعددية، وببرنامج إنقاذي يتجه اساساً إلى تشكيل ميزان قوى حقيقي على الأرض، ويحمل مبادرة حل سياسي وطني يتمّ التوافق على محدداته ومرتكزاته في مؤتمر وطني جامع لا يستبعد القوى الفعلية في مختلف الاتجاهات، وسبل تحويله إلى واقع ... واستعادة القرار الوطني الذي من شأنه تصحيح العلاقات مع الدول الصديقة والشقيقة وإقامتها على أسس بعيدة عن التبعية، والذيلية، والخضوع، والإملاءات، أو السماح بالتدخل الفج، والشامل في الشأن الداخلي السوري..

ـ ـ إن التوصل إلى توافق عام ممكن حين توفر الإرادة من قبل القوى المؤمنة به، والسعي المنهّج لتجسيده.. وهو اليوم مهمة رئيس مطروحة على جميع المعنيين .