أبكي عليك أيها الإنسان

سالم الزائدي

[email protected]

أتجول مع الإنسان في نهاره وليله وبالكاد أراه مبتسماً، بالكاد أراه سعيداً، بالكاد أراه مرتاحاً. هل كتب على الإنسان الهم والحزن والصراع للحصول على سعادة ما، تضفي عليه شيئا ًمن السكينة والطمأنينة، أم عليه أن يبقى على الدوام مرتدياً قناعه يخدع نفسه ومحيطه لكي يراه الآخرين في حُلة جديدة أو مزيفة يرتضيها له أخوه الإنسان. لاشك أننا نتعامل مع بعض بشيء من الحقيقة المزيفة والتي نسميها مجاملة وهي في حقيقتها ليس إنعكاسا ًعن ذواتنا، بل هي إنعكاس عن عذابنا الداخلي والذي سببه الإنسان(الجار،الصديق، الأخ، القريب،البعيد) الذين فقدوا ما يميزهم" الإنسانية والرحمة ":

الوجه يضحك بينما                 أبكي ولست تراني      

صدري يضيقُ وداخلي                      ينهار كما البنيانِ

أهذا زماني أم تراني                 أني فقدت زماني       

يا من تظن أنني أبكي من الحرمانِ  إن الحقيقة أنني أبكي على الإنسانِ

بهذه السطور افتتح مقالي .. فربما رأى أحدكم غير ما أرى، وربما هون من القضية باعتبارها مسألة شكلية لا تقدم ولا تؤخر. لكنني أراها ذات شأن وأنظر إلى ما خلفها فأجده ذا مقصد، أشرتُ إلى بعضه في المقدمة ولعمري إن من الكلم ما أعز وأذل .. وقطع ووصل.

تصدمني كلمة الحرية المشاعة في بلادنا العربية، فأنت تراها كلمة تقال ولكن على أرض الواقع هي أبعد ما تكون عن الحرية وما تحمله من معنى. تعلمتُ أن لا تبهرني أفكار الحرية الغائمة التي يتحدثون عنها والتي لا تفيد أمة تحتاج الى العلم والعمل والايمان الآن أكثر من ذي قبل.

قد تعلمتُ الآن وأدركتُ وأيقنتُ أن عالمنا مضطرب يسوده الشر والنزاع والمكايدة والسفاهة والطيش، ناهيك عن الصعوبات الجمة التي يكابدها الإنسان وهو يرسم طريقه إلى النور لكنه عبر حقل من الألغام، أصبح هناك فجوة كبيرة بين نحن وهم.. نحنُ من نكابد من الحياة أمرّها ومازلنا نضحي في سبيل حلم الإنسان وتحقيق طموحه ، ليس كله ، وإنما الحد الأدنى منه..لأننا ببساطة لا نستطيع أن نحقق الكل، مع أناس متسلطون جشعون يضحون بالإنسان وبكل غالي ورخيص في سبيل أطماعهم الشخصية.

 فالذي بيننا وبينهم ليس القديم والجديد، ولا التأخر والتقدم، ولا الجمود والتحول، ولكن أخلاقنا وتجردهم منها.. يتكلم الألم فينا.. ونحتار ولا نجد لما يحدث تفسيراً ولا تأويلاً ، فمن كان في الأمس القريب مغموراً ولم يبدر منه ما يسيء ، تجده اليوم يتسلط على رقاب الناس ويمارس عليهم كل أساليب القهر وفرض الرأي لمصلحة من ولماذا وكيف ولمَ ..كلها أسئلة لا جواب عندي لها.

لم يعرف الإسلام الفصل أو التمييز بين طبقات المجتمع، ومزج في جوهره بين هذه وتلك مزجاً تاماً كاملاً لا غموض فيه، بل ركز على أهمية الإنسان واحترامه وعدم المساس بما يملك أو يفكر، وجاءت تعاليم الاسلام ترسم الحدود وتوضح الواجبات والمسؤوليات بحيث لا يطغى أحدُ على أحد ويعـرف كل واحد ما له وما عليه.

هناك معاني ما زلنا نطمح إليها هي الخير والحق والجمال، وهي ذاتها المعاني التي تجعل للحياة مكانة ومعنى.

سألتُ نفسي لماذا لا نزرع أرضاً للناس حباً ونحيا في سلام كالعبادِ؟ سألتُ نفسي لماذا يحاصر الإنسان أخوه الإنسان وهم في العزة والشدائد أخوة وأحباء؟ سألتُ نفسي لماذا تنزع الفرحة مني وممن حولي وأنت الإنسان؟ سألتُ نفسي ألم يحن الوقت لنبني مجداً وعلماً وعملاً بالايمان؟ سألتُ نفسي كيف يكون لي حياة وأنت فيها الحاكم والجلاد والسجانِ؟ سألتُ نفسي لماذا نشعر بأننا لسنا أحراراً في أوطاننا وليس لإنسانيتنا احترام، إننـا في شـوق لكـي ننــال شــرف الاحتـــــرام الــذي يليــــق بنــــــا ؟

أبكي عليك أيها الإنسان..أبكي عليك أيها الإنسان !!