التحدي والانطلاق

د. ناصح أمين

تقول القصة المنتشرة عبر الإنترنت بأن عاملاً سعودياً بسيطاً كان قبل أكثر من أربعين سنة يعمل في شركة ضخمة، معظم مهندسيها ليسوا من أهل البلد. وفي يوم من الأيام، والجو حار، أراد أن يشرب كأساً من الماء البارد، فاقترب من برادة الماء ليروي ظمأه، لكن أحد المهندسين منعه من استخدام البرادة لأنها مخصصة للمهندسين وليست للعمال!

لا أدري ماذا كان سيفعل أي واحد منا لو كان مكانه! لكن الشاب فكَّر بطريقة إيجابية. إذ قال لنفسه: كيف صار هؤلاء مهندسين؟ ولماذا لا أكون مثلهم؟ لكني لا أستطيع الدراسة، فأهلي بحاجة لراتبي، فكيف السبيل؟ 

في ذلك اليوم عاد إلى منزله وهو يفكر في الحل، وراح يسأل عن إمكانية الدراسة لمن هم في مثل حالته، فدلوه على مدرسة مسائية مخصصة للعاملين في النهار. كان الموقف الذي تعرض له بجانب برادة الماء تحدياً كبيراً، ولذا عزم على الدراسة وانتقل من صف إلى صف حتى حصل على الشهادة الثانوية. ثم تقدم بطلب إلى الشركة لمتابعة دراسته، وحصل على بعثة لدراسة الهندسة في أمريكا. ولما عاد مهندساً أخذ يعمل في جد ونشاط. ولكونه ابن البلد، فقد أخذ يترقى في الوظائف إلى أن حصل على منصب رفيع في الشركة. وفي يوم من الأيام جاءه المهندس الذي منعه من الشرب وطلب منه أن يسامحه، فأجابه: ربما أني حقدت عليك في تلك اللحظة لكني مَدين لك! فلولا ذلك الموقف لم أكن لأصل الآن إلى هذا المنصب.

وتوالت الترقيات حتى أصبح رئيساً للشركة، شركة آرامكو الشهيرة، وحقق فيها نجاحاً كبيراً مما أهّله ليصبح فيما بعد، ومازال، وزير البترول السعودي.

هذه ليست قصة فريدة، بل تحفل الإنترنت بمئات القصص مثلها، والعبرة منها هي أن المواقف يمكن أن يُنظر إليها بأكثر من طريقة، لكن الناجح هو الذي يوظف الموقف السلبي ليكون دافعاً له للانطلاق. وفي ثورتنا المباركة نلاحظ نوعين من الناس. نوع دفعتهم الأحداث للالتحاق بالثورة، فحققوا نجاحات رائعة، ونوع دفعتهم الأحداث للانسحاب جانباً وترك الشقا لمن بقى، كما يُقال.

يتساءل بعض الناس: لماذا يسمح الله جلّت حكمته بأن يصيبنا الذي أصابنا؟ والجواب بسيط، فلو أعطانا الله النصر بلا تعب فلن نقدِّر قيمته. ولو كان النصر يأتي بلا تضحيات لكان الرسل أولى الناس بالنصر، ولكن التاريخ يقول لنا إنهم لم يحصلوا على النصر بسهولة، وإن خسارة معركة هنا أو هناك ليست هي نهاية القصة، وتأخر النصر لا يعني الإخفاق بقدر ما يعني ضرورة التفكير بطرق أخرى والتعامل مع المعطيات بنظرة مغايرة للانطلاق نحو عوالم مختلفة، بعد استيعاب الدروس والعمل على تذليل الصعاب. والأمر المهم هو بذل الجهد، وزيادة الثقة بنصر الله (حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ، وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ).