احتراف الكذب !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

ليلة إعلان النتيجة النهائية غير الرسمية لاستفتاء الشعب المصري على الدستور ، أبرزت قناة العربية التي يسميها كثير من الناس "العبرية " الخليجية خبر استقالة نائب الرئيس المصري محمود مكي من منصبه وكررته مرارا ، وركزت على قوله إن العمل السياسي لا يناسبه لأنه يجد نفسه في وظيفة القاضي الذي يحكم بين الناس .

المستشار محمود مكي يفترض أن يغادر منصبه السياسي( نائب الرئيس ) تلقائيا ، لأن الدستور الجديد ألغى هذا المنصب ووضع بدائل في حالة خلو منصب الرئيس . قناة العبرية التي تحالفت مع المرشح الخاسر الذي يحج إلى دبي منذ ستة أشهر ، جعلت الخبر دليلا على انهيار النظام في مصر ، حيث أضافت لخبر استقالة المستشار مكي استقالة مجموعة من المستشارين الذين انسحبوا منذ أسابيع من المجلس الاستشاري الذي كونه الرئيس عقب توليه السلطة بسبب الإعلان الدستوري ، بما يوحي أن الحدث (استقالة المستشار والآخرين ) تمت في لحظة واحدة احتجاجا على رفض الدستور والنظام جميعا .

قناة العبرية الخليجية نموذج للتدليس البشع الذي يهبط إلى أحط درجات الكذب في تغطيتها لما يجري في مصر ، فمن يرى ويسمع الأخبار التي تنقلها يتصور أن مصر تحولت إلى شوارع من الدم والنار والخراب ، وفي الوقت  نفسه تستضيف الأقليات السياسية والطائفية المعادية للأغلبية الإسلامية ومنهجها وطموحاتها وتتبنى أقوالها وادعاءاتها . إن إعلانات العبرية الخليجية عن برامجها وتقديمها لموضوعاتها التي تخص مصر ، والتركيز على ما يقوله خصوم الإسلام والأغلبية الإسلامية يمثل حالة من التدليس البشع والتضليل المريع . شاشة العبرية الخليجية  تمتلئ بنوعية متشابهة من عناصر الأقليات السياسية والطائفية يرددون مضمونا واحدا وفكرا واحدا وأسلوبا واحدا ، وإذا حدث استثناء وظهرا عنصر واحد من الأغلبية قاطعوه وشوشوا عليه ولم يمهلوه كي يتكلم ، وذلك من أجل تثبيت الأكاذيب والأضاليل والأراجيف التي يروجون لها  ..

وجاءت الرياح بما لا يَشتهي السَّفِن ، فقد انحاز الشعب المصري لدينه وإسلامه وصوت بأغلبية كبيرة ، أو مريحة حسب البي بي سي ، للدستور ، وأنهى جدلا طويلا  أثارته قوى الشر التي لا تريد استقرارا للبلاد ولا أمنا ، وأثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن العبرية الخليجية ومثيلاتها في الخليج ومدينة الإنتاج الإعلامي بل في الإعلام الرسمي الذي يمتلكه الشعب المصري ؛ أن مصر المسلمة تختلف عن النخبة الخائنة ، وأن المصريين يفهمون الأمور وهي طائرة كما يقولون ، ولذا فإن الإنفاق السفيه غير المسبوق على إعلام الكذب والتضليل والتدليس لم يثمر ما يرده أنصار الطغيان والاستبداد وأعداء الحرية والكرامة ، وعبر الشعب عما يريد في أسلوب راق متحضر لم يعرفه الشرق منذ عقود وربما قرون دون أن تسيل قطرة دم واحدة .

لقد كان من تجليات كذب الطغاة والمستبدين في حروبهم الرخيصة أن تقوم إحدى الناشطات المصريات مع أخريات ضمن منظمة " فيمن " بالتعري أمام السفارة المصرية بالسويد احتجاجا على الدستور المصري ، ويضعن على مواضع العفة المصحف الشريف ، و" لا للإسلام " ! كما كتبن عل الأجساد العارية تماماً عبارة "الشريعة ليست دستوراً"، "الدين عبودية" و"لا للإسلاميين . نعم للعلمانية" و"نهاية العالم مع مرسي". وقد أسفرت المنظمة ومقرها كييف عن أهدافها التعصبية الشريرة  في بيان لها بعنوان "محمد نهاية العالم" ، كما ذكر البيان، أن ناشطات المنطمة والناشطة المصرية "تداعين ليقلن لا لدستور الشريعة في مصر".

كما دعت المنظمة "شعب مصر العظيمة إلى منع حصول هذا القمع الديني (؟؟) لمن يبدو أنه النبي الجديد مرسي ومنح الفرصة لمصر لتحصل على التطوّر الديمقراطي المناسب(!) ".

إذن القضية كما بشرت بها العاريات صراحة هي رفض الإسلام والشريعة والرئيس المنتخب ، وهو ما عبرت عنه إعلامية سميت مذيعة الكفن وتنتمي إلى الفلول ، تلك التي أعلنت بلا مواربة : الإسلاميون " هيخرجوا بالدم " ووصفت الإسلاميين بأنهم عبارة عن "مجموعة من المتأسلمين خرجوا من الجحور والصخور، ويعتقدون أنهم يستطيعون السيطرة على شعب مصر، متسائلة في مؤتمر لجبهة الإنقاذ الوطني،هل هؤلاء عقلاء؟!!ثم شبهتهم بـ "القراد" لا يخرجون إلا بالدم، وتوعدتهم  قائلة : " دم بدم نخلص منهم" !

هذه هي حقيقة ما يفكر فيه من يعارضون الدستور ، فضحتهم تصرفات بعض المنتسبين إليهم من الناشطات العاريات أو مذيعة الكفن ، أما ما جرى على الشاشات وصفحات الصحف فكان كذبا مشينا ، عبر عن عبقرية شريرة في احتراف الكذب على الله والناس ، رأينا نماذج عديدة منه ليس أولها ولا آخرها أن الدستور يقسم الوطن ، وأنه يكرس التمييز بين المواطنين ويحرم تعليم اللغات الأجنبية ويؤسس لدولة دينية كهنوتية . وهذه كلها وغيرها أكاذيب رد عليها متخصصون بالدليل والبرهان .

لقد قام أحد المستشارين وهو رئيس محكمة بإجبار إعلامي كذاب علي الاعتذار له على الهواء مباشرة ، بعد أن ادعى مراسل شاشته أن ذلك القاضي ضبط متلبسا وهو يقوم بالتصويت لأحد المواطنين بينما كان القاضي خارج البلاد .

وقد تكفلت الكاميرا بدحض أكذوبة كبرى روجت لها إحدى المذيعات التابعات للنظام الفاسد السابق حين زعمت أن هناك تزويرا في لجان الانتخابات يقوم على الورقة الدوارة . وإذا بالصور تكشف عن الناخبة اللصة التي قيل إنها غير مسلمة وهي تسرق ورقة التصويت وتضعها في حقيبتها لتخرج بها إلى فريق الشياطين الكذبة في إعلام الكذب المحترف . وقد أدرك رئيس اللجنة الانتخابية الجريمة فأجهضها ، ولكن فاتت جرائم أخرى استغلها الكذبة في التشويش والتشهير والكذب الأحمق .

 ومهما يكن من أمر فإن إعلام الكذب المحترف تجب مقاومته سواء في الداخل أو الخارج ، وأن يكون هناك إعلام إسلامي قوي يواجه الحملة الإجرامية ضد الإسلام والوطن ، مع توجيه الشكر لأجهزة الإعلام الإسلامية المتواضعة الموجودة على الساحة في جهادها الرائع الذي بذلته في مواجهة إعلام الكذب الفاجر .