الصفوية والصوفية 11

الصفوية والصوفية

خصائص وأهداف مشتركة/11

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

[email protected]

"المتكلمون يفسدون عقائد الناس بتوهمات شبهات العقول، والمتصوفة يفسدون الأعمال ويهدمون قوانين الأديان". ابن عقيل.

الإسلام دين واضح المعالم والمباديء. ونحن كعرب لانجد صعوبة في فهم القرآن والسنة النبوية لأنهما كُتبتا بلغتنا العربية، وإذا أستعصي فهم كلمة لم تعد في التداول حاليا فبإمكاننا الرجوع الى أحد التفاسير أو القواميس لفهمها. وحجة الله تبارك على الإنسان هو العقل. الذي بواسطته يمكن أن نميز بين الخير والشر، بين ما ينفعنا وبين ما يضرنا، بين ما يرضي الله وما يغضبه. وبين ما معقول ولامعقول. ولسنا بحاجة لمن يصعب الدين علينا ويجعل من آياته عقدا ويحتكر معرفته لها ويخطأ غيره، أو يفسرها على مرامه بما يتوافق ورؤيته الشخصية أو عقيدته. حتى كبار المفسرين نجدهم في قمة التواضع عندما يفسرون آية ما، ينهون كلامهم بعبارة(والله أعلم). وفي هذا المبحث سنستمر بعرض القواسم المشتركة بين الصوفية والصفوية.

معرفة كل اللغات بما فيها لغة الحيوانات والجماد!

من الصفات الطريفة المشتركة بين العقيدتين والتي تدخل في باب النوادر بما لايسع دماغ البشر إستيعابها، ويقف مذهولا منها. هي معرفة الأئمة والشيوخ لكل لغات البشرية، كإنما يُحمِل الفرد سيارة حمولة طن واحد بألف طن ويريدونا أن نصدق بأنها ستسير بشكل طبيعي. والأطرف منه ان اللغات لم تقتصر على البشرية فحسب بل ضمت بين جوانحها لغات الحيوان بما فيها لغة البهائم والطيور والسابحة أيضا. وليتهم توقفوا عند هذا الحد من التخريف بل تمادوا في ذلك بمعرفتهم لغة الجماد. وبلا شك إن الحديث مع الجماد يقتصر على المجاذيب وليس العقلاء.

يذكر المجلسي بأن"من فضلهم(الأئمة) انهم يعلمون منطق الطيور والبهائم وما كتب على جناح الهدهد". (بحار الأنوار27/261 ) لماذا خصص الهدهد فهل يحمل سبورة معه؟ وعن  الحسن بن علي بن النعمان عن يحيى بن زكريا عن عمرو الزيات عن محمد بن سماعة عن النضر بن شعيب عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر(ع) يقول" إنا علمنا منطق الطير واوتينا من كل شئ ". يروي الصفار عن جعفر بن الباقر أنه قال" قال الحسن بن علي (ع) إن لله مدينتين، إحداهما بالمشرق، والأخرى بالمغرب، عليهما سوران من حديد، وعلى كل مدينة ألف ألف مصراع من ذهب، وفيها سبعون ألف ألف لغة يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبه، وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما وما عليهما حجة غيري والحسين أخي". (كتاب بصائر الدرجات / 359. والحمد فقد أكتشفت الأرض كاملة ولم يعثروا على هاتين المدينتين الخياليتين، ولا مليون مصراع من الذهب ولا شعب له سبعون ألف ألف لغة! لكنه الدجل لا غير. وعن أبي حمزة نصير ذكر" سمعت أبا محمد غير مرة يكلم غلمانه بلغاتهم: تُركٍ ورومٍ وصقالبة. فأقبل علي فقال: إن الله تبارك وتعالى يعطي الإمام اللغات ومعرفة الأنساب والحوادث". (الكافي 1/426).

كذلك يروي عن محمد الباقر قوله "علمنا منطق الطير". ونُسب للإمام علي القول" علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء. إن هذا لهو الفضل العظيم".( كتاب إثبات الوصية لأبو الحسن بن علي الهذلي/ 160). وكذلك قوله"أنا أعلم هماهم البهائم ومنطق الطير" (مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين لرجب البرسي170). وأيضا "لا يخفى عليهم كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه الروح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام" (الكافي 1/225 كتاب الحجة). وذكر الكليني" عندهم صلوات الله عليهم كتب الأنبياء عليهم السلام يقرؤنها على اختلاف لغاتها." وأفرد الكليني بابا في الكافي سماه ( أنهم عليهم السلام يعلمون الألسن واللغات ويتكلمون بها)! وهذه بعض النماذج الطريفة المنسوبة للأئمة إفتراءا. عن عبد الله بن محمد بن عبدالوهاب عن منصور بن عبدالله عن المنذر بن محمد عن الحسين بن محمد عن سليمان بن جعفر عن الرضا عن آبائه عن علي عليه السلام قال: "في جناح كل هدهد خلقه الله عز وجل مكتوب بالسريانية: آل محمد خير البرية". معلومة رائعة لم يتوصل لها علماء الأحياء بعد ولا العارفون باللغة السريانية لحد الآن! وربما أجداد ذلك الهدهد لا يشبهوا خلفهم الحالي فمحيت الكتابة من أجنحتهم! ولا نعرف ما موضوع الأئمة مع الهدهد دون غيره؟

لاحظ ان المتصوفة يخصون ايضا اللغة السريانية دون غيرها، ففي ديوانهم الإسطوري الذي يحضره في بعض الأحيان النبي(ص) والملائكة والجن وعدد من الأموات والأحياء تكون" لغة أهل الديوان هي السريانية"!(الأبريز2/8). وعن الطالقاني عن الحسن بن علي العدوي عن حفص المقدسي عن عيسى ابن إبراهيم عن أحمد بن حسان عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال " يا معاشر الناس اعلموا أن الله تبارك وتعالى خَلق خلقا  ليس هم من ذرية آدم يلعنون مبغضي أمير المؤمنين(ع). فقيل له: ومن هذا الخلق؟ قال: القنابر، تقول في السحر" اللهم العن مبغضي علي(ع) . اللهم أبغض من أبغضه وأحب من أحبه". عجبا! هل لآدم ذرية من غير البشر؟ ولماذا تلعن الحيوانات الإمام علي؟ ما الذي إقترفه بحقهم ليلعنوه؟ هل هم من حزب معاوية أم من الخوارج؟ ونُسب للصادق بأنه كان يوما جالسا مع رجل يذكرون عثمان بن عفان فإذا بوزغ يبقرم من فوق الحائط. فقال أبو جعفر: أتدري ماذا يقول؟ قال الرجل: لا. قال ابو جعفر يقول" لتكفن عن عثمان أو لأسبنٌ علي". لذ اعتبر الصادق ان الوزغ رجس وسخ، وأوجب الغسل على من يقتله. (بصائر الدرجات/373). أي إن هذا الحيوان المسكين عُد من أعداء آل البيت، فهو ناصبي أو أموي، وربما خارجي! الا يخجلون من نسب هذه الشعوذات الى الأئمة؟

وجاء في نفس الكتاب بأن ذئبا جاء من جبل الى الإمام الباقر ومد عنقه هامسا في إذنه بسرِ، فقال له الباقر: إمض! فقد فعلت. فرحل الذئب مهرولا فرحا! فسأل الباقر أصحابه عما حدث؟ فأجاب: قال ليٌ يا إبن رسول الله إن زوجتي في ذلك الجبل وقد تعسرت ولادتها، فإدع الله أن يخلصها، ولا يسلط أحد من نسلي على أحد من شيعتك. فقلت له: فعلت! ولا نعرف كيف يميز الذئب ونسله أتباع الباقر عن غيرهم؟ ومن المعروف إن الذئب من الحيوانات التي لا تروض مطلقا فكيف يلتزم بعهده مع الإمام؟ وهل عسر ولادة الحيوانات من شئون الأئمة؟ كما روي الإمام الحسن عن أبيه بأنه كان يوما بأرض قفر فرأى دراجا فقال: يادراج منذ كم أنت في هذه البرية؟ ومن أين مطعمك ومشربك؟ فقال: يا أمير المؤمنين أنا في هذه البرية منذ مائة سنة، إذا جعت اصلي عليكم فأشبع، وإذا عطشت أدعو على ظالميكم فأروى". طريقة جيدة لماذا لا يجربها الشيعة عند الجوع والضمأ ويعلمونا النتيجة؟

وقد إستعار المتصوفة هذه التخاريف وأسبغوها على شيوخهم أيضا، فقد جاء في ترجمة الشيخ محمد السروي(المكنى بأبي الحمائل) بأنه يتكلم العبرانية والسريانية والعجمية. وذكر الشعراني في ترجمة الشيخ إبراهيم الدسوقي بأنه "كان(رض) يتكلم بالعجمي والسرياني والعبراني والزنجي، وسائر لغات الطيور والوحوش". (طبقات الشعراني1/166). وذكر أيضا في نفس الكتاب(135) عن الشيخ الرفاعي بأنه" كان إذا لقى الكلاب والخنازير بدأهن بالسلام، وكان يقول لهم أحيانا: أنعموا صباحا". ولم يَقصر الشعراني معرفة الشيوخ بلغة الأنس والطيور والوحوش وإنما لغة الجماد أيضا! وهي اللغة التي لم يكتشفها العلم لحد الآن. فقد ذكر الشيخ الاموي بأن "العارفين بالله يفهمون كلام المخلوقين من الحيوانات والجمادات". راجع كتاب(حياة القلوب/ عماد الدين الاموي). وليت الأمر توقف عند الأنس والحيوان والجماد بل لغة الجان أيضا. فقد ذكر الشعراني بأن" الولي يعطيه الله تعالى  معرفة سائر الألسن الخاصة بالإنس والجن، فلا يخفى عليه فهم كلام أحد منهم".( كتاب الأنوار المقدسية للشعراني2/115). كذلك قوله" كان العربي منهم إذا رغب أن يتكلم بالعجمية، أو العجمي منهم إذا أن يتكلم العربية، يتفل في فمه، فيصير يعرف تلك اللغة كإنها لغته الأصلية".(الطبقات الكبرى للشعراني1/157).  للتفال قوة سحرية عند الأئمة والشيوخ لم يتوصل علماء الطب إليها لحد الآن. أي تعلم اللغة الأجنبية ببصقة واحدة في فمك! ولم يحدد الشيخ فيما إذا كانت التفلة تعلم المحادثه فقط أم قراءة وكتابة اللغة الأجنبية؟

يذكر الشيخ أحمد بن مبارك عن شيخه الدباغ" ما رأيت من يعرف السريانية وجميع اللغات لبني آدم والجن والملائكة والحيوانات مثله". (كتاب الأبريز/213). ويذكر الكلاباذي" أجمعوا الشيوخ على إثبات كرامات الأولياء، وإن كانت تدخل في باب المعجزات كالمشي على الماء وكلام البهائم".( التعرف لمذهب أهل التصوف/87). ويضيف الجيلي" كل واحد من الأفراد والأقطاب له التصرف في جميع المملكة الوجودية، ويعلم كل واحد منهم ما إختلج في الليل والنهار فضلا عن لغات الطيور". (الإنسان الكامل لعبد الكريم الجيلي/122). ويحدثنا عماد الدين الأموي: "إذا انكشفت الحجب عن القلب تجلى فيه شيء مما هو مستور في اللوح المحفوظ، ولمع في القلب من وراء ستر الغيب شيء من غرائب العلم. يشرف على الملكوت الأعظم، ويرى عجائبه، ويشاهد غرائبه، مثل اللوح، والقلم، واليمين الكاتبة، وملائكة الله تعالى  يطوفون حول العرش يسبحون بحمد ربهم، وبالبيت المعمور، ويسبحونه ويقدسونه، ويفهم كلام المخلوقين من الحيوانات والجمادات". (كتاب حياة القلوب لعماد الدين الأموي/261 على هامش قوت القلوب). ويذكر الغوث محمد مهدي الصيادي الرفاعي في رسالته( برقمة البلبل) حديثه مع البلابل حيث تعرف(البلبلان) عليه وقال احدهما: إنه من آل الرسول وقد فهم لغتنا وعرف ما قلناه، وهو نائب الرسول الآن، وعالم الزمان. فقال البلبل الآخر: إذن تعال نتبرك به ونقبل قدميه! ولنترك حديث البلابل أو برقمتهما على حد تعبير حفيد الرفاعي الأكبر! وغوثهم الأعظم إبن عربي يذكر بأن" سماع نطق الجمادات على مراتب نطقها من الكرامات". (مواقع النجوم/75). وينقل المنوفي الحسيني عن إبراهيم الدسوقي قوله" إلأولياء يطلعون على ما هو مكتوب على أوراق الشجر والماء والهواء وما في البر والبحر، وما هو مكتوب على صفحة قبة خيمة السماء، وما في جباه الأنس والجان، مما يقع لهم في الدنيا والآخرة". والطريف في الأمر إنهم لم يكتفوا بذلك اللغو فحسب بل إخترعوا لغة غريبة، فقد كتب الشعراني رسالة لأحد مريديه نقتبس جزءا منها" بعد السلام وانني أحب الولد وباطني خلي من الحقد والحسد ولا بباطني شظا ولا حريق لظى ولا لوي لظى ولا جوى من مضى ولا مضض غضا ولا نكص نضا ولا سقط  نطا ولا نطب غضا... ولا حفس عفس ولا خفض خنس ولا حولد كنس ولا عنس كنس ولاعسعس خدس ولا جيقل خندس ولا سطاريس ولا عيطافيس ولاهاطامرش ولاسطامريش ولا شوش أريش ولا ركاش قوش..." ولا نعرف هل فهم المريد المسكين هذه الطلاسم؟ وهل أرسل رسالة جوابية للشيخ بنفس لغته التي تحسدها اللغتان المسمارية والهيروغليفية على صعوبتها وفك رموزها؟

العرش الإلهي عند الصفويين والمتصوفة

يغالي الصفويون في هذا الباب بقولهم"أن الأئمة يجلسون يوم القيامة على العرش، وأنهم يعلمون ما كان و مايكون". ووصف المجلسي الأئمة بأنهم" حملة العرش والسفرة الكرام البررة، وأنهم الأئمة يذهبون إلى عرش الرحمن كل يوم جمعة ليطوفون به ويأخذون من العلوم ما شاؤوا".( بحار الأنوار88/26). وزاد صاحب(مرآة الأنوار) بقوله" الأئمة هم (الملائكة) أيضاً في بعض الآيات وخاصة حملة العرش". ويذكر السيد هاشم البحراني" من معاجز الأئمة كتابة أسمائهم على ساق العرش والحجب والشمس والقمر".( مدينة المعاجز1/41). وذكر الكليني عن الأئمة" يأتيهم الملك في المنام واليقظة وفي البيوت والمجالس وأن الله أمدهم بخمسة أرواح منها روح القدس وأنهم بروح القدس يعلمون ما تحت العرش وما تحت الثرى" (أصول الكافي 1/272). ومن طريف ما ذكر عن العرش جاء عن أبي عبد الله "من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال: الحمد لله رب العالمين الحمد لله حمدا كثيرا كما هو أهله، وصلى الله على محمد النبي الأمي وآله وسلم: خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب حتى يسير تحت العرش يستغفر الله له إلى يوم القيامة" (الكافي 2/481). طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب يستغفر للبشر! لا تعليق.

ونسبوا للإمام علي(رض) كلاما كله شرك لا يمكن أن يعقله لبيب، أو أن يظن مجرد ظن أنه يصدر عن الإمام المفترى عليه من المهد إلى اللحد. حيث نسب حافظ رجب البرسي له" أنا نور الأنوار. أنا حامل العرش مع الأبرار".( مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين لرجب البرسي/170). ونسبوا له كذلك القول" أنا اللوح، أنا القلم، أنا العرش، أنا الكرسي، أنا السماوات السبع، أنا الأسماء الحسنى، أنا جنب الله، أنا وجه الله".( شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي). حسنا! لنقارن ما ورد عن الإمام في أحاديث المتصوفة لنشهد تطابقا عجيبا. روى الشعراني والرفاعي عن الإمام" أنا جنب الله الذي فرطتم به. أنا القلم واللوح المحفوظ. أنا العرش والكرسي. وننهي الحديث بقول البهلوان الصفوي حسين الفهد بأن" العرش بعظمته وبجلاله وبفيوضاته كلها مكرمه من أبي عبدالله الحسين. لأن العرش مخلوق والكرسي مخلوق. وليس هناك مخلوق أشرف من آل البيت".

نستعرض الآن بعض ما يذكره الصوفية حول العرش. يذكر الشيخ عبد المحمود بن الشيخ نور الدائم في( النصرة العلمية لأهل الطرق الصوفية/319) بأن سيدي أحمد بن محمد  الفرغلي تحدث عن نفسه قائلا" كنت أمشي بين يدي الله تعالى تحت العرش، وقال ليٌ كذا وقلت له كذا، فكذبه شخص من القضاة فدعا عليه بالخرس، فخرس القاضي حتى مات".(راجع أيضا الطبقات الكبرى للإمام الشعراني). وتحدث أبو زيد البسطامي عن نفسه" أنا العرش والكرسي" كتاب(تذكرة الأولياء/ فريد الدين العطار / 99) وهو نفس الحديث المنسوب للإمام علي الذي سبق ذكره. ونُسب للشاذلي القول" من عبد الله باسمه الحيّ المحيي وأكثر منه، ولا حد لأكثره، شاهد حياة كل شيء ومحييه. ومن ذكر بهم جميعا صعدت روحه إلى الملأ الأعلى، وصعدت روحه إلى العرش، ليكتب عند الله من الكاملين الصديقين".(أبو الحسن الشاذلي/ د. عبد الحليم محمود/614). وقال الشيخ أفضل الدين" لا يعطى أحد القطبية حتى يعرف جميع عوالم هذه العروش والكراسي والسموات والأرضين بأسمائهم وأنسابهم وأعمارهم وأعمالهم".(الاخلاق المتبولية للشعراني1/99). ونُسب للشيخ الرفاعي مخاطبا الفقراء" إن الشيخ عثمان السالم أبادي يصعد كل يوم عند غروب الشمس إلى ديوان الربوية".(قلادة الجوهر/193). ونختم القول مع أبي يزيد البسطامي" غبت في الجبروت، وخضت بحار الملكوت وحجب اللاهوت، حتى ولت إلى العرش فإذا هو خالي" ويستطرد المجذوب بتخريفه" فرميت نفسي عليه قائلا: سيدي أين طلبك؟ فكشفق ورأيت أني أنا". ويسخر الشبلي من العرش والكرسي عندما أخذ كسرة من رغيف وأكلها قائلا: إن نفسي تطلب مني كسرة رغيف، ولو إلتفت سري الى العش والكرسي لأحترق.(اللمع/479).

التلاعب بالأنساب وأوهام القدسية

موقف القرآن الكريم من الأنساب والألقاب وعامل القرابة يمكن إجماله بقوله تعالى في سورة الحجرات/13 (( إن أكرمكم عند الله أتقاكم)). فكل البشر يرجعوا لنفس واحدة كما جاء في سورة النساء/1((يا أيها الناس أتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة)) وقد أقسم النبي(ص)" وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". وفي الحديث النبوي الشريف" لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي. ولا لإحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى".(سنن الترمذي). فهل نفعت القرابة إبن النبي نوح وزوجته؟ وهل نفعت القرابة زوجة النبي لوط؟ أو نفعت عم النبي أبو جهل؟ وهل أبو طالب عم النبي الذي مات كافرا أفضل من سلمان الفارسي الذي مات مسلما تقيا او بلال الحبشي؟ ذكر عمر بن العاص إن طائفة من أقارب النبي(ص) إدعوا ولايته ومحبته فقال" إن آل فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين"(الصحيحان).

كما إن الإنساب فيها إشكالية كبيرة رغم إهتمام العرب بها. فقد إعترف ابن الكلبي وهو العلامة في الانساب بأنه كذب في الأنساب عندما طلب منه خالد بن القصري أن يحدثه عن جدته، وبدلا من أن يكاشفه بأنها كانت بغيا. صنع له نسبا مشرفا! وقد أسعد الكلبي القصري بالنسب الجديد وكافأه على عمله.(كتاب الاصنام لابن الكلبي/18). وفي ضوء الخوف من الخلفاء والحكام وبطشهم، علاوة على الرشاوي وشراء الذمم يمكن أن يضيف اللقيط إسمه إلى شجرة نسب الأئمة! وفي الوقت الذي ينتسب فيه الأئمة إلى العرب فإننا نرى العجب في خلفهم من الهنود والأفغان والباكستاتيين والفرس وغيرهم، فبتنا في حيرة من أمرنا هل نحن العرب أحفادهم أم اولئك الأغراب من الجنسيات الأجنبية؟ ومن يحاجج بأن الإمام الحسين وأئمة آخرين كانت لهم جواري فارسيات. نقول له نعم هذا صحيح! ولكن هل كان لهم جواري هنديات وباكستانيات وافغانيات؟ ألم تذكر المصادر التأريخية بأن الملك فاروق- الباني الأصل- إستصدر فتوى من علماء الدين بأنه من نسل النبي محمد (ص) فجعل نفسه خليفة لرسول الله! إنها عملية البحث عن القدسية والتعالي على البشر وديمومة خداع الشعب ليبتلع هفوات ونزوات الحاكم ويبررها.

رغم إن النسب والقرابة من النبي(ص) لا تعني شيئا في الإسلام، فـ ((كل نفس بما كسبت رهينة)) سورة المدثر/38. والأحاديث النبوية الشريفة تسير بنفس النهج. لكن المنافقين سيما من رجال الدين يعولون على الأنساب والألقاب كثيرا كمصدر للثراء، مما حدا بهم لإختلاق أحاديث كاذبة نسبوها للنبي(ص) والأئمة بهذا الشأن. ومنها عن الباقر عن زين العابدين عن ابي الحسين عن علي بن ابي طالب عن النبي(ص) قال" نحن بنو عبد المطلب، ما عادانا بيت إلا وقد خرب، ولا عاوانا كلب إلا وقد جرب، ومن لم يصدق فليجرب". وقد جرب معاوية بي أبي سفيان وغيره  وما خربت بيوتهم بل عمرت! أما موضوع الجرب فلا يحتاج إلى تعليق ونتركه لعلماء الطب البيطري!

في العراق المحتل أصبحت حالة الإنتساب لآل البيت تجارة مربحة جدا تضمن لهم الخمس كحد أدنى. كل ما يحتاجه الفرد للإنتساب للأئمة هو رجل نسابة يعمل له شجرة خاصة بأجر معين، من ثم يهيء السيد- القادم - لنفسه مستزمات الخديعة من عمامة وسبحة وعدة خواتم، وتكرار كلمة(جدي رسول الله) في حديثه. ولايحتاج بالطبع الى حفظ شيء من القرآن الكريم والأحاديث النبوية لأنها لا تعني لهم شيئا وإنما يحتاج إلى قليل من أدعية مفاتيح الجنان وضياء الصالحين! وإن صعب عليه حفظها فبإمكانه ان يختلق إي كلام وينسبه للأئمة فليس الكليني والمجلسي والخوانساري والقمي بأفضل منه. يحتاج كذلك إلى قليل من الصلافة والوقاحة، ففي حال لم يبادروا الجهلة إلى فتح جيوبهم له أو تأخروا في ذلك ! فيمكنه أن يطالبهم بخمس جده فورا بلا حياء وبلا تردد، وأن يقدم لهم يده اليمنى حتى وإن كانت قذرة ليقبلوها، ويديم فمك بعلكة أو حلوى بما يؤمن له جمع المزيد من البصاق، فهو بحاجه إليه ليتفله في أفواه الحمقى والجهلة كبركة أو للعلاج. وهم يستحقون البصاق بجدارة ليس في أفواههم فحسب بل في وجوههم أيضا.

من الصعب أن نفهم كيف يُرجع هذا الفيض الهائل من السادة نسبهم إلى الرسول(ص) وهو لم يكن له أولاد؟ والنسب عند العرب عادة يكون للأب وليس للأم! بل من ينسب لأمه يعتبر مجهول الأب، أي لقيط وهي وصمة عار تلاحقه في حياته ومماته! حتى إرجاع الأئمة في نسبهم إلى الرسول(ص) غير صحيح. فنسبهم يرجع إلى إبي طالب- الذي مات كافرا ولم يتمكن لا النبي(ص) ولا باب مدينة العلم الإمام علي(رض) من إقناعه بدعوة النبي(ص). وقد جاء في الحديث الشريف عن أبي ذر" ليس من رجل إدعى لغير أبيه وهو يعلمه، إلا كفر بالله". وإن كان منهم كخلف للإمام الحسين من الأم الفارسية فلا خير للفرس في ذلك. فالنسب يعود للأب العربي وليس للأم الفارسية. كما إن الموطن الأصلي للأئمة وخلفهم هما مكة والمدينة وليس العراق وإيران. ومن إستشهد منهم خارجهما إنما ترك أهله فيها، بما فيهم الإمام الحسين. فبعد إستشهاده عاد المتبقي من أهله الى ديارهم ولم يعيشوا في العراق. لذا فإن الفيض من خلفهم يفترض أن يكون في مكة والمدينة وليس في طوس(مرقد الرضا) ومشهد وقم وكابول وبومبي واسلام آباد! وحتى المراقد الموضوعة في دمشق ومصر كمرقدي زينب الكبرى وسيدنا الحسين. ومزار شريف في افغانستان لا صحة لها. وربما نناقشها لاحقا كموضوع مستقل.

يحذو المتصوفة حذو السادة حيث يرجعون نسبهم للرسول(ص) وآل البيت(ع) أيضا بإستثناء أصحاب الطريقة النقشبندية التي يرجع نسبهم لأبي بكر الصديق(رض). كان أول من وضع هيكلا تنظيميا للطرق الصوفية هو رجل فارسي يدعى أبوسعيد محمد أحمد الميهي. وأعلى مرتبة في التصوف(هي القطب/ الغوث) أي خليفة الله. والتسمية مستوحاة من سورة البقرة/ 30  ((إني جاعل في الأرض خليفة)). وأصل الغوث هو إغاثته البشر. ويليه(الإمامان) أحدهما يمين الغوث وصنعته عالم الملكوت والغيب والآخر يساره ويقوم مقام الغوث عند موته. ويليه مرتبة الأوتاد(4) أولياء يمثلون أركان الأرض شمال، جنوب، شرق وغرب) ومنهم من يدعي بأنهم يمثلون الخلفاء الراشدين. ويليهم الأبدال(7) ويمثلون الأقاليم(القارات) السبع. ثم النجباء(40) وشغلهم حمل أثقال الخلق. وأخيرا النقباء(300) وهم يستخرجون خبايا النفوس( يلاحظة نفس متطلبات ظهور المهدي 300 شخص مؤمن به)!

في كتاب(الفتح المبين) لظهير الدين القادري أبطل نسب الكثير من شيوخ التصوف للإمام علي(ض). كذلك فعل النسابة المعروف إبن عنبه. فقد أبطل نسب الشيخ أحمد الرفاعي للإمام الحسين ذاكرا بأن الشيخ رحمه الله نفسه لم يدع هذا النسب وإنما إدعاه أحفاده بعد موته! وكذلك الأمر مع الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الله الشاذلي حيث نسبه جماعته الى الإمام الحسن بن علي(ع) ومنهم من نسبه إلى الحسين بن علي(ع)، وآخرون نسبوه إلى إدريس بن عبد الله المغربي.

للحديث تابع بعون الله.