(إسرائيل) تبتز أمريكا بالورقة الإيرانية

د. عبير عبد الرحمن ثابت

د. عبير عبد الرحمن ثابت

أمد للإعلام

لم تفوت القيادة الإسرائيلية فرصة وإلا تُلوح بعزمها على ضرب إيران، لما تُشكله من تهديد لأمن (إسرائيل) والمنطقة بأكملها بحسب زعمها، وآخر هذه التصريحات جاءت حسب إفادة صحيفة (هارتس) بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية (بنيامين ننتياهو) ووزير الأمن (ايهود باراك) سيُبلغان وزير الدفاع الأمريكى بأن أحداً لن يستطيع أن يمنع (إسرائيل) من توجيه ضربة عسكرية لإيران. وتقابلها الإدارة الأمريكية في كل مناسبة بتمسكها بالحفاظ على أمن (إسرائيل) ولم يتوانَ المسؤولون الأمريكيون عن طرح خطط لضرب إيران فى حال عدم إلتزامها بوقف مشروعها النووي والكثير من هذه الخطط تُطرح لإرضاء (إسرائيل) ومنها لتهديد إيران.

والتساؤل الذي يدور في خلد الكثيرين من ساسة وأكاديميين ومفكرين ومثقفين ومواطنين: لماذا تستخدم (إسرائيل) الورقة الإيرانية في كل مناسبة لتهديد أمريكا وليس إيران، ويُطلق قادتها السياسيين والعسكريين تهديداتهم لإيران وضرورة ضربها، وبأن عزمها على تنفيذ هذه الفكرة لن يثنيه أحد؛ وحتى لو كانت الصديقة الحميمة أمريكا، وهي تعي جيداً بأنها لن تتمكن من تنفيذ هذا التهديد..!!؟؟

وفي الواقع فالخيار العسكري لإنهاء الملف الإيراني يُعتبر الأخير في السياسة الأمريكية، وكذلك (إسرائيل) لا تستطيع الإقدام على ضرب إيران، لعدة اعتبارات داخلية وخارجية... فالوضع الداخلي الإسرائيلي لا يسمح (لنتنياهو) بارتكاب حماقة قد تقتله سياسياً، وتجر (إسرائيل) إلى مصير مجهول؛ وخاصة بعد تراجع نسبة مؤيده؛ وانسحاب جنرال الحرب (موفاز) من ائتلافه؛ وأرشيف المشاكل الاجتماعية التي تستخدمه قوى المعارضة بتأجيج الشارع الإسرائيلى عليه...

فإيران ليست غزة سيخرج عليها الجيش بنزهة ويُمارس بها مجموعة ألعاب حربية ويعود منتصراً...!!! الإقدام على ضرب إيران سيُكلف (إسرائيل) ثمناً باهظاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وسيفتح على (إسرائيل) بوابة نارٍ من الصعب إغلاقها؛ و(نتنياهو) وزمرته يعون ذلك جيداً.

وعلى المستوى الخارجي فلن تجد (إسرائيل) لها مؤيد فى حال تهورت وضربت إيران، خاصة في هذه الظروف التي تشهد صراع روسي ـ أمريكي ـ دولي على بسط النفوذ وإثبات الذات في المعادلة الدولية الجديدة وخاصة في منطقة الشرق الأوسط؛ وحلبة صراع النفوذ على الشقيقة سوريا؛ والإخوة السوريون هم من يدفع الثمن، فالجميع في هذه الفترة يرغب بإنهاء الملف السوري وبأقل تنازلات من القوى المتصارعة.

وما سيترتب عليها أجندة سياسية فى المنطقة ستكون (إسرائيل) بلا أدنى شك جزء منها. وعلى الصعيد الاقتصادي العالمي فلا أحد يتحمل أعباء حرب جديدة لتلقين أحمدي نجاد درسـاً في السـياسـة؛ وهي في نفـس الوقت قادرة على تلقينـه هذا الدرس بعقوبات اقتصاديـة تُرهقـه وتُفقده شـعبيتـه.

القيادة الإسـرائيليـة تعلم جيداً ماذا تفعل؛ فهي لا تُطلق مثل هذه التصريحات لإخافـة إيران مثلاً أو لتذكير أمريكا والعالم عن مدى خطورة إيران على المنطقـة بشـكل عام وعلى (إسـرائيل) بشـكل خاص، ولكنها ترغب بابتزاز أمريكا سـياسـياً واقتصادياً مقابل وقف رغبتها عن ضرب إيران والالتزام بالقرارات الدوليـة تجاه الملف الإيراني.. وهذا الالتزام الإسـرائيلي له ثمن يتوجب على الإدارة الأمريكيـة دفعـه وذلك في عدة ملفات؛ أولها الملف الفلسطيني: فهي ترغب بتنفيذ تصريحات  المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية (ميت ارمني) على الأرض والمتمثلة بأن القدس عاصمة (إسرائيل) وتعهده بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ وإشادته بالثقافة والاقتصاد الإسرائيلي وتفوقه على نظيره الفلسطيني، بالإضافة إلى وقف الضغط على (إسرائيل) باستئناف المفاوضات وغض البصر عن حركة الاستيطان المسعورة في الضفة الغربية، ومنع الرئيس أبو مازن من الذهاب إلى الأمم المتحدة وحشد العالم ضده ووقف المساعدات المقدمة للسلطة في حال أصرّت على الذهاب إلى الأمم المتحدة.

وعلى الصعيد المصري إلزام الرئيس محمد مرسي بالمحافظة على إتفاقيات (كامب ديفيد)؛ وضرورة بذل كل الجهود للحفاظ على أمن سيناء، وقد لا نستغرب أن تم تشكيل وفد مصري "إخواني" أمريكي ويضم خبراء إسرائيليين بجنسيات أخرى لعدم إحراج القيادة "الإخوانية" الداعية للقضاء على (إسرائيل)، وذلك لمواجهة المجموعات المسلحة والمهربة للسلاح  في سيناء، وما تم تسريبه حول رسالة مرسي (لشمعون بيرس) برده على تهنئته برمضان لعلها أول الغيث الذي يبدأ بقطرة.

وعلى الصعيد السوري ضمان أمريكي بأن القيادة السورية الجديدة التي ستخلف بشار الأسد ستُحافظ على الحدود مع (إسرائيل) وبأن تعمل معها على استئناف المفاوضات المارثونية بين (إسرائيل) وسوريا ولو بدون نتائج، فالإسرائيلي يُفاوض من أجل المفاوضات والمناورة فقط...

وعلى الصعيد الدولي بأن تساعد (إسرائيل) على إنجاز ما تريده من إتفاقيات عسكرية أو سياسية مع الدول الأوروبية وعلى بسط نفوذها في الدول الإفريقية.

فحكومة (نتنياهو) المهلهلة داخلياً والمرتبكة سياسياً واجتماعياً؛ لن تُقدم على خطوة الهروب إلى الأمام وتفتح جبهة بشكل فردي مع إيران التي تساندها روسيا والصين، ولعلمها جيداً بأن مثل هذه الخطوة ستعيدها إلى الخلف مئات الخطوات، وكل ما تقوم به مناورات مع الإدارة الأمريكية خاصة في المرحلة النهائية من التحضير للانتخابات الأمريكية لكسب ما تستطيع كسبه من انجازات سياسية واقتصادية تُقنع به شعبها ولتتمكن من العودة بالمسك بزمام الأمور، خاصة (نتنياهو) الذي يرغب بالذهاب للانتخابات الإسرائيلية القادمة وفي جعبته انجازات يُقنع بها ناخبيه مرة أخرى.

 أستاذ العلوم السياسية.