رسالة مرسي وموقف الزهار من الثورة السورية

رسالة مرسي وموقف الزهار من الثورة السورية

ياسر الزعاترة

حتى لا يخرج علينا من يتفلسف على رسالة مرسي إلى بيريز، فقد كتبنا في “تويتر” منذ تسرب خبر الرسالة نقدا لاذعا، وقلنا إنها خطوة رعناء لا ينفع معها أي تبرير يتحدث عن رسالة بروتوكولية ونص تقليدي. أصلا كان إرسال السفير المصري إلى تل أبيب في هذه المرحلة خطأً كبيرا، أما الرسالة فكانت خطيئة أكبر بكثير

لسنا ممن يدافع عن باطل أي أحد، أكان إسلاميا أم غير إسلامي، وللتذكير، فقد كنا أكثر من انتقد الحزب الإسلامي في العراق (الجناح السياسي للإخوان) بسبب موقفه من الاحتلال الأمريكي، في وقت كان فيه أمين عام حزب الله حسن نصر الله يدافع عن حلفاء الاحتلال من القوى الشيعية لأسباب طائفية لا تخطئها العين.

ليس مطلوبا من إخوان مصر أن يعلنوا الحرب على الكيان الصهيوني، فالموقف بكل تفاصيله في هذه المرحلة لا يحتمل. ونعلم أن من يزايدون عليهم لن يكون أحسن حالا لو كانوا في السلطة، لكن ذلك لا يعني التساهل في القضايا المبدأية، لاسيما أن هناك ما يمكن الاستناد إليه ممثلا في مواقف نتنياهو المتغطرسة الرافضة لدفع الحد الأدنى من استحقاقات ما يسمى السلام. وفي العموم يجب أن يكونوا حذرين من دولة عميقة لا زالت فاعلة، ويمكن أن تورطهم في مواقف تسيء لهم ولتاريخهم.

مرة إثر مرة يصر القيادي في حركة حماس (محمود الزهار) على التغريد خارج سرب الحركة التي ينتمي إليها رغم أنه مجرد عضو في القيادة، والأصل أن يكون رأيه انعكاسا لرأيها الجماعي.

ليست لدينا مشكلة مع الزهار، فهو موضع محبة واحترام كمجاهد له سيرته المشرفة وقدم ولدين شهيدين، وهو جزء من ذلك الجهاد الرائع لحركة كانت لها بصماتها الكبيرة في سيرة هذا الشعب العظيم.

كل ذلك لا يجعله بمنأىً عن النقد ما دام يعمل في الإطار السياسي. وفي هذه السطور لن نتعرض لسيرته في تصعيد الخلافات الداخلية في الحركة بين الداخل والخارج، لاسيما استخفافه بقيادة الخارج ودورها، خلافا لسيرة الأبطال العظام الذين لم يجد كبارهم كما هو حال الشهيد الرائع عبد العزيز الرنتيسي حرجا في إعلان أن رئيس المكتب السياسي في الخارج هو قائده.

خلال الأسابيع الأخيرة غرَّد محمود الزهار كثيرا خارج السرب الحمساوي، تحديدا فيما يتصل بالموقف من الثورة السورية والعلاقة مع إيران، حيث تحدث عن “الحياد الإيجابي”، وانتقد موقف خالد مشعل الذي أعلنه في الكلمة التي ألقاها في مؤتمر حزب العدالة والتنمية التركي وجرَّت عليه وصلات من الردح في وسائل إعلام إيران والنظام السوري.

والحال أن حماس لم تكن محايدة في موقفها من ثورة سوريا، حتى منذ الشهور الأولى. وحين يرفض خالد مشعل لقاء الرئيس السوري وهو في قلب دمشق، كي لا يستخدم اللقاء في الصراع مع الشعب، فذلك من دون شك موقف تاريخي. لكن الموقف ما لبث أن تجاوز ذلك بخروج الحركة المكلف من سوريا.

الموقف الأخلاقي (الشرعي بالضرورة) قبل السياسي هو الذي فرض على حركة حماس الخروج من سوريا، وهو موقف لا يعني التنكر لما قدمه النظام لها من دعم، بقدر ما يعني الوفاء لشعب عظيم كان حاضنة لها أيضا، كما يعني الانسجام مع البعد الأخلاقي الذي يفرض الوقوف إلى جانب أي شعب يقاتل من أجل حريته ضد نظام دكتاتوري فاسد بصرف النظر عن المواقف الخارجية لنظامه.

مؤخرا، ومع تصاعد وتيرة القتل والتدمير، اتخذت قيادة حماس قرارا بتصعيد موقفها من الثورة السورية عبر سياسييها وإعلامها، وتم الاتفاق على استخدام مصطلح الثورة، وحين تحدث خالد مشعل في تركيا، فقد كان يعكس قرارا واضحا من الحركة وليس رأيا شخصيا؛ هو الذي كان قد حسم قبل ذلك موقفه بعدم الترشح لمنصب رئيس المكتب السياسي الذي سيغادره خلال الأسابيع القليلة القادمة.

حين يقول محمود الزهار إن مشعل كان يعبر عن موقفه الشخصي، فهو يتجاوز الحقيقة بشكل صارخ، لأنه هو (أعني الزهار) من يتحدث برأيه الشخصي، وهو ذاته الذي زار إيران مؤخرا رغم رفض قيادة الحركة في الداخل والخارج ومطالبته بألا يفعل.

منذ زمن طويل حاولت إيران في علاقتها مع حماس إحداث اختراقات في جسم الحركة كما فعلت مع الفصائل التي دعمتها، لكن الحركة قاومت ذلك بعناد، أما اليوم فهي بعلاقتها مع الزهار تحديدا، تعتبر أن لها أناسا في قيادة غزة يمكنها الاستناد إليهم وتوجيه الدعم لهم.

موقف الزهار من سوريا هو في واقع الحال مجاملة للإيرانيين أكثر من أي شيء آخر، الأمر الذي لا يمكن أن يكون مقبولا في ظل الدعم الهائل من قبل طهران لنظام الإجرام في دمشق.

ليست المسألة ثنائية بين الزهار ومشعل، بل هي تتعلق بسؤال القيادة الجماعية ورفض وجود أي اختراق داخل جسم الحركة لحساب أية جهة؛ في تكرار لتجربة حركة فتح على هذا الصعيد، وسيكون على القائد الجديد لحماس أن يواجه هذا التشظي بحزم كي لا يتكرر من قبل أي أحد.

الموقف من الثورة السورية هو انحياز من حماس للحق الصارخ ولا يمكن مقارنته بأي موقف آخر للفصائل الفلسطينية في تاريخ مضى، وهو انحياز لجماهير الأمة التي لا يمكن أن تقبل من الحركة التي أحبتها موقفا يخالف إجماعها. أما من وقفوا إلى جانب النظام، كما هو حال فصيل أحمد جبريل فلن يبوؤوا بغير الخيبة والخسران مهما قدموا من تبريرات.

نتمنى أن يعيد الزهار حساباته، وأن يكون أكثر انسجاما مع قيادة الحركة بشكل عام، وأن لا يسمح لأي طرف بإحداث اختراقات في جسمها، ولا شك أن العلاقة مع أي جهة ينبغي أن تكون انعكاسا لموقفها من عموم قضايا الأمة، والمؤسف أن إيران اليوم تقف على النقيض من الأمة، وتحشر نفسها في إطار مذهبي ضيق. وحين تعود إلى رشدها، لن يكون هناك إشكال في العلاقة معها.