قانون الأكثرية التافهة والأقلية الفعالة

م. أسامة الطنطاوي

[email protected]

يعود الفضل في اكتشاف هذا القانون الهام الى العالم الايطالي باريتو وهو

عالم اقتصاد مشهور يدعى تحديداً (فلفريدو باريتو) اتجه في عام 1897م لدراسة توزيع الإنتاج والثروات داخل المجتمع وخلص من دراسته إلى أن حوالي 20٪ من المصانع تنتج 80٪ من إجمالي الإنتاج، كما أن 20٪ من الأثرياء يحصلون على 80٪ من ثروة المجتمع.

وهو أيضا صاحب النظريتين الاقتصاديتين: أمثلية باريتو و أفضلية باريتو وله مدرج إحصائي عرف بإسم مخطط باريتو، وكذلك توزيع باريتو الإحتمالي وهو صاحب المقولة الشهيرة: التاريخ هو مقبرة من الطبقات الأرستقراطية.

وبالعودة الى القانون الشهير والذي تم تطبيقه في مجالات كثيرة لا حصر لها ويسمى بقانون 20٪-80٪ وثبتت مصداقية نتائجه على أرض الواقع ، ففي علم الإدارة استخدم في مجال التخطيط وبالتحديد في إدارة الأولويات وقد لوحظ أن 80٪ من النتائج المميزة كانت حصيلة 20٪ من الوقت بينما 80٪ من الوقت لم تعط إلا 20٪ من النتائج وهنا يكمن السر في إحباط بعض الناس.

وتفسير هذا القانون يعني أن الوقت المخطط وإن كان قليلاً فإنه يأتي بأعظم النتائج بينما الوقت الكثير العشوائي لا يحقق إلا أقل النتائج مما يؤكد على حقيقة القلة الفاعلة والكثرة غير الفاعلة (الغثاء) كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم .

ومن الأمثلة أيضاً تلك النتائج التي تؤكد على أن مجمل الاجتماعات يذهب 80٪ منها في الكلام أما 20٪ فتمثل النتائج مما يحتم ضرورة تقليص وقت الكلام ومنح الوقت الأكثر للاستنتاجات والقرارات والتوصيات . 

ومن نتائج تطبيق قانون باريتو في مجالات أخرى توصل العلماء إلى نتائج باهرة منها: 

أن 80٪ من الأرباح تعود من 20٪ من المنتجات، و 20 % من المجرمين يرتكبون 80٪ من الجرائم،و 80٪ من حالات الطلاق تصدر من 20٪ من الرجال، وأن 80٪ من المقتنيات لا تستخدم إلا للديكور والحفظ ولا يستعمل منها سوى 20٪ فقط.

وفي الحياة العملية و بذكاء متميز قام ( ريتشارد كوخ ) بتحريك قاعدة عالم الأقتصاد ( باريتو ) في مجالات مختلفة في الحياة ، وذلك عبر كتابة ( قاعدة 20 / 80 ) وتوصل الى النتائج التالية:  

إن  صاحب الشركة أو المصنع يمكنه ملاحظة أن 80% من الأرباح تأتي من 20% من المنتجات  

وأن 80% من الإيرادات تأتي من الـ 20% من العملاء وكما أن 20% من الموظفين يؤدون 80% من العمل . 

على صعيد المجتمع الـ 20% من المجرمين يرتكبون 80% من الجرائم

وأن الـ 80% من حالات الطلاق تصدر عن الـ 20% من الرجال

أما السيدات في المنزل فيستخدمن 20% من الملابس المتراكمة في الدولاب بينما هناك 80% من الملابس للفرجة والتكديس . 

كما يستخدم السيدات 20% من الأواني والأجهزة في المنزل وتظل الـ 80% للديكور الاجتماعي 

أي معطل طوال العام .

وفي المكتب يتم استخدام 20% من الأوراق والملفات وتظل الـ 80% متراكمتاً على الطاولة بلا قرار أو حاجة الى الاستخدام . 

اما تطبيق النظريه على اسواق المال 

فنجد ان كل سوق يتجه على سلوك 3 الى 7 اسهم من مجمل الســوق وتعتبر هذه الاسهم هي القياديه وتجر جميع الاسهم معها سواء في الارتفاع او في الهبوط ، ويتجه صناع السوق في الاستحواذ على هذه الشركات والسبب لتحديد مسار السوق على ما يشاؤون لذلك تنطبق هذه النظريه على الاسواق بالاقليه الفعاله والاكثرية التافهه .

ويدلنا قانون باريتو على أن الجهود القليلة المهمة تعطي أكبر النتائج، وبالتالي فإن العبرة ليست بالكم ولكن في الكيف، وأن الشعوب لا قيمة لكثرتها إذا فقدت مقومات النجاح والفعل والعمل المثمر.

وهذا ما نلاحظه في تحليل واستنباط العبر من المعارك الإسلامية الخالدة في التاريخ الاسلامي حيث نجد أن القلة المسلمة غلبت الكثرة الكافرة قال تعالى : {... كَم من فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.

وبتطبيق هذا القانون في حياتنا نجد أن الفاعلين في المجتمع يشكلون القلة بينما الكثرة غير فاعلة، وأن معظم الوقت يقضيه الإنسان في شئون كثيرة لا طائل من ورائها ولا ناتج.

ويبقى إنتاج المؤسسات ضعيفاً لسوء استثمار الوقت وتوزيعه بصورة دقيقة وعدم اعتماد المعايير الدقيقة في اختيار الموظفين الأكفاء لذا فلن نفاجأ إذا ما علمنا أن 80٪ من الإنتاج يقوم به 20٪ من الموظفين ولكي نكون فاعلين علينا أن نقلب المعايير فنخطط لحياتنا بصورة صحيحة، وأن نضع الأمور المهمة في المقدمة، وننفق ما نملك من مال وجهد ووقت في كل ما يحقق لنا العائد الأكبر.

كذلك قد يظن البعض أن استثمار 20% من الوقت لإتمام 80% من العمل يكفي بحيث يحتفظون بوقتهم للتمتع لكن الحقيقة أن الرؤساء التنفيذيين الناجحين لا يلعبون الجولف في 80% من الوقت!

ويتجلى المغزى الحقيقي من مبدأ باريتو في تحديد وترتيب الأولويات حتى لا تكتشف في نهاية اليوم أن إحدى المشكلات التافه قد أتت على أغلب الوقت بينما ظلت الأولويات الهامة ساكنة دون حراك. وإذا ما فرغنا من الـ 20% الأهم يمكننا عندئذ أن نبدأ في القيام بالـ 80% الباقية وبالتالي تكون النتائج أقرب إلى الكمال .

أيضاً من الأفكار الجيدة للتطبيق باستخدام مبدأ باريتو فكرة الإنابة فالحقيقة أنه يمكنك دوماً القيام بإنابة مرؤوسيك لقيادة الدفة في 80% من الأمور والتي تكون أهميتها أقل بكثير من الـ 20% الأولى والتي ينبغي عليك أن تشرف عليها إشرافاً مباشراً .

وهنا يمكن بكل سهولة التمييز بين المدير الذي يظل منتعشاً نشيطاً طوال اليوم والآخر الذي لا يجد ما يكفي من الوقت لشرب فنجان من القهوة بينما ينتهي يوم العمل وقد خرج الاثنان بإنتاجية متساوية.

وأنه بنفس هذه الطريقة يمكنك تطبيق هذه القاعدة في نواحي مختلفة من حياتك

فكم من الجهد ستوفر؟ وكم من الموارد ستوفر؟ وكم من المنافع ستجني وهو الأهم؟.