قتلة الكساسبة هم مجرمو مجزرة حماة

م. عبد الله زيزان

باحث في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

صُدم العالم أجمع الثلاثاء الثالث من شباط الجاري بالإعلان عن الجريمة الوحشية البشعة المتمثلة بقتل الأسير الطيار معاذ الكساسبة بطريقة لا تصدر إلا من مجرمين محترفين، احترفوا القتل، وتلذذوا بمشاهد الدماء، فبات الواحد فيهم لا "يشفي صدره" إلا ابتكار الجديد من أساليب القتل الهمجية، التي تخالف كل الأعراف الإنسانية والديانات السماوية..

"إن النار لا يعذب بها إلا الله"، حديث رواه البخاري، فكيف بهم يقتلون بها، لا بل ويوثقونها بكاميرات احترافية، وبتصوير هوليودي متقن، ليخرج بفلم لا يصنعه إلا معادٍ للإسلام، حاقد على هذا الدين، لا يريد من خلاله إلا تشويه صورة الإسلام الناصعة، الذي حث على حسن معاملة الأسير، وإن كان لا بد من القتل فلا يكون بحال بالصورة التي تفاخر بها مجرمو داعش..

لقد جاء الإعلان عن إعدام الطيار الأسير في الوقت الذي يحيي فيه السوريون الذكرى الثالثة والثلاثين لمجزرة حماة المروعة التي وقعت في شباط من العام 1982 وراح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين، حرقاً وذبحاً وتعذيباً، وسط صمت إعلامي رهيب، وتواطئ عالمي مقيت، سهّل على النظام حينها استكمال جريمته لعدة أسابيع متواصلة، دون أن يحرك أحد من العالم "الحر" ساكناً، ودون أن تعلن أي جهة حتى مجرد استنكار أو إدانة...

إن ما يقوم به مجرمو "داعش" اليوم من ذبح بالسكين، وحرق بالنار، وقتل بالتعذيب، لا يقدم عليه إلا متمرسون على تلك الأساليب الوحشية، وهم بكل تأكيد خريجو المخابرات السورية والعراقية، بل وحتى العالمية، وفي كل يوم، ومع كل جريمة جديدة، تتأكد هذه المعلومة وترسخ في أذهان المتابعين، ولا سيما من اكتوى بنارهم في سورية والعراق...

إنّ تنظيم البغدادي بفجاجة صنيعه ووقاحة عرضه يؤكد ارتباطه بالنظام السوري، فهو من جهة يسعى وبصورة حثيثة للإضرار بالثورة السورية وتشويه صورتها، وحرف مسارها، ومن جهة أخرى يمارس نفس إجرام النظام، فهو يسعى لبناء جمهورية الخوف، ليحقق شعار دولته المزعومة "باقية وتتمدد" على أجساد المسلمين ودمائهم في سورية والعراق...

لقد تمكنت داعش بتوقيت إعلانها عن قتل أسيرها الطيار من حرف مسار الإعلام العالمي، ليسلط العالم الضوء على إجرام تلك العصابة، ولينسى العالم أو يتناسى مأساة القرن العشرين المتمثلة بمجزرة حماة التي وقعت قبل ثلث قرن من الزمان، ليكون جل الاهتمام العالمي حول كيفية القصاص من هذه الشرذمة القليلة، دون الحديث عن العصابة الأساسية التي تسيطر على دمشق وتوزع الإرهاب على مدن سورية وقراها، بالطائرات والصواريخ والبراميل...

وحين الحديث عن التوقيت في الإعلان، فإن حرف مسار الإعلام، لا يتحمله مجرمو داعش وحدهم، فالنظام العالمي المتعامي، يدرك تماماً من هو المجرم الحقيقي، ويدرك تماماً حجم الإجرام الأسدي، والإجرام الصفوي في بلادنا، إلا أنه يستخدم شماعة تلو الأخرى لتبرير خذلانه للشعب السوري، وتواطئه مع قاتليه المحليين والإقليميين، فلا يمر يوم في سورية، إلا ويموت العشرات حرقاً ببراميل النظام وصواريخه، لكن ذلك يحدث بعيداً عن الكاميرات الاحترافية، وبعيداً عن اهتمامات الإعلام الغربي...

إنّ عملية الإعدام البشعة التي تعرض لها الطيار الكساسبة، مدانة ومستنكرة على كل المقاييس، وبكل الديانات والأنظمة، لكن علينا في الوقت ذاته أن نشير بإصبعنا نحو المجرم الحقيقي الذي أوجد داعش، وسمح لها بالتمدد وممارسة القتل والتخويف، وهو بكل تأكيد ذلك الذي يقبع في قصره بدمشق، وأولئك الذين يديرونه من إيران حتى لبنان...

لكننا نحن السوريون لن ينسينا إجرام عصابات البغدادي مأساتنا في حماة عام 1982، كما لن تنسينا فظاعات ذلك التنظيم فظاعات النظام في كل يوم وفي كل ساعة، في كل حارة وفي كل بيت، لن نحرف مسارنا، ولن نغير هدفنا، وسنمضي على طريق الحرية، واثقين بأن سقوط نظام الأسد سيحل مشاكل المنطقة برمتها وليس مشاكل سورية وحدها، وحينها فقط سنأخذ بثأر كل الدماء البريئة وكل الدماء المقاتلة على طريق الحرية...