الليبرالية وجذورها الخاوية

خليل الجبالي

[email protected]

اللليبرالية كلمة لاتينية تعني الحرية، وهي مذهب فكري يعتني بتحرير الإنسان من كل القيود التي تسيطر عليه سواءً كانت سياسية أو إقتصادية أو ثقافية وخاصة القيود الدينية كما يطلق عليها المفكرون الليبراليون .

فقد فسرها بعض الفلاسفة الليبراليون أنها إستقلال الفرد بحريته الشخصية عن الحريات العامة، وأن الليبرالية لا تنظر لسلوك الفرد مهما تخلص من القيود التي تحيط به سواءً كانت أخلاقية أو سلوكية أو أداب ومعاملات.

فالتحرر والتحلل والتعري والإباحية والخروج عن السيطرة الدينية يعتبرونها حرية شخصية مالم تتعدي علي الآخرين من وجهة نظرهم الفردية، فملاطفة النساء والإختلاط بهم والتعايش معهم لا يتعدي دائرة الحرية الشخصية مادام التراضي بين الطرفين متوفر!.

فلا تأبه سلوكيات الأفراد  الليبرالية بالمجتمع الذي يعيشون فيه، فالتدين والإلحاد والكفر والإيمان يعتبرونه من الحريات الشخصية التي لا يحق لأحد ( من وجهة نظرهم الإعتراض عليه أو التحدث فيه).

الليبرالية تهدف أن يعيش الإنسان خارج الإختيارات ( فهو كامل الإرادة مخير في كل شيئ ، لا يجبره أحد مهما علا شأنه أو تعاظمت سلطاته أن يحد من إختياراته التي يراها مناسبه له).

ومصادر الليبرالية التي يرجعون إليها هي كتب الفلاسفة الغربيين وقصصهم وتراثهم الفكري ومنهم الفلاسفة توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو وإيمانويل.

يعتبر الفلاسفة أن من حقوقهم: حق الاختيار، حق التعبير عن الذات، حق البحث عن معنى الحياة، حق العقيدة ، حق الحرية المطلقة وغيرها من الحقوق.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي عن معني الليبرالية :

(وأمثال هذه المصطلحات التي تدل على مفاهيم عقائدية ليس لها مدلول واحد محدد عند الأوربيين ، لهذا تفسر في بلد بما لاتفسر به في بلد آخر، وتفهم عند فيلسوف بما لاتفهم به عند غيره ، وتطبق في مرحلة بما لاتطبق به في أخرى).

نشأت الليبرالية في أوروبا نتيجة إضطهاد الكنيسة الديني في القرن التاسع عشر الميلادي .

فكانت رد فعل غير واعية بذاتها ضد مظالم الكنيسة مما أدى إلى انتفاضة الشعوب ، وثورة الجماهير والمناداة بالحرية والمساواة، وقد ظهر ذلك في الثورة الفرنسية والإنجليزية والأمريكية، و لم تكن نقاط إلتقاء الليبرالية  واضحة بدرجة كافية في تلك الثورات وهذا يتبين من تعدد إتجاهاتها وتياراتها المختلفة.

 يقول "دونالد سترومبرج" : ( والحق أن كلمة الليبرالية مصطلح عريض وغامض، شأنه في ذلك شأن مصطلح الرومانسية، ولا يزال حتى يومنا هذا على حالة من الغموض والإبهام).

ويذكر الأستاذ وضاح نصر في الموسوعة الفلسفية العربية أن الليبرالية في الفكر السياسي الغربي الحديث نشأت وتطورت في القرن السابع عشر، وذلك على الرغم من أن لفظتي ليبرالي وليبرالية لم تكونا متداولتين قبل القرن التاسع عشر ).

وقد جاء في الموسوعة الشاملة: ( تعتبر الليبرالية مصطلحاً غامضاً لأن معناها وتأكيداتها تبدلت بصورة ملحوظة بمرور السنين).

وتقول الموسوعة البريطانية: "ونادراً ما توجد حركة ليبرالية لم يصبها الغموض، بل إن بعضها ينهار بسبب ذكر اسم " الليبرالية " فإن التسمية أقرب إلى الغموض. 

ومن أهم أسباب غموض مصطلح الليبرالية هو غموض معني الحرية: 

حيث يعتمد مفهوم الليبرالية على الحرية إعتماداً تاماً، ولا يمكن إخراج "الحرية" من المفهوم الليبرالي عند أي اتجاه يعتبر نفسه ليبرالياً.

أما الحرية في الإسلام فلها مفهوم واضح ذكره لنا  الدكتور عبدالرحمن إبراهيم الفكي في كتابه "الحرية بين الثقافة الإسلامية والفلسفة الليبرالية" فيقول (والحرية التي يدعو إليها الإسلام هي التحرر من العبودية لغير الله، وإفراد الله وحده بالعبودية له وحده، وذلك بأفراده بالعبادة والاتباع والانقياد له وحده في جميع مجالات الحياة).

ويقول أيضاً (فالمؤمن الذي يذعن لأمر الله، ويكفر بالطاغوت ثم يؤمن بالله هو الحر الذي يتحرَّر من جميع العبوديات لغير الله، مفرداً الله وحده بالعبادة والتعظيم والحب والاتباع، متبرئاً من كل عبودية يقع فيها كل من حرم من نعمة الهداية بدين الإسلام).

فمن ابتعد عن عبودية الله تعالي وقع في أحقر العبوديات وأخسَّها وهي عبودية هوى النفس والشيطان التي حذَّرنا الله منها، فالحرية في الإسلام هي تطهير النفس من كل التعلقات، وتحريرها من كل العبوديات التي يقع فيها كل من عدل عن إخلاص العبودية لله وحده.

(قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَباً وهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ولا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) سورة الأنعام.

ويتضح لنا أن الليبرالية من خلا ل مراحلها ونشأتها ترتكز على أساس واحد وهو تحرر الفرد من أي قيود، فهي:

التحرر من سلطان الدولة، التحرر من سلطان الدين، والتحرر من سلطان العادات والتقاليد والأعراف.

فلا قيود، لا أعراف، لا قوانين، كل إنسان يفعل ما يحلو له، وكل أمر متاح، وكل مباح مستباح.

فهي زرعة خاوية نشأت علي جذور خاوية، تبعد الإنسان عن عقيدته بدينه وإرتباطه بربه سبحانه وتعالي في كل أحكامه وأوامره ونواهيه، وشرائعه، وهذا ما يتنافي مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وصَّى بِهِ نُوحاً والَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ ومَا وصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ ومُوسَى وعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إلَيْهِ مَن يَشَاءُ ويَهْدِي إلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) سورة الشوري.

وللحديث بقية.