المقتلة الخامسة والسادسة

المقتلة الخامسة

د. منير الغضبان *

[email protected]

الغلول :

الغلول :هو أن تأخذ من الغنائم شيئاً قبل أن يوزعها الأمير على الجند

(وما كان لنبي أن يغل . ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ) سورة آل عمران / 161

أدوا الخياط والمخيط فإن الغلول يكون على أهله يوم القيامة عاراً وناراً وشناراً )

فقام رجل معه كبة من شعر فقال : إني أخذت هذه أصلح بها بردعة بعير لي دبر

فقال : أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك . فقال الرجل : يا رسول الله أما إذا بلغت ما أرى فلا أرى لي بها ونبذها ) صحيح السيرة النبوية / ص 452

قصة الرجل الذي غل في سبيل الله

من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر .

فذكروا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : صلوا على صاحبكم )) فتغيرت وجوه الناس لذلك.

فقال : إن صاحبكم غل في سبيل الله . ففتشنا متاعه فوجدنا خرزاً من خرز يهود لا يساوي درهمين ) صحيح السيرة النبوية ص 347 واللفظ لأبي داود .

أبن اللتبية على الصدقات :

من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال :

أستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له : ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال : هذا لكم وهذا أهدي لي . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله أثنى عليه ثم قال :ما بال عامل أبعثه فيقول : هذا لكم وهذا أهدي لي ؟ أفلا قعد في بيت أبيه أو بيت أنه حتى ينظر . أيهدى إيه أم لا ؟ .

والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه إن كان بعيراً له رغاءً أو بقرة لها خوار أو شاة تبعر ثم رفع يديه حتى رأينا غفر لي بعضه ثم قال : اللهم هل بلغت ؟ مرتين ) البخاري / ح رقم 925

فلا حق إذن لأحد في الغنائم حتى لو كان هو الذي حازها وجمعها فهو غلول يقود إلى نار جهنم

إن الشملة لتشتعل عليه ناراً :

عن سالم مولى ابن سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول :

( افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهباً ولا فضة إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط . ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ومعه عبد له يقال له : مدعم أهداه إليه أحد بني الضباب . فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء سهم غائر حتى أصاب ذلك العبد فقال الناس : هنيئاً له الشهادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بلى والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من الغنائم لتشتعل عليه ناراً

فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراكٍ أو شراكين فقال : هذا شيء كنت أصبته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شراك أو شراكان من نار ) فتح الباري شرح صحيح البخاري / ح/ 4234 .

عصابة تعصب بها رأسك :

(-- و نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أدوا الخيط والمخيط فإن الغلول عار وشنار يوم القيامة )

فباع يومئذ فروة ( وزير المالية النبوي ) المتاع فأخذ عصابة فعصب بها رأسه ليستظل بها من حر الشمس ثم رجع إلى منزله وهي عليه . فذكر فخرج فطرحها وأخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : عصابة من نار عصبت بها رأسك فهذا هو وزير المالية وقد استعمل عصابة ليقي نفسه حر الشمس . وهو يعمل في بيع الغنائم ويخبر عنها المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم فلا يكون الجواب : إنا سنعطيك أمثال أمثالها . ونتقاسم الثروة معاً . إنما كان الجواب ( -- عصابة من نار عصبت بها رأسك ) المغازي للواقدي 2/680 – 681 .

وأدرك هذا الجيل مفهوم الحلال والحرام في الغنائم وأدرك أن الغلول . وهو أخذ شيء من المغنم قبل أن تفرز أو تقسم إنما هو العار والشنار في الدنيا . والنار يوم القيامة , و رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل له ذلك حتى تقسم الغنائم , وكما قال عليه الصلاة والسلام يوم غنائم حنين ( ثم دنا من بعيره فأخذ وبرة من سنامه , فجعلها بين أصابعه السبابة والوسطى ثم رفعها فقال : ( ليس من هذا الفيء شيء , ولا هذه إلا بالخمس والخمس مردود عليكم فردوا الخياط والمخيط فإن الغلول يكون على أهله يوم القيامة عاراً وناراً وشناراً ) صحيح السيرة النبوية /ص/452 .

نلتقي غدا بإذن الله مع المقتلة السادسة والأخيرة

المقتلة السادسة :

الرياء :

أول الناس يقضى عليه يوم القيامة :

( إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتي به – فعرفه نعمه فعرفها , قال فما عملت فيها ؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت . قال كذبت ولكنك قاتلت ليقال جريء فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فعرفه نعمه فعرفها , قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن . قال كذبت , ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار .

ورجل وسع الله عليه , وأعطاه من أصناف المال كله . فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال :       ما تركت من سبيل يحب أن يُنفق بها إلا أنفقت فيها لك قال : كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ) صحيح مسلم / ح / 1905 .

إنما الأعمال بالنيات  :

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى . فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله , ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) . صحيح البخاري ح/2549 , وصحيح مسلم ح/ 1907 .

نية الشهادة شهادة :

( من سأل الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) صحيح مسلم / ح/ 1909 .

من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في الجنة :

( حدثنا أبو موسى الأشعري أن رجلاً أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليذكر والرجل يقاتل ليُرى مكانه فمن هي في سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله ) . صحيح مسلم ح1904, البخاري ح/281 و ح/3136 .

وفي رواية : (وسئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء ، أي ذلك 
في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله  )صحيح مسلم ح/ 150 – 1904 .

ومن لم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية :

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ " ))صحيح مسلم / ح / 1910 .

فهما في الوزر سواء وفي الأجر سواء :

عن عمرو بن سعد الأنماري .. وأحدثكم حديثاً فاحفظوه

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

 (( إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيته فأجرهما سواء وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته فوزرهما سواء )) الترمذي وقال حديث حسن صحيح .

قال الله تعالى في الحديث القدسي : ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي وغيري تركته وشركه ) صحيح مسلم ح/ 2985 .

إن الله يدخل في السهم الواحد ثلاثة نفر :

(عن خالد بن زيد قال : كنت راميا أرامي عقبة بن عامر فمر بي ذات يوم فقال : يا خالد اخرج بنا نرمي فأبطأت عليه فقال : يا خالد تعال أحدثك ما حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقول لك كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة ، صانعه الذي احتسب في صنعته الخير ومتنبله ، والرامي ارموا واركبوا ، وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا ، وليس من اللهو إلا ثلاثة ، تأديب الرجل فرسه ، وملاعبته زوجته ، ورميه بنبله عن قومه ، ومن علم الرمي ثم تركه ، فهي نعمة كفرها ")) . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " " وله شاهد على هذا الاختصار صحيح على شرط مسلم .

حبسهم العذر :

(عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنهما - قال: كنا مع النبي صلي الله عليه وسلم في غزاة فقال: (( إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم؛ حبسهم المرض)) وفي رواية : (( إلا شركوكم في الأجر))(17) رواه مسلم.

ورواه البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال: (( رجعنا من غزوة تبوك مع النبي صلي الله عليه وسلم فقال: (( إن أقواماً بالمدينة خلفنا، ما سلكنا عبا، ولا واديا إلا وهم معنا ، حبسهم العذر))

من لم يغز :

‏عن ‏ ‏أبي أمامة ‏ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

‏(عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏من لم يغز أو يجهز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه الله ‏ ‏بقارعة ‏ ‏قال ‏ ‏يزيد بن عبد ربه ‏ ‏في حديثه قبل يوم القيامة ‏) أبو داوود بإسناد صحيح ح/ 2503 .

فيا أسادنا العظام قد رأيتم طريق الجنة وطريق النار والمقاتل الستة فاختاروا أيها شئتم .

وثقوا أننا معكم في قلوبنا وأرواحنا لكن حَرمَنا من أوطاننا وجهادنا من نرجو أن يحرم الله عليه الجنة .

منذ خمسة وثلاثين عاماً ونيف . ونحن واثقون إن شاء الله أنكم ستكملون الطريق . وتستلموا منا الراية . ونرجو الله تعالى أن يحقق نصره و موعوده بكم حين عجزنا نحن ذلك , فأنتم قد اصطفاكم الله تعالى لحملها . والله معكم ولن يتركم أعمالكم . سدد الله خطاكم وجمعكم على قلب أقوى وأتقى رجل منكم .

               

* باحث إسلامي سوري