أسماء ليست في محلها

كاظم فنجان الحمامي

وواجهات تجارية تسيء للأنبياء والأئمة

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

لأسماء الله الحسنى قدسية كبيرة, ولأسماء الأنبياء والرسل والأئمة كرامتها وجلالتها واحترامها, ولها مكانتها التاريخية والدينية في قلوب الناس جميعاً, لكننا وللأسف الشديد نشاهدها اليوم معلقة على واجهات المحال التجارية ويافطات شركات النفع العام, حتى صارت معظمها تحمل لفظ الجلالة, أو تحمل أسماء الأنبياء والصحابة والأئمة والقادة العظام, لا للتبرك بها, ولا لإظهار شأنها ومكانتها الرفيعة, وإنما لإضفاء الصفات الحميدة على أداء الشركات والمحال التجارية, ولاكتساب ثقة الناس, أو لإضفاء هالة من العفة والنزاهة على شخص رئيس الشركة وشركائه, حتى صار من المألوف مشاهدة هذه الواجهات المزينة بلفظ الجلالة في تناقض صريح بين الشكل والمضمون, محلات لبيع الملابس الداخلية تحمل اسم (أزياء الرحمن), و(إكسسوارات الهادي), و(بوتيك الأوحد), و(حقائب المهيمن). وافران لبيع الخبز والمعجنات ومشتقات الحليب والألبان, تحمل أسماء (حلويات الأمين), و(أفران الفاروق), و(معجنات المجتبى), و(مخابز الصادق), و(ألبان الحوراء), ونقرأ أحيانا صالونات للحلاقة تحمل أسماء (حلاقة الرسول), و(صالون الحافظ), و(مقهى الجلالين). .

ثم ظهرت علينا سلسلة من الشركات تشترك بالاسم الأول مع إدخال بعض التغييرات الطفيفة على الاسم الثاني, من مثل (أرض السهلة), (أرض الميعاد), (أرض طيبة), (أرض المدينة), (أرض مكة), (أرض الحرمين), (أرض المعراج), وشركات أخرى تبدأ أسماؤها بكلمة (نور) أو (أنوار), من مثل: شركة (نور الرحمن), و(نور الحسين), و(نور الزهراء), و(نور الأئمة), و(نور الروضة), و(نور الكوثر), وماركات تجارية أخرى للدجاج المجمد, من مثل (دجاج الفقيه), و(دجاج الشريعة), و(دجاج مكة), و(دجاج الطائف), و(دجاج الطيبات والحسنات), و(دجاج النورين), و(دجاج الكفيل), و(دجاج النعمان). .

لم يخطر على بال الناس إن أسماء الأبطال والمجاهدين والشهداء والصديقين, من ليوث الوغى وصناديد الهيجاء, الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله الواحد الأحد الفرد الصمد, وسجلوا بمواقفهم الشريفة أرفع درجات التضحيات في الجود والفداء والعطاء تصبح أسماؤهم في يوم من الأيام رمزا للدجاج والدواجن, وتصبح كنيتهم ماركة مسجلة للأسماك واللحوم المجمدة, ويخلد ذكرهم في المطاعم والولائم, حتى وصل الأمر إلى إطلاق أسماء الأنبياء والرسل على ورش إصلاح الإطارات والسيارات, من مثل:  (بنـﭽـرﭽـي المصطفى), و(ورشة الخليل), و(بطاريات آدم), و(كراج سفينة نوح). .

ان مثل هذه المسميات التجارية, التي يراد منها اكتساب ثقة الناس, وتحقيق الربح عن طريق استغلال عواطفهم, تسيء للقيم الدينية, وتسيء للرموز النبيلة الشامخة, وتعكس صورة بائسة للمستوى, الذي وصلت إليه المؤسسات التجارية في تطبيقات الجهل والتخلف, في هذا الزمن الذي لا يعرف فيه التاجر كوعه من بوعه. .

إن الأعراف الأخلاقية السائدة لا تحبذ إطلاق الأسماء الجليلة والرموز العظيمة على أماكن البيع والشراء, ولا تحبذ إطلاقها على أماكن المتعة والسهر, وأماكن الخدمات العامة, ويتعين علينا احترامها, والإشادة بها, وتعظيم شأنها. .

نقرأ دائما رائعة أمير الشعراء أحمد شوقي, التي يمتدح فيها خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم), فنراه يعتذر في خاتمتها, ويصور نفسه اصغر من أن ينال شرف الوقوف بين يدي الرسول العظيم ليمتدحه ببضعة أبيات قد لا تفي بالغرض ولا تحقق المراد, فيقول:

أبا الزهراءِ قد جاوزتُ قدري بمدحكَ بيد أنَّ لي انتسابا

مَدحتُ المالِكينَ فَزدتُ قَدراً فحينَ مَدَحتُكَ اقتَدتُ السَحابا

انظر إلى هذه الصياغة الجميلة, وهذا الأدب الجم, والخلق الرفيع, الذي يحمله (شوقي), وانظر إلى تواضعه وحسن بيانه في التعبير عن ضعفه وصغر منزلته وهو أمير الشعراء, وانظر إلى خشوعه ورقته عندما يخاطب سيد الكائنات. .

تتعمد الدولة أحيانا أطلاق أسماء الشعراء والأدباء والفلاسفة على بعض الشوارع والأماكن التي تُمارس فيها الرذيلة (أعزكم الله), فقد كان ملهى (الفارابي) من أكبر الملاهي الليلية في البصرة, في محاولة متعمدة للإساءة إلى الفيلسوف الكبير أبو نصر محمد الفارابي (المعلم الثاني) بعد أرسطو, في حين تحول اسم المملوك الايطالي (مورغان Morgan), إلى (مرجان) وصار اسما لأقدم مساجد الشورجة (جامع مرجان), الذي بناه من أمواله, فانصرف للعبادة وخدمة الناس بعد المجزرة التي تسبب بها في ضواحي بغداد. .

بينما صار شارع (أبو نؤاس) من أكبر الشوارع المزدحمة بالملاهي الليلية, المكتظة بحانات بيع الخمور, في محاولة لإلصاق صفة المجون والتهتك بهذا الشاعر البليغ, الذي نسجت حوله الأقاويل والحكايات الفاضحة, لأسباب عنصرية وطائفية بحتة, ولم يسلم زميله الشاعر (بشار بن برد) من حملات التشويه, فقد اتهموه بالزندقة, وطاردته الشائعات منذ اليوم الذي تعلم فيه صنعة الشعر وحتى يومنا هذا, فصار اسمه عنوانا مقززاً لأقذر شوارع البصرة, وتحولت عبارة (شارع بشار), بمرور الزمن, إلى عبارة معيبة يتجنبها الناس, فهل يريد الذين استغلوا أسماء الأبطال والمجاهدين ووضعوها عنوانا لبضاعتهم القابلة للتلف والعطب, أن يطمسوا ذكرهم, وهل يريد الذين تستروا بأسماء الرجال العظام, ووضعوها في واجهات مشاريعهم القابلة للفشل والخراب, أن يحولوا تلك الأسماء اللامعة إلى سلعة تجارية. .

أحيانا يكون الجهل والتخلف هو العامل الأساس في انتشار هذه الظاهرة, أذكر في يوم من الأيام كان أحد شوارع المعقل بالبصرة يحمل اسم معركة (مرج راهط), وهي المعركة التي انتصر فيها مروان بن الحكم على خصمه عبد الله بن الزبير, ولا ندري أي (عبقري) هذا الذي تفتق ذهنه بفكرة تخليد هذه المعركة, التي سفكت فيها دماء المسلمين من الطرفين. .

وأحيانا يضطر عامة الناس إلى طمس الكتابة المنقوشة على لوحات قبور الصحابة والفقهاء, لا بسبب جهلهم بمنزلتهم, ولكن خوفا عليهم من عبث الحاكم المتطرف, حتى طغى الاسم المستعار على الكثير من الأسماء الحقيقية, وهكذا أصبح اسم (السيد البدوي) هو الاسم المستعار للصحابي (مالك الأشتر), وصار اسم صانع حلوى الجوز والدبس (أبو الجوزي), هو الاسم التمويهي لفقيه البصرة (الشيخ محمد بن الجوزي), وصار اسم البستاني (ظاهر بن علي) هو الاسم المستعار لفقيه البصرة (الشيخ الحسن الجبيلي). .

نحن إذن في أمس الحاجة إلى إصدار تشريع لقانون يحمي رموزنا الدينية والعلمية والأدبية والتاريخية, ويمنعها من التداول التجاري الرخيص, ويحفظ مكانتها الرفيعة, ويصون منزلتها العالية. .