الأغرودة والتغريد

د. عمر عبد العزيز العاني

الأغرودة والتغريد

كلمة حول تويتر

د. عمر عبد العزيز العاني

[email protected]

الأغرودة و التغريد من وسائل التواصل التي لقيت رواجًا عالميًا بين مختلف الطبقات والتوجهات والأفكار جغرافيًا وسياسيًا ودينيًا، وما بين جد وهزل، وصواب وخطأ، وهو بحق يمثّل دنيا العالم بما تحمل من نقائض وتوافقات

والأغرودة هي الفكرة المكتوبة نفسها، أما التغريد فهو القيام بكتابتها وصياغتها ونشرها، كالعلاقة بين المصدر واسمه.

ولا تختلف من حيث الحكم عن الكتابة والقول من حيث إن حسنه حسن وقبيحه قبيح، ونحن مأمورون – شرعًا - أن نقسط في القول والمعاملة قال الله عز وجل ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إنّ الشيطان ينزغ بينهم ) , أنا شخصيًا دخلت هذا العالم حديثًا نسبيًا فكانت أول تغريدة لي في يوم 20 / 3 / 2012 .

كنت ألاحظ أن كثيرًا من المشاركين يختفون وراء أسماء وهمية وصور وهمية لا تمثلهم بحال، وهذا من حقهم الذي يجب أن يحترم ويقدّر .. لكن الذي لا يحق لهم فيه هو التذرّع والتدرّع وراء هذه المبهمات من الأسماء والصور للنيل من حقوق الآخرين، والمؤلم أكثر أن يكون هذا الاعتداء من السخرية أو الكلام الجارح متستّرًا بلبوس الدين والانتصار للقيم الدينية.

وقد رأينا من سلوك النبي الكريم أنه حين خاطب أعداءه في السياسة والدين كان خطابه بألفاظ الاحترام المكفولة للآخر، فوجدناه يبدأ كتبه ورسائله إلى الزعماء في عصره بعبارة ( إلى كسرى عظيم الفرس ) و ( إلى هرقل عظيم الروم ) وهكذا .. وقد خالف هذا المنهج المهذّب بعض القادة فوجدنا المعتصم الحاكم العباسي يصدّر خطابه بعبارة ( إلى كلب الروم .. إلخ ) وهذا ليس من الهدي الإسلامي وإنما هي ساعة انفعال وغضب .. لذا يجب أن تكون عبارات الخطاب والتحاور بحدود قيم التهذيب وكرامة الإنسان .. وقد قدّمنا أن القسط في التعامل من واجبات الإسلام الملزمة لسلوكياتنا، قال الله عز وجل ( ولا يجرمنّكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى ) والمعني أن بغضنا لقوم ما وعداءنا لهم لا يعطي لنا الحق في التجاوز على قيمة القسط وأخلاقيات العدل في التعامل معهم في القول أو الفعل

والخالق العظيم لم يتعبّد الناس باللعن والطعن لمن يستحقونه، فلم نجد نصًا دينيًا يدعونا إلى لعن إبليس أو فرعون ويرتّب على ذلك صيغة معيّنة وأن لها من الأجر والثواب كذا وكذا، مثل هذه الأفكار دخلت إلى ثقافتنا الدينية من خارج الاسوار والحدود، وهي بالمعنى الإسلامي ( بدعة )

وقد رأينا طروحات دينية مكتوبة وتقال في أماكن العبادة ويتمّ توجيه الناس نحوها وجعلها واحدة من قضايا الإسلام، وهي ليست إلا طعنًا ولعنًا مما يجعل القلوب مكدّرة والنفوس مشحونة بالبغضاء، وهذا مخالف لروح الدين الذي يرمي إلى تطييب القلوب وتهذيب النفوس والارتقاء بالجانب الملائكي في الإنسان

والحقيقة إن التوتّر في تويتر وغيره الوسائل لا يصيب القصد من الإصلاح والتغيير، وإنما يقوم على التشفّي والانتصار لرعونات النفس وأنانيّتها.

وكل ما تقدّم لا يمنع من أن يكون المغرّدون يصدحون بالحق ويجاهرون به، وينهون عن المنكر ويحاربون الباطل ويصحّحون الأفكار، ولكن كل ذلك له فقهه وآدابه وضوابطه، فالإصلاح هو الهدف الأول، والقيمة الأسمى، وذلك لا يتحقّق بالكلام الموتور والوجه العابس والصراخ والضجيج، وللأسف هذا ما طبعت عليه أكثر تغريدات المغرّدين

وأخيرًا ليست هذه النهاية .. لكني أرجو أن يكون بذلك كفاية، والسلام عليكم