السلفيون بين الدعوة والسياسة!!

حسام مقلد *

[email protected]

أعتقد أن الأحداث السلبية الأخيرة في حزب النور السلفي قد ساءت كثيرا من المصريين وخاصة الإسلاميين؛ فمؤلم لكل مصري وطني يريد أن تنهض مصر الجديدة وتُبنى على أسس قوية من التعددية والتنوع أن يرى هذه الخلافات الشديدة تنشب داخل الأحزاب التي نشأت بعد ثورة يناير المباركة، وقد كان الكثيرون يؤمِّلون أن يَقْوَى حزب النور ويشتدَّ عودُه ليكون ظهيرًا قويا لحزب الحرية والعدالة، أو على الأقل يصبح حجر الزاوية في معارضة قوية جادة إن لم يرغب في الانضمام لأية تحالفات سياسية.

وقد حقق حزب النور إنجازات جيدة خلال هذه الفترة القصيرة من عمره، الأمر الذي يستحق الإشادة والثناء، لكن تصدُّعَ بنية الحزب وظهور الانشقاقات الحادة بين أبنائه بهذه السرعة أمر مؤسف يستحق التأمل والتحليل؛ لاستخراج الدروس والعبر، وتقويم المسيرة بهدف دعم الإيجابيات ومعالجة السلبيات التي ظهرت، ولعلي أتناول ذلك في النقاط التالية:

1.  يشكل السلفيون طيفا واسعا من الرؤى والأفكار والمدارس، فهناك: السلفية الجهادية، والسلفية العلمية، والسلفية الرسمية، ورغم هذا التنوع فالمعروف عن السلفيين (باستثناء الجهاديين) نزعتهم العلمية، وعزوفهم عن السياسة والمشاركة فيها، وتأكيدهم على طاعة ولي الأمر، وعدم الخروج عليه حتى ولو كان ظالما أو فاسقا ما دام المسلمون تحت حكمه قادرين على الصلاة وإقامة شعائر الإسلام...!!

2.  كان اهتمام السلفيين قبل ثورة يناير منصبًّا على طلب العلم الشرعي، إضافة للأنشطة الدعوية البسيطة التي تمارس على نطاق فردي ضيق دون أشكال تنظيمية، ولم يكن من اهتماماتهم مطلقا المشاركة في أنشطة منظمات المجتمع المدني، أو العمل السياسي داخل الجامعات أو النقابات فضلا عن مجلس الشعب، وكانوا لا يرون أية جدوى في الانتخابات، وإن لم يحرموها كانوا لا يتحمسون للمشاركة فيها!!

3.  راقت نظرة السلفيين إلى السياسة لقطاع من أجهزة الأمن في العهد البائد، واستخدمت هذه الأجهزة بعض مشايخ السلفية لمواجهة تيار الإسلام السياسي الحركي المتمثل في الإخوان المسلمين...!!

4.  تخصص السلفيون في دراسة العلوم الشرعية من مصادرها الأصيلة: القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الفقهاء، ونهلوا من التراث العلمي الزاخر الذي تركه علماء السلف (ومن أبرزهم الإمام أحمد بن حنبل، وابن تيمية، وابن القيم،... رحمهم الله) ولكن غالبيتهم ظلوا معزولين عن العلوم والمعارف الأخرى التي أبدعتها العقول العربية من غير الإسلاميين، ناهيك عن التراث الإنساني العالمي، فتركيزهم فقط منصَبٌّ على الكتب التراثية الإسلامية الشهيرة، ولا شك أنه كان لهذا القصور الفكري أثر سلبي في اكتمال تشكيل رؤاهم وقناعاتهم!!

5.  أزعم أن السلفيين لا يمتلكون رؤية شاملة للكون والحياة بكل مكوناتها وجوانبها المختلفة ـ وعلى حد علمي ـ لا أعرف لهم نموذجا متكاملا يشرح لنا مفهوم الدولة الإسلامية الحديثة وفق تصوراتهم؛ وذلك لأنهم يهتمون بالجانب العلمي الشرعي فقط، ولا يقدمون لنا سوى تصورات عامة وأدبيات مجملة عن الدولة الإسلامية التي يحلمون بها!!

6.  وفرت الفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة لشيوخ السلفية فرصا سانحة لبث أفكارهم على نطاق واسع بين الجماهير، وساعد سمتهم الديني وحضورهم الإعلامي على الانتشار النسبي في أوساط العامة، وبسبب فقدان الثقة نوعا ما في المؤسسة الدينية الرسمية في عصر مبارك وثق الناس في مشايخ السلفية وصدقِهم وتجردِهم وإخلاصهم، الأمر الذي ساهم في سعة انتشارهم، وانعكس بشكل إيجابي محمود في مجال الدعوة الإسلامية.

7.  في بداية ثورة يناير تردد قطاع كبير من السلفيين في تأييدها اتساقا مع فكرهم ومنهجهم المعتاد، ثم لحقوا بالثورة وانخرطوا سريعا في السياسة وشكَّلوا قوة سياسية بارزة، وقد أشفق كثير من المخلصين على السلفيين من الاندفاع في دخول معترك السياسية المعروف بتذبذبه وتغيره الدائم بسبب ديناميكية الحياة وكثرة وتلاحق متغيراتها، وفضَّل هؤلاء أن يحافظ السلفيون على نقاء دعوتهم وعدم تعريضها لملوثات السياسة وأوضارها، فيما رأى آخرون ضرورة مشاركة السلفيين في معركة إعادة البناء التي تشهدها مصر، والمساهمة فيها بقوة فهذه فرصتهم التاريخية للمشاركة في صنع الأحداث، وقد تغلب أصحاب هذا التوجه فاندفع السلفيون في تشكيل عدة أحزاب سياسية كان أبرزها حزب النور.

8.  أزعم أن انخراط السلفيين في السياسة وتخليهم عن قناعاتهم السابقة بهذه السرعة كان قرارا متعجلا ومندفعا بعض الشيء ـ مع تسليمي بأن هذا حق أصيل لهم ـ وكنت وغيري نأمل أن يمنح السلفيون أنفسهم وقتا كافيا لدراسة الفكرة وإنضاجها جيدا قبل الشروع في تنفيذها على أرض الواقع.

9.  أعتقد أن قبول السلفيين لفكرة الديمقراطية بمعناها السياسي الغربي كان أمرا محيِّرا للباحثين؛ لأنه يخالف بشكل واضح الأدبيات السلفية المعروفة، كما أن مسارعتهم لتشكل العديد من الأحزاب السياسية السلفية أمر يدعو للدهشة كذلك!! فلماذا لم يشكلوا حزبا سلفيا واحدا يجمعون فيه نخبهم، ويحشدون له كل مؤيديهم؟! ولماذا أصلا هذا التغير السريع والمفاجئ في مواقفهم المبدئية الراسخة من السياسة والسلطة ؟!  

10.         مازال الوقت مبكرا جدا لتقييم تجربة السلفيين السياسية، لكن المؤشرات الأولى سلبية بعض الشيء سيما لو وضعنا في الاعتبار ما حدث في حزب النور من انشقاقات، وما جرى ويجري في ليبيا وتونس من بعض السلفيين، وقد سمع العالم تحذير الرئيس التونسي(المنصف المرزوقي) من الخطر المحدق بديمقراطيات الربيع العربي والمتمثل في السلفية الجهادية، وهذا الخطر وإن كان بعيدا عن مصر حاليا إلا أنه يبقى احتمالا قائماً!!

11.         حتى الآن هناك تضارب حاد بين تصريحات كثير من الرموز السلفية في مصر، وقد انعكس ذلك سلبيا على الدعوة السلفية ولا شك، كما يلاحظ تراجع العمل الدعوي والإصلاحي خاصة فيما يتعلق بالأخلاق، ويعزو البعض ذلك لانشغال الإسلاميين بالسياسة على حساب العمل الاجتماعي والدعوي، وللإنصاف لا يلام السلفيون وحدهم في ذلك، بل يلام كذلك الإخوان المسلمون وبقية الأحزاب الأخرى، لكن ما يعنينا هنا هو أمر السلفيين، وقد حذرهم البعض من خوض بحور السياسة المتلاطمة؛ لأن ذلك سيصيبهم بأدرانها وأوساخها الكثيرة، الأمر الذي سيشوه مظهرهم، ويستنزف قواهم، ويعيق عملهم الدعوي، وليتهم ركزوا في الدعوة، واقتصروا في السياسة على المشاركة كأفراد فقط دون إقحام التيار السلفي كله في خضمها الهائج الموَّار؛ كي لا يضيع في لُجَجِه التي ليس لها قرار!!

               

 * كاتب إسلامي مصري