وحدة الأطر السياسية ضرورية ...

وحدة الأطر السياسية ضرورية ...

عقاب يحيى

تعجّ الساحة السورية اليوم، وكل يوم، بالكثير من التشكيلات السياسية : أحزاباً، وكتلاً، وتيارات..حتى صار من الصعب على المهتمين حفظ الأسماء، أو معرفة الفروق بينها للتشابه الكبير في الأسماء والمحتوى .

ـ الظاهرة منتج سوري انفجاري بامتياز، يمثل الردّ على عقود التغييب والتهميش والقمع والمنع والتقزيم.. حين توفرت الظروف المناسبة : الثورة.. ليُخرج السوري كل خزينه، وتوقه، وليقبل بنهم على الاهتمام بالشأن العام، وتحقيق ذاته، ولو بالاستعراض والتزاحم ..مستعيداً ما عرف عنه من عشق للسياسة، والتزاحم عليها ..بكل الألوان .

ـ الظاهرة صحية بعموميتها، أو طبيعية .. رغم ما تعرفه من سلبيات، وانشطارات.. ورغم آثارها الانعكاسية على الشعب الذي لم يعد يفهم هذا الذي يجري بين معارضات قديمة تتعرّض لمزيد الانشطارات والتذرية.. وأخرى جديدة تخرج من أرحام مختلفة، وقد يقتصر بعضها على كمشة من الأصحاب يريدون تجريب حظهم، وعرض ذاتهم، وسط حالة من الحشر والتزاحم والاستعراض،  مع ملاحظة دخول المال السياسي بقوة منذ أشهر، ولجوء بعض أصحاب رؤوس الأموال لتشكيل أحزابهم وتكتلاتهم الخاصة، واختيار بعض الواجهات النخبوية لتصدر المشهد، وبذهن كثير منهم لعب دور بارز في الثورة وفي مستقبل البلاد.. وهناك من يطمح أن يكون " حريري" سورية القادم.. وربما أكثر ..  فيتجاوز السياسي إلى التسليحي، والإغاثي، وجميع وجوه البروز والتأثير .

ـ كثرة التشكيلات صارت عبئاً على أصحابها، وعلى الثورة، والشارع السوري، خاصة وأن المعارضة، بقديمها وجديدها، لم تستطع تقديم الكثير للثورة، وعجزت عن الاتفاق ولو بالحد الأدنى، وظهرت سوياتها، وشرذماتها وتعدد مواقفها، وخلافاتها وشرشحاتها جزءاً من لوحة سريالية بائسة .. الأمر الذي يستوجب البحث عن أطر مجموعية واسعة تنضوي فيها الاتجاهات المتقاربة : توحداً، أو تحالفاً، أو تنسيقاً، أو تعاوناً.. باتجاه ما تسفر عنه المقبلات من تحولات ، وتجسيداً لما يطرحه معظمها عن عشقه للوحدة، والاتفاق، وتجاوز الشرذمة، ناهيك عن هذه التعددية الخصبة التي لم تدخل امتحانات قابلية وقبول الشعب لها وبها، لن تبقى على حالها عند حدوث أي امتحانات تنافسية انتخابية، وسيتعرض معظمها لهزّات زلزالية كبيرة قد لا تبقي على كثيرها، وقد تذروها الرياح، أو تدهسها، وتطويها التحالفات الأكبر، والقوى الدسمة بتحالفاتها وإمكاناتها المالية وغيرها لتكتفي حينها بالسباب واللطم واللوات ..

ـ على سبيل المثال : في التجربة الجزائري المبتورة لما عرف ب: الانفتاح، شهدت الجزائر بزمن قصير ولادة مئات الأحزاب.. التي قامت على أكثر من خلفية سياسية وفكرية وصحبوية، ومالية، وعائلية، وجهوية، وعروشية وغيرها.. وحين جرت الانتخابات ـ بغض النظر عن منسوب نزاهتها ـ وهي ليست نزيهة بالتأكيد ـ هرّت عديد تلك التشكيلات بسرعة تشبه سرعة قيامها، وبعضها ضمر واضمحل وبات كمشة أشخاص.. بينما تواصلت الانشطارات والتبديلات.. في حين ـ قعدت ـ فوق الجميع بضعة أحزاب مدعومة، أو تعبر عن اتجاهات رئيسة في المجتمع، وهي التي تستأثر بالحصة الكبرى في المجلس الشعبي الوطني..

ـ في سورية الغد.. وفي الانتخابات القادمة.. سيحدث الفرز عبر تلك الامتحانات الفعلية.. ستصعد تشكيلات، وتختفي أخرى، أو تضطر الكثير منها إلى التوحد والتحالف والاتفاق خوفاً من الاندثار أو الابتلاع..

ـ لذلك.. من المفيد، والضروري أن تبادر منذ اليوم التشكيلات المتقاربة فكرياً، وأديولوجياً، وسياسياً إلى إيجاد صيغ جمعوية لها يمكن أن تمهد لعمليات الدمج والتوحيد، أو العمل المشترك.. حيث يستحيل أن تتحمل الساحة هذا العدد الكبير والمتشابه، عدا عن أن خط التجميع والتوحيد ضرورة لها وللوطن  .

ـ هكذا مثلاً يمكن للاتجاهات الإسلامية بشتى مشاربها أن تجد إطارها الواحد( وقد فعلت ذلك مؤخراً، بغض النظر عن الخلفيات والآفاق) لتشكيل تيار إسلامي عريض، كما يمكن للاتجاهات الليبرالية والديمقراطية أن تصل إلى إطار جمعوي لها، ومثلها الاتجاهات الوطنية والديمقراطية والقومية واليسارية ، بحيث تتبلور في المجتمع اتجاهات سياسية كبرى تتنتافس عبر الحوار والتفاعل وصناديق الاقتراع، وليس من خلال الاصطراع، والاجتثاث، ونفي الآخر، أو الحروب التفتيتية التي ألحقت أبلغ الأذى بالعمل السياسي، وبالأهداف، وموقف الشارع منها ..

ـ إن الحوارات الجادة، وتجاوز النفس الحزبوي، والعصبوي، والمصالح الخاصة.. لا شكّ انها ضرورية للوصول إلى نتائج مهمة بين القوى المتشابهة فكرياً وسياسياً، ولو عبر تفاهمات عامة، أو اتفاقات في المشتركات، او تحالفات واضحة.. وصولاً إلى ما هو أكثر..حين ينجح المجتمع في بلورة خطوط سياسية كبرى تعبر عن اتجاهات واضحة .