المؤلفة قلوبهم

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

من حق الرئيس مرسي وواجبه أن يستمر في عضوية الإخوان المسلمين ، وأن يظل رئيسا لحزب الحرية والعدالة . لا يوجد في الدول الغربية الديمقراطية العريقة في ديمقراطيتها شروط أو تقاليد تمنع الرئيس المنتخب من البقاء منتسبا للجهة أو الحزب الذي قدمه للمنصب السياسي ، رأينا ذلك في فرنسا . ساركوزي كان يمثل اليمين وذهب ، وجاء هولاند ممثلا لليسار وحكم ، وكلاهما عندما وصل إلى كرسي الرئاسة حكم الفرنسيين جميعا ولم يتخل عن حزبه أو انتمائه ، والأمر نفسه يحدث ويتكرر في انجلترا وأميركا وإسبانيا واليونان وإيطاليا وألمانيا والدول الاسكندنافية وتركيا ...

أردوغان رئيس حزب العدالة والتنمية ، وجول عضو في اللجنة العليا للحزب ، وكلاهما ينتمي إلى الحركة الإسلامية الرئيسية في تركيا المعروفة باسم الحركة النورسية أو أتباع سعيد النورسي ، وهي حركة إسلامية متعددة التيارات ، ولكنها تضم معظم الأحزاب والتجمعات الإسلامية التركية ، وخرج منها معظم القادة الإسلاميين الأتراك ، ولم يطلب العلمانيون الأتراك من قادة الدولة المنتمين إلى الحرية والعدالة أن يقطعوا صلاتهم أو أواصرهم بالحزب أو الحركة الإسلامية الأم ّ!

أساتذة الابتزاز والانتهازية في بلادنا استخدموا مصطلحات السطو والاستحواذ والتكويش والهيمنة والسيطرة ليخيفوا الحركة الإسلامية التي صوّت لها الشعب ، ويبثّوا الرعب في قلوب المصريين من الإسلام والمسلمين ، مع أن الشعب المصري هو الذي صوت لهم ، ومنح الثقة لمن يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ثقة في أنهم سيعدلون ، وسيطهرون أرض الكنانة من الفساد والمفسدين ، ومن بينهم هؤلاء الابتزازيين الانتهازيين .. وسيبنون مصر الحلم الجميل الذي تسوده الحرية والكرامة والقيم الإسلامية الإنسانية !

لا ريب أن الابتزازيين الانتهازيين من مشارب مختلفة ؛ شيوعية ، ناصرية ، ليبرالية ، علمانية ، خدمة كل العصور ، وقد نجحوا إلى حد كبير في ترويع الشعب المصري ، والإسلاميين في قلبه ، وتهديد حلمهم الجميل الذي انتظروه طويلا ، بعد ما أسقطوا النظام المستبد الفاشي . لقد وضعوا في أذهان الناس استحالة عودة التوازن إلى الدولة والحكومة ، وتحريك عجلة الإنتاج والعمل ، ولم يكن تعطيل الانتقال إلى حياة ديمقراطية مستقرة  ، ومحاولات تفجير لجنة الدستور ، ورفع الدعاوى لحل مجلسي الشعب ، والشورى ، والتشويش على خطوات الرئيس ، والتربص بكل كلمة وتصريح وسلوك إسلامي ، وتأويله تأويلا شيطانيا ، فضلا عن قاموس البذاءة والشتائم وقلة الأدب مع شخص الرئيس وأسرته وقادة العمل الإسلامي ، والسخرية من لحاهم ، وتضخيم الحوادث الفردية ، بل واختلاقها إلا تجليا من تجليات الابتزاز الرخيص والانتهازية الوقحة ، ما ترتب عليه تطويل الفترة الانتقالية وزيادة خسائر مصر الاقتصادية ، وبث اليأس والإحباط في النفوس والقلوب .

لقد كان حل مجلس الشعب ضربة قاسية للثورة ، وأيضا الإعلان المكمل ، وحل اللجنة التأسيسية للدستور ، وصار اللعب بإرادة الشعب التي عبر عنها في انتخابات حرة نزيهة لم تعرفها مصر من قبل ؛ عملا مشينا بكل المقاييس ، وكان الابتزاز والانتهازية وفرض الوصاية على الأغلبية الساحقة جريمة لم تحدث في أية حالة ديمقراطية احتكم فيها الشعب إلى صندوق الانتخابات ، وكانت إرادة الناس جلية ساطعة برفض العلمانية والتغريب  والشيوعية وشبيهتها الناصرية ، ولكن الأقلية الفاشية اخترعت ما يسمى رهاب " الأسلمة " ، ولما وجدوا أن الأسلمة سترتد عليهم وبالا ، اخترعوا ما يسمى بالأخونة ، كي يخيفوا الناس من خطر مجهول غير معروف ، وهو ما واجهه الجمهور بكثير من الطرائف والنكت على مسمى الأخونة ، ولكن المسألة في النهاية أنتجت نوعا من  الخوف أو الجزع لدى الطرف الإسلامي حاول أن يواجهه بـ " الطبطبة " أو بما يسمى تأليف القلوب ، والتنازل عن حقوق كثيرة في مقدمتها تعيين المسئولين الكبار في الوزارات والمحافظات والإدارات والصحافة والإعلام من كفاءات التيار الإسلامي ، فتعيين وزير إسلامي أو محافظ يثير ثائرة الجبهة الابتزازية الانتهازية ، مع أن الشعب قال كلمته صريحة قاطعة وصوّت للإسلاميين كي يقودوا مسيرته في الإدارة والعمل والإنتاج .. والشعب أقوي من أية سلطة أو جهة في الوطن ، ودعمه لمن انتخبهم أقوى من العالم كله .

لماذا إذن يمضي الإسلاميون على نهج المؤلفة قلوبهم مع هؤلاء المبتزين الانتهازيين الذين رفضهم الشعب ولم يصوت لهم ؛ تحت مسمى التوافق ، وحجة أن فصيلا واحدا لا يمكن أن يعمل وحده ؟

المسألة ليست كذلك ، فالفاشلون لا يحق لهم أن يعطلوا حركة المجتمع ، ويوقفوا إنتاجه ، ويخرّبوا اقتصاده ، ويحرّضوا على السلطة المنتخبة ! ثم إنهم لم يعلنوا أبدا تصالحهم مع الديمقراطية ولم يقروا بحق السلطة المنتخبة في القيادة والحكم أو تعاونهم معها من أجل الوطن ، وما زالوا حتى اليوم يسبّون ويشتمون ويعطلون ويدّعون ويكذبون ، ثم إنهم يحاربون التصور الإسلامي – جريمتهم الأكبر - جهارا نهارا ، ولا يخافتون بهذه الجريمة في مصر الإسلامية .

لن يرضى الشيوعيون والناصريون والليبراليون والعلمانيون والمرتزقة عن الإسلام والمسلمين مهما قُدّم لهم في سياق سياسة تأليف القلوب التي يتبعها الطرف الإسلامي ، لأنهم أصلا ليسوا على استعداد لإعلان الهدنة مع الإسلام ، ولا التآلف مع المسلمين، أو القبول بالديمقراطية التي لم تأت بهم .

ومن المفارقات أن الطرف الإسلامي يهمل الكفاءات الإسلامية التي يمكن أن تكون معادلا أو شريكا على الأقل لكسر حالة الابتزاز والانتهازية ، ولعل ما جرى في لقاء الرئيس مع المثقفين والفنانين في 6/9/2012 خير مثال ، فقد اكتفت الرئاسة بدعوة من لا يتصالحون مع الإسلام ولا المسلمين ، ولم تدع مثقفا إسلاميا واحدا ليكون في اللقاء الذي تشابه مع لقاء هؤلاء مع المخلوع في 30/9/2010. مع أن الأمر لم يكن يكلف الرئاسة عبئا عظيما ، بل كان سيخفف عنها عبء الأسئلة السخيفة والأفكار المريضة التي يحملها كهنة آمون !

إن من يتم تأليف قلوبهم ليسوا على استعداد للمهادنة – مجرد المهادنة – لأن هناك من يشجعهم ويمولهم ، ويعدهم بالمن والسلوى في ظل غياب الإسلام !

متى تنتهي سياسة تأليف من لا يُؤلف ، ومتى تتم أسلمة الوظائف والمناصب برجال شرفاء لا يسرقون ولا يُفسدون ؟