المقاتل الستة

د. منير الغضبان

[email protected]

يا شباب هذه الأمة العظام . يا من اخترتم الآخرة على الدنيا , والموت على المذلة والكرامة على العبودية لغير الله . أناديكم وأنتم تحت القصف والدمار . وحيث لا خيار لكم إلا الموت . أناديكم حتى تنالوا الشهادة الحقيقية أن تعوا إلى هذه المقاتل الستة التي تحولكم من الجنة إلى النار , فتجتنبوها لتكونوا من الشهداء

هذه المقاتل الستة هي :

1- القتال تحت راية جاهلية .

2- معصية الله والرسول.

3- التنازع والخلاف .

4- معصية الأمير .

5- الغلول .

6- الرياء.

وسنتناول في هذه الحلقات الست هذه المقاتل واحدة تلو الأخرى .

المقتلة الأولى : القتال تحت راية جاهلية

والراية الجاهلية هي القتال للصد عن سبيل الله . والقتال لحرب الإسلام وحرب شريعة الإسلام (( من قتل تحت راية عُمّية ينصر العصبية . ويغضب للعصبية فقتلته جاهلية )) صحيح الجامع الصغير –ح 6442

(( ومن قتل تحت راية عميَّة يغضب للعصبية ويقاتل للعصبية فليس من أمتي ومن خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها , لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس مني )) رواه مسلم .

فهنا يستوي بشار وطغمته مع من يقاتله فكلاهما ليس من هذه الأمة

وبمقدار ما نجد باب النار مغلقاً جداً كما في هذا الحديث . نجد باب الجنة فسيحاً مفتوحاً لكل من يقاتل في سبيل الله .

هذا السبيل حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل :

((يا رسول الله : الرجل يقاتل حمية , والرجل يقاتل شجاعة , والرجل يقاتل رياء

فأي ذلك في سبيل الله ؟

قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله))مسلم ,واحمد

أ‌- الدفاع عن المستضعفين قتال في سبيل الله

(( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيرا )) سورة النساء / الآية 75

2- القتال ضد الظلم والظالمين هو في سبيل الله :

قال صلى الله عليه وسلم (( من قتل دون ماله فهو شهيد , ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد )) صحيح الجامع الصغير /ح 6445

والحديث (( من قتل دون ماله مظلوماً فله الجنة))

صحيح الجامع الصغير ح 6447.

3- المقتولون تحت القصف والدمار :

(( من فصل في سبيل الله فمات , أو قتل , أو وفصته فرسه أو بعيره, أو لدغته هامة أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد , وإن له الجنة)) صحيح الجامع الصغير (حسن) ح 6413

4- نية القتل في سبيل الله :

(( من قاتل في سبيل الله فواق ناقة . فقد وجبت له الجنة . ومن سأل الله القتل في سبيل الله من نفسه صادقاً ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد ))

صحيح الجامع الصغير /ح/ 6416 .

5- المجروحون والمصابون والمنكوبون في سبيل الله :

(( ومن جرح جرحاً في سبيل الله أو نكب نكبة . فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت , لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك ومن خرج به خراج في سبيل الله كان عليه طابع الشهداء ))

صحيح الجامع الصغير ح/ 6416 .

فتحديد النية لك أيها المقاتل العظيم مهم جداً وخطير جداً وبين أن تلقى ربك شهيداً مرضياً عنك أو تلقاه ولست من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتبعث مع بشار وطغمته ويذهب دمك رخيصاً بلا دنيا ولا آخرة .

وإلى اللقاء في المقتلة الثانية التي تحبط العمل , ولا تدفع الأجل .وتقود إلى النار عوضاً عن الجنة.

(الحلقة الثانية)

أما المقتلة الثانية التي تقود إلى النار فهي معصية الله والرسول :

أيها المجاهدون العظام . يا قادة المجاهدين لكم من عوامل النصر ثلاثة .

الثبات  : وهذا ما تقدمونه للعالم كله

(( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا ))

ذكر الله كثيرا : فلا نراكم يا سادة الأمة وقادتها إلا وأنتم تكبرون مع كل نصر ومع كل محنة . وتعلنون للبشرية أن لا ناصر لكم إلا الله . ولن تركعوا إلا لله . وتجيبون نداء ربكم في الاستعداد للموت .

لبيك يا الله

وتعلنون كلمة التوحيد : لا إله إلا الله محمد رسول الله

الصبر :

على كل معاناة النظام وتدميره وجرائمه وتعلمون أن العالم كله قد تخلى عنكم وهو يتلهى بكم . وأنتم صامدون صابرون تعلنون للدنيا أن لا تراجع عن إسقاط نظام الكفر ولو خسرتم أقصى غاية الجود أولادكم وأهلكم وأبناءكم ونساءكم .

فإذا ضحيتم بالروح فماذا يغلو عن الروح ؟

والجود بالنفس أغلى غاية الجود .

هذه عناصر النصر الثلاثة قد استكملتموها بحمد الله .

(( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ))

(( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم تفلحون ))

وهناك ثلاثة أخر من عوامل النصر :

(( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ))

(( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ))

إذن امتلكتم ثلاثة عناصر من عناصر النصر . الثبات , ذكر الله كثيرا , الصبر

ولا تزالوا بحاجة إلى ثلاثة أخرى

طاعة الله والرسول , وعدم التنازع , والخروج الخالص لله

وإذا امتلكتم هذه العناصر الثلاثة فسترون نصر الله قريب . وتفرحون بنصر الله

وهذه المقدمة تقودنا إلى

المقتلة الثانية : معصية الله والرسول

فالله تعالى امتحن جنده حزب الله وقائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت المحنة بالجيش كله لخطيئة عشرات من الأفراد في الجيش المصطفى مع الرسول المصطفى .

(( وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين )) سورة   آل عمران / الآية 151 ,

لقد كانت أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم للرماة بالثبات على الجبل لا تحتمل التأويل والاجتهاد وتذكير قائدهم عبد الله بن جبير . بها حجة على المتذرعين منهم بالجهل (( من حديث البراء رضي الله عنه قال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد وكانوا خمسين رجلاً – عبد الله بن جبير . قال : ووضعهم موضعاً وقال لهم (( إن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم , وإن رأيتمونا ظهرنا على عدونا وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم)) قال : فهزموهم , لقد فات النصر على المسلمين ووقعت المحنة . وقتل سبعون صحابياً استشهدوا في سبيل الله . لمعصية قليل من الرماة اجتهدوا وقالوا :    (قال فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل وقد بدت سوقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن . فقال أصحاب عبدالله بن جبير  : الغنيمة , أي قوم الغنيمة . ظهر أصحابكم فماذا تنظرون ؟

قال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة . فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين . فذلك الذي يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلاً , فأصابوا منا سبعين رجلاً--)                    وهذه المحنة القاسية , وهؤلاء الشهداء السبعون هم بعد عفو الله عن المؤمنين وإلا لكانت هزيمة لا تنتهي إلا باحتلال المدينة ( ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين)  , حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائد الجيش . وهو سيد البشر . والجيل الذين معه هم خيرة الخلق وصفوته فقد نزلت بهم المحنة .

ومن حديث أنس رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد , وشج في رأسه . فجعل يسلت الدم عنه وهو يقول : ( كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله عز وجل . فأنزل الله عز وجل : (( ليس لك من الأمر شي )) صحيح البخاري .

إنها المقتلة الثانية : معصية الله تعالى ورسوله . والتي تؤخر النصر أو نقضي عليه أو تدخل المقاتل النار وهو يضحي بحياته , ويحسب نفسه أنه من الشهداء المجاهدين ,  وتحوله من الجنة إلى النار (( وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان . يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون ) سورة آل عمران /الآية – 196 – 197

المقتلة الرابعة :

معصية الأمير :

( عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا به أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

 من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله .

ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني .

رواه أحمد (2/313 ) ومسلم (6/24) .

فمعصية الأمير هي معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم , ومعصية لله تعالى , وهي تدخل الجندي النار ولو قتل في سبيل الله .

عمرو بن العاص نموذجاً :

وهو الأمير الذي ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمرة على جيش فيه

أبو بكر وعمر وأبو عبيدة , فقد أصدر أوامره بعد إشعال النار في الجيش . والمسلمون يكادون يموتون برداً فواسطوا أبا بكر كي يشعلوا النار لاتقاء هذا البرد , فماذا كانت النتيجة ؟

( من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في ذات السلاسل (اسم الغزوة ) فسأله أصحابه أن يوقدوا ناراً فمنعهم فكلموا أبا بكر , فكلمه في ذلك , فقال : لا يوقد أحد منهم ناراً إلا قذفته فيها . قال:

فلقوا العدو فهزمهم (- هزم العدو )

فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم , فلما انصرفوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا ناراً فيرى عدوهم قلتهم , وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد . فحمد أمره . فقال : يا رسول الله من أحب الناس إليك ؟ قال عائشة , قلت من الرجال ؟ قال : أبوها . قلت ثم من ؟ قال عمر . فعد رجالاً فخفت أن يجعلني , فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم ) الترمذي والبخاري مختصراً رقم 2662 .

فطاعة عمرو بن العاص الأمير مقدمة على طاعة خير الأمة بعد نبيها أبي بكر وعمر .

وفي رواية الحاكم عن بريدة :

( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص على سرية فيها أبو بكر وعمر . فلما انتبهوا إلى مكان الحرب أمرهم أن لا يوقدوا ناراً , فغضب عمر بن الخطاب , وهم أن يأتيه فنهاه أبو بكر وأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستعمله إلا لعلمه بالحرب , فهدأ عنه ) سبل الهدى والرشاد 6/ 264

لا تجوز المخالفة ولو كان الدافع لها الحماس للنصر والرغبة في الشهادة:

حتى لو كان الحماس للنصر والرغبة في الشهادة فلا تجوز مخالفة الأمير

فالأمير يعرف متى يقاتل وكيف يقاتل ؟

فقد يتظاهر الأمير بالهزيمة ويوهم العدو بالانسحاب لتحقيق نصر أكبر وهدف أعظم , فلا بد من طاعته ومعصيته هي معصية لله سبحانه .

( قال محمد بن عمر : وفي هذه السرية خرج أسامة بن زيد في إثر رجل منهم يقال له نهيك بن مرداس فأبعد . وقوي المسلمون على الحاضر , وقتلوا من قتلوا واستاقوا نعماً وشاء , وتفقد غالب ( أمير الجيش ) أسامة بن زيد , فجاء أسامة بعد ساعة من الليل , فلامه الأمير لائمة شديدة . وقال : ألم تر إلى ما عهدت إليك؟ قال : خرجت في إثر رجل منهم يقال له نهيك جعل يتهكم في . حتى إذا دنوت منه قال : لا إله إلا الله . فقال الأمير : أأغمدت سيفك ؟ فقال : لا والله ما فعلت حتى أوردته شعوب ( الموت ) فقال : بئس ما فعلت وما جئت به تقتل امرأً يقول لا إله إلا الله . فندم أسامة وأسقط في يده ) سبل الهدى والرشاد 6/226

وفي رواية أسامة رضي الله عنه : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة . فأدركت رجلاً فقال : لا إله إلا الله . فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  أقال لا إله إلا الله وقتلته ؟ قلت : يا رسول الله : إنما قالها خوفاً من السلاح . قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟) فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ ) صحيح السيرة النبوية 366/367 .

جريمة المخالفة : وجريمة قتل المستسلم الآمن :

( فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام فأمسكنا عنه . وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله لشيء كان بينه وبينه . وسلبه بعيره ومتيعه ( المتاع القليل ) --- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمحلم : أقتلته بعد ما قال آمنت بالله ؟ قال يا رسول الله : إنما قالها متعوذاً . قال أفلا شققت عن قلبه ؟ قال لم يا رسول الله ؟ قال : لتعلم أصادق هو أم كاذب --- فقال محلم : استغفر لي يا رسول الله . فقال (( لا غفر الله لك )) فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه . فما مضت سابعة حتى مات , وفي حديث ابن اسحق : فما لبث أن مات فحفر له أصحابه فأصبح وقد لفظته الأرض . عادوا فحفروا له فأصبح وقد لفظته الأرض – فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له . فقال : إن الأرض لتقبل من هو شر من صاحبكم . ولكن الله تعالى يريد أن يعظكم )) فأخذوا برجليه فألقوه في بعض الشعاب وألقوا عليه الحجارة )

سبل الهدى والرشاد للصالحي 6/ 294- 296 .

وإلى المقتلة الخامسة التي تقود إلى النار عوضاً عن الجنة .