عثمان في ميزان علي رضي الله عنهما 4

عثمان في ميزان علي رضي الله عنهما

الحلقة الرابعة والأخيرة

د. منير الغضبان *

[email protected]

1- خلافة عثمان عند علي رضي الله عنهما :

نعود إلى الوثيقة الخالدة التي نقلها لنا الذهبي في تاريخه بلسان علي أمير المؤمنين رضي الله عنه . فهو أحد الستة المرشحين للخلافة باختيار أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يؤكد أمرين مهمين

الأمر الأول : سبب اختيار الستة للخلافة دون إيثار واحد بعينه

الأمر الثاني : أنه لم يدفعه لهذا الموقف محاباة أو إيثار لأحد

ولتستمع لقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عن هذين الأمرين

(فلما قبض أي عمر تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وأنا أظن أن لا يعدل بي ولكن خشي أي عمر أن لا يعمل الخليفة بعده ذنبا إلا لحفة في قبره 

فأخرج منها نفسه وولده )(1)

( ولو كانت محاباة منه لآثر بها لولده فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة أنا أحدهم )(2)

إنه كان يرى رضي الله عنه أنه لا يقل عن واحد من هؤلاء الستة في الفضل والسابقة والقرابة  إن لم يكن متفوقاً عليهم

(فلما اجتمع الرهط تذكرت في نفسي قرابتي وفضلي وسابقتي وأنا أظن أن لا يعدلوا بي فأخذ عبد الرحمن مواثقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا ثم أخذ بيد ابن عفان فضرب بيده على يده فنظرت في أمري )(3)

ونحن نتحدى الدنيا كلها في أرقى أنظمتها الديمقراطية والحرية أن نجد مثل موقف علي رضي الله عنه من منافسه عثمان رضي الله عنه

( فنظرت فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري )(4)

فبايعنا عثمان (5)

وكان موقفه منه ومن خلافته كموقفه من خلافة الصديق والفاروق وذلك بعد أن أخذ منه الميثاق على طاعة من يختاره ابن عوف 

( فبايعنا عثمان : فأديت له حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جيوشه 

وكنت أخذ أذا أعطاني , وأغزو إذا أغزاني وأضرب بين يديه بسوطي )(6)

ثم كانت خلافة علي رضي الله عنه نقلها بأوثق أمانة واصدق صدق فقال : (فلما أصيب أي عثمان نظرت في أمري فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعد رسول الله صل الله عليه وسلم بالصلاة قد مضيا وهذا الذي أخذ له العهد والميثاق قد أصيب .

فبايعني أهل الحرمين وأهل هذين المصرين )(7)

(1),(2),(3),(4),(5),(6) تاريخ الذهبي /تاريخ الخلفاء الراشدين ص 640-641 ----- (7) المصدر نفسه ص/642

هذه هي منظومة الخلفاء الراشدين عند أهل السنة والجماعة نقلها لنا علي رضي الله عنه في أنصع بيان وأوضح برهان . ونعتبر كل من خرج عليها خارج عن أهل السنة والجماعة ومفترِ على أعظم جيل في التاريخ

2- علي رضي الله عنه يبعث ولده الحسن للذود عن عثمان رضي الله عنه عندما حاصره الثوار :   

قال :( واستقتل أناس منهم زيد بن ثابت وأبوهريرة وسعد بن مالك والحسن بن علي ونهضوا لنصرة عثمان . فبعث إليهم يعزم عليهم لما انصرفوا فانصرفوا ----) (1) .

وكتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن محمد و طلحة وأبي حارثة 

وأبي عثمان , وقالوا : لا يخرجنا مما وقعنا فيه إلا قتل هذا الرجل . فيشتغل بذلك الناس عنا , ولم يبق خصلة يرجو بها النجاة إلا قتله . فراموا الباب فمنعهم من ذلك الحسن  وابن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص . ومن كان من أبناء الصحابة أقام معهم , واجتلدوا وناداهم عثمان : الله الله ,أنتم في حل من نصرتي . فأبوا , وفتح الباب وخرج ومعه الترس والسيف لينههم ( ليفرقهم) فلما رأوه أدبر المصريون , وركبهم هؤلاء و نهنهم فتراجعوا  وأقسم على الصحابة ليدخلن . فأبوا أن ينصرفوا وقالوا : ما عذرنا عند الله إن تركناك ونحن نستطيع أن لا ندعهم حتى نموت -----) (2)

فلما بقي المصريون لا يمنعهم أحد من الباب , ولا يقدرون على الدخول جاؤوا بنار فأحرقوا النار والسقيفة . حتى إذا احترق الخشب خرت السقيفة على الباب . فثار أهل الدار وعثمان يصلي حتى منعوهم الدخول . وكان أول من برز لهم : المغيرة بن الأخنس وهو يرتجز :

قد علمت جارية عطبول ---- ذات وشاح ولها جديل

أني بفضل السيف خنشليل ---- لأمنعن منكم خليلي

               بصارم ليس بذي فلول

وخرج الحسن بن علي وهو يقول :

لا دينهم ديني ولا أنا منهم ---- حتى أسير إلى طمار شمام

وخرج محمد بن طلحة يقول :

أنا ابن حامى عليه بأحد ---- ورد أحزابا على رغم معد

وخرج سعيد بن العاص وهو يقول :

صبرنا غداة الروع والموت واقب ---- بأسيافنا دون ابن أروى تضارب 

وكنا غداة الروع في الدار نصرة ---- نشافههم بالسيف والموت ثاقب)(3)

(1) تاريخ الذهبي , الخلفاء الراشدون ص / 441 ,

(2) إلى طمار شمام : حتى أطير إلى أعلى مقام 

(1),(2),(3) تاريخ الطبري2/ 673 , 674 , رواة هذا النص هم أوثق رواة الطبري 

3- علي رضي الله عنه يشهد أن قتلة عثمان ملعونون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم :

(كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان --- فأتى المصريون علياً وهو في عسكر عند أحجار الزيت . فسلم عليه المصريون وعرٍّضوا له فصاح بهم وأطردهم وقال : لقد علم الصالحون من أن جيش ذي المرة , وجيش ذي خشب ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم . فارجعوا لا صحبكم الله . قالوا : نعم . فانصرفوا من عنده على ذلك ----) (1)

تشبيه قتلة عثمان بالكفار إن لم يكونوا كفارا:

( وأتي علي فقيل : قتل عثمان . فقال رحم الله عثمان , وخلف علينا بخير . وقيل : ندم القوم . فقرأ ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ---(2)) (3)

منظومة الخلفاء الراشدين وفيهم الحسن بن علي رضي الله عنهم

4- وذلك كما هي عند أهل السنة والجماعة :

 (عن سفينة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون بعد ذلك الملك . قال سفينة :

أمسك عليك خلافة أبي بكر سنتين , وخلافة عمر عشر سنين , وخلافة عثمان اثنتي عشرة ستة , وخلافة علي ست سنين ) (4

وفي رواية كما ذكر الحافظ ابن كثير :

( والدليل على أنه أحد الخلفاء الراشدين الحديث الذي أوردناه في دلائل النبوة من طريق سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( الخلافة بعدي ثلاثون عاما ثم تكون ملكا) وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي فإنه نزل عن الخلافة في ربيع الأول سنة واحد وأربعين , وذلك كمال ثلاثين ستة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإنه توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشر من الهجرة --)(5)

5- منظومة الإمامة عند الشيعة:

وهي التي لم يصح فيها سند ولم يقم فيها حديث معتمد . بل جعلوها سادس عناصر الإيمان . وجعلوا لهم من الخصائص والفضائل ما لم يصل إليه ملَك مقرب ولا نبي مرسل . وهم كما روي عن الحسن رضي الله عنه عن طريق عاصم بن ضمرة , قلت للحسن بن علي : إن الشيعة يزعمون أن علياً يرجع قال : كذب أولئك , أولئك الكذابون , لو علمنا ذلك ما زوجنا نساءه ولا قسمنا ميراثه ) (6)

               

(1)تاريخ الطبري2/  653, (2) سورة الحشر , (3) تاريخ الطبري 2/675

(4) فضائل الصحابة للإمام أحمد ح/789 . وقال المحقق فيه : إسناده حسن 

(5) البداية والنهاية لابن كثير 4/8/17 , (6) فضائل الصحابة للإمام أحمد وصححه أحمد شاكر في شرح المسند ح 1226