الأساطير في بلاد الشام

نهاية العالم!

د. خالص جلبي

[email protected]

في بلاد الشام عششت أساطير كثيرة منها أن نهاية العالم ستكون في  بلاد الشام. وأن المسيح الدجال سيظهر في بلاد الشام. وأن المهدي المنتظر سيظهر في بلاد الشام، وأنه سيقتل المسيح الدجال.

إن معركة طاحنة ستقع فينتهي حلم بني صهيون. أن عيسى بن مريم سينزل مترجما الآية المليئة بالألغاز (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) موت من؟ موت المسيحي؟ لم نشهد أن المسيحي سيؤمن بأن عيسى هو ابن مريم وليس إلها يدير السموات والأفلاك؟ إنه المعلم البسيط المتواضع الذي يعلم الحكمة كما أشار إلى ذلك المؤرخ البريطاني في كتابه (مختصر معالم الإنسانية ـ الجزء الثالث). موت عيسى النهائي بعد أن رفع إلى السموات مطهرا من يد من أراد صلبه.

إن الإسلام والمسيحية يتفقان على حدث جلل يشبه الزلزال وقع في القدس. يتفقان على الحدث الجلل ويختلفان على النتيحة ولهدف. فلم ينف الإسلام قصة الصلب إلا ليخلص الضمير من فكرة الخطيئة وأن كل إنسان يحمل خطيئته بما يفعل.

انظروا إلى الشبيحة وضباط المخابرات يقتلون الناس بأوامر من فوق.

كان النازيون يفعلون ذلك ويقولون هي الأوامر علينا تنفيذها.

عمم القرآن الخطيئة على ثلاث مستويات لمن ارتكبها صغيرا أو كبيرا ولكنه بلا شك ودون ريب لا يحمل الإنسان خطيئة أزلية محفورة في الجينات حسب تعليمات الكنيسة. ولكن هذه هي العقائد كما قالت لي راهبة في مدينة (Selb) في ألمانيا ـ بافاريا: دكتور يالابي (يلفظون الجيم يوت) العقائد لا دخل للعقل فيها.

ومنه فعلينا أن نحترم كل عقيدة مهما أوغلت في السرية والإنكار والتعجيب. حين جاء محمد ص بأفكاره قال مخالفوه إن هذا لشيء عجاب. علينا أن نفهم الطرف الآخر.

العلويون يقولون أن وحي الله غلط الطريق فبدل أن يصل لعلي ذهب إلى محمد (ص) إنهم يعتقدون بالاستنساخ.

ذكر لي ذلك صديقي الدكتور ملاذ أتاسي حين كان في حملة الأسد إلى لبنان عام 1975م.

متى تكشف العقائد عن رأسها؟ في اللحظات الصعبة؟

حين اشتد القصف قال المساعد العلوي في الجيش لن أترجل من السيارة إذا مت سوف أدخل جسدا آخرا.

علينا أن نعترف أن كلا منا يحمل قدرا لا بأس به من الخرافة أليس كذلك؟

نحن نضحك ربما على الشيعة لأنهم يصلون لحجر؟ أما نحن والشيعة فنطوف حول غرفة مغلفة بالسواد نسميها الكعبة أليس كذلك؟

كان عمر ر عاقلا حين قال يا حجر يا أسود أعلم أنك لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله ص يقبلك ما قبلتك!

إنها وثبة عقلية أليس كذلك.

الكل يضحك على الكل أليس كذلك؟

قال بريطاني لصيني وهو يضع الطعام على قبر والده وهل سيقفز والدك من القبر فيلتهم وجبة الطعام بعد جوع شديد؟ ضحك الصيني وقال وهل سينهض ميتكم فيشم الزهور التي تضعونها على قبور أجدادكم.

مشكلة الثقافة والعمى اللوني فيها أنها شيء مدهش ولكنها رائعة للرصد للكشف عن العورات الثقافية.

يقول المؤرخ البريطاني توينبي في أول فقرة له في كتابه (مختصر دراسة التاريخ) أن المؤرخين يميلون في العادة إلى ترسيخ آراء الجماعات التي يكدحون في محيطها منهم إلى تصحيح تلك الآراء.

بناء على هذه القاعدة الذهبية خاصة من التعليقات المائة التي وصلت على مقالتي في موقع إيلاف الإلكتروني (حول المؤمن والملحد) حين نشبت معركة كتابية بين أصحاب العقائد كل يزعم وصلا بالإله وينعي على الثاني ضلاله المبين، مذكرا بتلك المناظرة الميتة بين جيمس سواجرت وديدات حول صحة كل دين من الطرف المقابل.

والدين أي دين والفلسفة أي فلسفة تتطلع إلى الاكتمال بالالتحام بالآخر والاستفادة منه.

إن شمس الحقيقة تسطع على الكل، وبتعبير الإنجيل على الأشرار والأبرار. مذكرة بحقيقة هندسية أن الدائرة يصلها خطوط تماس لانهائية.

ومنه علينا أن نكرس هذه الحقيقة الصادمة والمزعجة للبعض أن  نحترم صاحب أي عقيدة؛ المسيح الإله، أو أن يعبد الشيطان أو فرج المرأة، أو الجرذان والبقر فهذا شأنه. علينا أن لا نخدش شعوره بكلمة سيئة ولا نجادل إلا بالتي هي أحسن ولكن نناقش الأفكار  ومعقوليتها.

يقول الرب إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين في توزيع الخطيئة على ثلاث مستويات: فرعون وهامان وجنودهما.

بشار وغزالة ومملوك والشبيحة والعسكر. هل ستقع حرب إقليمية وتنشب حرب نووية وتقوم الساعة كما جاء في الأساطير؟

علينا أن لا نضحك من مثل هذه الأفكار؟

تصوروا معي في مارس 2011م أن حلب ودرعا ودمشق وحمص وحماة ودير الزور والبوكمال سوف تقصف بطائرات الميج وسوخوي.

العقل العلمي مفتوح على كل الاحتمالات بما فيها نهاية العالم.

كل الاستراتيجيين يعرفون تماما أن الفاصل بين الأسلحة التقليدية والإستراتجية أوهى من خيط العنكبوت. إنهم يعرفون أن استخدام أسلحة الدمار الشامل ستفجر العالم.

إن مبادلة التقاذف بالقنابل النووية الحرارية سوف تعم الأرض ولسوف تنتهي الحياة البشرية. في أحسن أحوالها ستعود إلى مرحلة الإنسان قبل 800 ألف سنة مع بداية اكتشاف النار ومرحلة الصيد جمع الثمار لحفنة من البشر التائهين.

ومنه علينا أن نفهم ما معنى أن ألمانيا تخزن معارف الجنس البشري في جبال فرايبورج. إنهم جديون تماما في التـأهب لنهاية العالم.

علينا أن نعترف أن بشار الأسد وضع اسمه في قائمة مجرمي التاريخ بجنب نيرون وبول بوت وشارون وستالين وأتيلا وتيمورلنك. ليس قاتل أعداد بسيطة بل قاتل جماعي ومن قبل سبقه أبوه إلى هذه الرتبة المميزة.

العقل العلمي يقول أن كل شيء وارد ومحتمل فلا يضحك أحد فلا تعلم نفس ما أخفي لها في عالم الغيب.

من كان يظن أن عدد القتلى سيصل في سوريا إلى 25 ألفا والرقم يتصاعد سريعا. يبدو أنه لن يبق حجر على حجر في سوريا مذكرا بمقولة تنسب للكواكبي (نّ فناء دولة الاستبداد لا يصيب المستبدّين وحدهم بل يشمل دمار الأرض و النّاس و الدّيار)

من كان يصدق أن عدد النازحين سوف يصل إلى 250 ألفا والهاربين مليونان ونصف والمعتقلين 200 ألف والمفقودون لا يضمهم كتاب ويجمعه سجل.

هل إذا وصلت الغرغرة في سكرات الموت إلى حلق بشار لن يستخدم السلاح الكيماوي الذي جمعه له أصدقاءه من خبراء الروس؟ هل سيكف عن قصف المدن السورية على أمل الانسحاب إلى الساحل لبناء دولة خرافية؟

لم لا هذه إسرائيل كانت خرافة فأصبحت اسبرطة الشرق الأدنى!

لم لا .. هناك ممالك في المنطقة بأسماء أشخاص لماذا هي حلال لهم وحرام عليه؟ لماذا لا ينشيء المملكة العربية الأسدية؟

إنها أسئلة يطرحها ويراها مبررة وعقلانية؟

لكنه يلعن هذه الثورة التي قطعت عليه الطريق فعرت سوأته وأبانت عورته...

ألا عليها الغضب والنكال وراجمات الصواريخ.

أرسل لي صديقي أبو حسني الهارب من جحيم حمص قصة وعبرة:

يا إلهي ما هذه الوحشية تصور يا حكيم هذه الحادثة التي وقعت في حمص ,حيث اعتقل الشبيحة شابا من أبناء أهل السّنة و بعد أيام قرع الجرس و نودي على أهل البيت أن افحتوا لنا نحن من الثوار نوزع معونات و أغذية و عند فتح الباب شاهد أهل المنزل طبق من الأرز و في وسطها رأس

ويذكر في نهاية رسالته نقلا عن الكواكبي الحلبي في كتابه طبائع الاستبداد (لم يذكر الصفحة والطبعة ولكنها تحمل معقولية) ما يلي: (أنّ فناء دولة الاستبداد لا يصيب المستبدّين وحدهم بل يشمل دمار الأرض و النّاس و الدّيار, لأن دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب ضرب عشواء كثور هائج أو مثل فيل ثائر في مصنع فخّار و تحطم نفسها و أهلها و بلدها قبل أن تستسلم للزّوال, وكأنما يستحق على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم و قبولهم القهر و الذل و الاستعباد, و عدم تأملهم في الآية الكريمة: (و اتقوا فتنة لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصّة واعلموا أنّ الله شديد العقاب).

يبدو أن المخاض السوري عسير. الأحداث تولد نفسها بنفسها فالثورة جسد بدون رأس. لا أدري هل هو جيد أو لا؟  

يقولون عن ذلك مثل البطاطا جذورها من كل جانب؟

نحن أقرب للمتفرجين .

المعركة عالمية والأيدي كثيرة وليست كلها نظيفة. ولكن الصورة في عمومها زلازل تشبه نهاية العالم. وهي نهاية حقبة وبداية حقبة ليست في مستوى سوريا بل العالم. جامعة عربية مصابة بالعنة. مجلس أمن شركاء متشاكسون. نظام ينهار ويتهاوى ويترنح ويأخذ معه إلى الهاوية أكبر عدد من الضحايا. المستقبل مجهول والأكيد تغير كبير في النفوس. مع قوافل الموتى وحمامات الدم تنبت شجرة الحرية بأقوى ما يمكن. الثورة ما زالت برأسين أو شقين : شق عسكري يحمي ، وشق مدني يتظاهر ويموت كل يوم. إلى متى سيستمر حمام الدم شلالات على أيدي هؤلاء الأمساخ؟ علمها عند ربي؟ قد تطول وقد تقصر . ولكن الأكيد أن سوريا تغيرت .وليس ثمة أمام السوريين إلا اثنين: العبودية .. أو الحرية

كما جاء  في سفر الخروج فكانت عاشوراء . فكان يوم عيد عظيم لجميع الأحرار. حين سمع نبي الرحمة احتفال اليهود به قال نحن أولى بهذه الذكرى. سيأتينا يوم عاشوراء جديد فتخرج الأمة السورية من رحم الذل والمعاناة من قيود فرعون إلى سيناء الحرية. من عبودية فرعون وجنوده حتى يغرقوا في اليم .أو بانفجار سد الأحداث كما في السيل العرم فيمزقوا شر ممزق ويصبحوا أحاديث ؛ فبعدا للقوم الظالمين.

المقاومة السلمية لها 180 أسلوب وطريقة وليس التظاهر والموت في التظاهر إلا طريقا واحدا من 180 طريقة. تأملوا مقاومة السيدة النحيفة في بورما إيانج سوا كيا. لقد نجحت أخيرا بعد نصب وعذاب. ولكل شعب إبداعه الخاص. لقد قام الشعب السوري من رقدة العدم وانتفض من الرماد بعد رقاد. دعنا نتفاءل ولا نسرف. دعنا نتضرع إلى العلي الكبير أن يوصل هذا الشعب الأسطوري إلى شاطيء السلام والعدل والحرية.

ولعنة الله على فرعون وجنوده أجمعين. لقد أشبعوا الناس كؤوس الذل ألوانا .

 ذبحوا الأطفال قبل الشيوخ

والنساء اغتصبوا  

والمحلات أ حرقوا ونهبوا

والبيوت هدموا

وبالصواريخ رجموا

فلم يزدد هذا الشعب إلا شجاعة وتصميما على استئصال هذا السرطان . والقضاء على هذا الوباء . والتخلص من هذا المرض الوبيل

هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب

وفرعون ذو الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيه الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب

ولما يأتكم مثل الذين من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله

ألا إن نصر الله قريب