الإسلاميون .. والثقافة !

الإسلاميون .. والثقافة !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

مشكلة الحركة الإسلامية بكل فصائلها أنها لم تهتم بالثقافة وخاصة الأدب بوصفه نشاطا ناعما يخاطب العاطفة والوجدان ، مع أن في داخل هذه الحركة مئات بل آلاف المثقفين في فروع المعرفة كافة ، ولديها كثير من الأدباء الموهوبين والشعراء والنقاد ، ولكنها لا تلتفت إليهم بما فيه الكفاية مما يوحي للخصوم وخاصة من الشيوعيين والناصريين والليبراليين ، أن الإسلاميين لا علاقة لهم بالثقافة ، وأنهم لا يفقهون معني الأدب أو الفنون الجميلة أو التعبير الفني .

حاولت عند صدور مجلة الدعوة في السبعينيات أن يكون هناك بضع صفحات للأدب ، وتكررت المحاولة عند إعادة إصدار لواء الإسلام بعد توقف الدعوة ، فطُلب مني أن أشرف على الصفحات الأدبية التي وصلت أربع صفحات تناولت الفنون الأدبية المختلفة ، وتركتها لأحد الزملاء عقب سفري إلى الخارج لعدة سنوات ، ثم توقفت عن الصدور مع حرب الخليج الأولى التي قامت لإخراج صدام حسين التكريتي من الكويت .

الحركة الأدبية الإسلامية قامت بجهد فردي في أغلب الأحيان ، وأنشئت رابطة الأدب الإسلامي العالمية خارج التنظيمات الإسلامية بمبادرة من العلامة الهندي الراحل أبو الحسن الندوي – رحمه الله – واختيرت الرياض بالسعودية مقرا لمكتب البلاد العربية . ومع صعوبة عمل الرابطة وقلة إمكاناتها المادية إلا إنها أثبتت وجودها ، وافتتحت لها فروعا في الهند باكستان وبنجلاديش وتركيا والمغرب ومصر والسودان واليمن والمغرب والكويت .. ولعل إنجازها الأكبر كان إصدار مجلة الأدب الإسلامي الفصلية التي صار عمرها نحو ربع قرن ، وإقامة المسابقات للرواية الإسلامية وأدب الأطفال والشعر ، ونشر ما يزيد عن خمسين كتابا في فروع الأدب المختلفة ، بالإضافة إلى ترجمة روايات ودواوين لأدباء إسلاميين من غير العرب .

لقد عقدت رابطة الأدب الإسلامي مجموعة من المؤتمرات حول الأدب الإسلامي في المدينة المنورة واسطنبول ومراكش والقاهرة وغيرها لمناقشة العديد من القضايا الأدبية والفنية في غياب شبه تام للإعلام الذي يعادي بالضرورة كل ما يمت للإسلام بصلة ، أو على أحسن الفروض لا يهتم بالإسلام وشئونه .

كان سقوط الحكم العسكري في مصر بعد ستين عاما من الإرهاب والحصار والملاحقة لكل ما هو إسلامي إيذانا بتحرير الإسلام من قبضة العلمانية المتوحشة التي فتحت السجون والمعتقلات لمن يقول ربي الله ، وحاربت تدريس الإسلام في التعليم ، والتعبير عنه في الإعلام ، وحرّمته في الثقافة ، واستعملت مجموعات من أشد الناس عداوة للإسلام من الشيوعيين ( تلامذة هنري كورييل ) والناصريين والليبراليين ومرتزقة كل العصور ، فأقصوا كل من يشمون فيه رائحة الإسلام ، وروجوا لكل ملحد يسب الله ورسوله ، ودعوا إلى التعبير عن الإباحية في الكلمة المكتوبة والمصورة والمجسدة على المسرح ، وعدوا ذلك تقدمية واستنارة وتجاوزا للرجعية والأصولية والتخلف .

كان المأمول بعد تحرير الإسلام أن تهتم الحركة الإسلامية بالآداب والفنون ، ولكنها انشغلت بالسياسة والصراع مع التيارات المعادية ، فكانت الهجمة الإجرامية من جانب خصوم الإسلام على الإسلاميين واتهامهم بالعداء للأدب والفن والثقافة ، والادعاء أنه لا يوجد أدباء إسلاميون ولا مثقفون إسلاميون ، ولا مفكرون إسلاميون ، لدرجة أن توقح نخنوخ الثقافة وادعى أن من يطلق عليهم مثقفون إسلاميون مجموعة نكرات مجهولون لا يعرفهم أحد ! مع أنهم النواة الصلبة للثقافة العربية والإسلامية في العالم الإسلامي كله ، وليس في مصر وحدها .

لقد استضافت مجلة الهلال في الشهر الماضي مجموعة من المثقفين الإسلاميين ليدافعوا عن أنفسهم بوصفهم يمثلون الثقافة الإسلامية المتهمة من جانب اليسار الشيوعي والناصري . كان من الواضح تحامل الندوة والجانب الشيوعي على الإسلاميين ، بل إن رئيس التحرير الجديد للمجلة وهو ناصري قريب من الشيوعيين وموال لهم ، اهتم بإبراز مقولات الشيوعيين وصورهم بطريقة لافته في عرضه للمناقشات على صفحات الهلال ، وحوّل الإسلاميين إلى ما يشبه الأسرى في قبضة جيش من الغزاة مع أنهم أصحاب الأغلبية وأصحاب الثقافة التي تؤمن بها الأكثرية الساحقة من المصريين ..

والأدهى من ذلك أن الحكومة التي يفترض أنها منسوبة إلى الإسلام استضافت في لقاء الرئيس المنتمي إلى الإخوان المسلمين مع المثقفين والفنانين ؛ أدباء الحظيرة الثقافية التي نمت وسمنت وبشمت في عهد فاروق حسني ، ليمثلوا مثقفي مصر ، ولم يكن بجوارهم أديب أو مثقف واحد يقول ربي الله أو يؤدي الصلاة ! وحين احتج بعض المثقفين الإسلاميين على هذا الأمر الغريب المجافي لطبيعة مصر المسلمة ، قامت الدنيا ولم تقعد ، وثارت ثائرة الشيوعيين وكتاب الأمن وأنصار النظام البائد ، لأن الناس يرفضون أن يكون حول الرئيس محمد مرسي ، من التفوا حول الطاغية المخلوع في 30/9/2010م ، وخرجوا من لقائه يشيدون ببطولاته وضربته الجوية ويفاخرون أنهم ناقشوا معه أسعار الطماطم !

حين يكون كهنة آمون الذين يرفضون الإسلام ، ويزدرون المسلمين ، ويعلنون بلا مواربة .. حتى بعد لقائهم بمرسي أنهم لا يؤيدونه ، ولا يطمئنون إلى المستقبل ، ويخافون على ما يسمى الدولة المدنية ، فإن الأمر يثير كثيرا من علامات التعجب والاستغراب والغيظ الكظيم !

ثم تكون الفجيعة أشد حين نرى أن بعض من وقعوا على بيان المثقفين الإسلاميين يتراجعون خوفا من التنظيم الذي ينتمون إليه ، وليس رجوعا إلى الحق ، ويدعون أن بعض من وقعوا على البيان لم يفعلوا ذلك !

إن خيبة الإسلاميين أمام جبروت الشيوعيين وأشباههم يفرض على الحركة الإسلامية أن تراجع نفسها ، وأن تصحح مواقف السلطة ولو كانت إسلامية ، فهي ليست مقدسة ولن تكون ، ويجب أن تنتهي هذه السلطة عما يسمى تأليف القلوب . لأن من تؤلفهم لم ولن يعلنوا الهدنة مع الإسلام ، فضلا عن أن يعلنوا الانضواء تحت لوائه ، فهم يقولون علنا في كتب منشورة أن الإسلام منتج تاريخي .أي ليس وحيا إلهيا . وقد خرجوا من لقاء مرسي أشد ضراوة على الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية وأهل الإسلام جميعا .. فهل يتعلم من يعنيهم الأمر ؟