النظام العالمي الجديد ضد أطفال سورية

د. محمد أحمد الزعبي

د. محمد أحمد الزعبي

1.

لم أجد عنواناً أكثر انطباقاً على ماجرى ويجري في سورية منذ 18 آذار 2011 ( حيث سقط أول شهيد في محافظة درعا ، التي انتفضت دفاعاً عن حرية أطفالها ، وكرامة نسائها ) وحتى هذه اللحظة من هذا العنوان الذي يعكس مضمون هذه المقالة .

 ولمزيد من التوضيح لأولئك الذين يحاولون حجب نور الشمس بغرابيلهم  ، سنقوم بإيراد بعض خلفيات تلك الهجمة الدموية  المتوحشة على أطفال سورية العزل من قبل نظام بشارالأسد ، منذ أكثر من سبعة عشر شهراً، والتي بلغ عدد ضحاياها ( الهجمة )عشرات ألوف الشهداء ومئات ألوف الجرحى والمعوقين والمفقودين والمعتقلين والمهجرين ، وأيضاً للموقف الداعم لهذه الهجمة الأسدية الشرسة من قبل أقطاب النظام العالمي الجديد ،الذي ولد بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في نهايات القرن الماضي ،ذلك النظام الذي اعتبره المفكر والسياسي الأمريكي المعروف  "فرانسس فوكوياما Francis Fukuyama إنما يمثل "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"،أيأن عجلة التطورالبشري قد وصلت ــ وفق هذا التصورالعجيب ــ إلى نهايتها السعيدة ، ولم يعد العالم بحاجة إلى مزيد من التغيير والتطوير!! . إن أقطاب النظام العالمي الجديد ، الذين أشرنا إليهم اعلاه ، والذين يعنيهم فوكوياما في مفهومه لنهاية التاريخ ،هم بصورة أساسية ، الدول الرأسمالية المتطورة ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا الغربية .

2.

يعلم الكاتب أن القرارات  والبيانات والتصريحات الصادرة عن  كل من مجلس الأمن ، والجمعية العامة للأمم المتحدة ، وجامعة الدول العربية ، ومنظمة المؤتر الإسلامي ،وكذلك بيانات وتصريحات وزراء خارجية العديد من الدول العربية والإقليمية والغربية والأمريكية ، ومنظمة اليونسيف ، والمنظمات العالمية المعنية بحقوق الإنسان ...الخ ، تزخر بعبارات التأييد المعسولة لثورة الشعب السوري ، ولمطالبها الديموقراطية المشروعة ، وأيضاً بعبارات الاستنكار لمذابح ومجازرالأطفال السوريين على يد جيش بشارالأسد وشبيحته ، ولاسيما الكبيرة والمفضوحة منها ( مذابح بابا عمروالحولة وتريمسة وإعزاز على سبيل المثال لاالحصر )، ولكنه يعلم بنفس الوقت أن هذه المجازر والمذابح لم تتوقف ساعة واحدة منذ انفجرت ثورة آذار2011 و حتى هذه اللحظة ، بل إن وتيرتها قد تضاعفت كمّاً وكيفاً ، منذ دخل مجلس الأمن ، والأمم المتحدة  ( النظام العالمي الجديد !!)على خط هذه الثورة ، بذريعة مساعدتها والتقليل من خسائرها !! .

لقد كانت بيانتهم وتصريحاتهم وقراراتهم ،واقع الحال ،  من جهة حبراً على ورق ، ومن جهة أخرى  ــ وهذامع الأسف والألم ــ بيانات وتصريحات وقرارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، لأنها كانت تخفي أكثر مما تظهر،  وهو أمر لم يعد خافياً على أحد في سوريا ، بمن فيهم أولئك الأطفال الذين ذبح وقتل بعضهم ، وما زال بعضهم الآخر ينتظر دوره .

إن وصف قرارات جامعة الدول العربية ، وقرارات الأمم المتحدة حول سوريا ،بما في ذلك قرارات تكليف ودعم كوفي عنان ، ومن بعده الأخضر الإبراهيمي ، من قبل بعض أنصار ثورة آذار بأنها " قرارات إعطاء الفرص " ، والمعني هنا إعطاء الفرص لنظام بشار الأسد لمزيد من القتل والتدمير ( وهو ماحصل ويحصل فعلياً )  إنما هو بتقديرنا توصيف صحيح ودقيق وموضوعي .

إن إصرار بعض الدول العربية على نقل ملف سوريا من الجامعة العربية إلى مجلس الأمن ، أي من القاهرة إلى نيويورك ، إنما يدخل بنظرنا فقط  في باب " حادت عن ظهري بسيطة " !! ، وذلك بسبب الإحراج الذي سببه ويسببه لها سلوك النظام السوري الوحشي ، أمام جماهيرها التي باتت تنظربإحدى عينيها إلى ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا ، وبالأخرى إلى أنظمتها التي لاتختلف لاشكلاً ولا مضموناً عن تلك الأنظمة القمعية الفاسدة ، التي عصفت وتعصف بها  ثورات هذا الربيع العربي  .

3.

لاأجدني بحاجة إلى العودة إلى تفاصيل وصول عائلة الأسد إلى السلطة في سورية عام 1970 ، وسأكتفي بالإشارة ، إلى أن نظام بشار الأسد الحالي ، نظام مجازر ومذابح الأطفال ، هو الإبن الشرعي لما عرف بـ " ثورة الثمن من آذار 1963 ، والتي  تعتبر بدورها ــ وهذا من وجهة نطرنا الشخصية ــ سليلة الإنقلاب العسكري الانفصالي المشبوه في 28 سبتمبر/ إيلول عام 1961 ، والذي كان موجهاً بصورة أساسية ضد الوحدة المصرية ــ السورية ( ج ع م ) ، وضد الرئيس جمال عبد الناصر بالذات .

إن انقلاب حافظ الأسد على قيادة "حركة 23 شباط /1966 "، فيما سمي بـ " الحركة التصحيحية " 1970كان يمثل نهاية فترة الحمل ( قارن بين تسع سنوات وتسعة أشهر) التي أنجبت هذا النظام  الهمجي المتوحش ، الذي لاعلاقة له بكل ماهو إنساني وشريف والذي  قام حافظ الأسد بتوريثه لولده بشار، من أجل ان يحافظ على هذا النظام ، الذي وضع نفسه في خدمة الكيان الصهيوني وحماته من العرب والعجم ، بل ومن الدول الرأسمالية  الغربية المعروفة تقليدياً بالدول الديموقراطية ، والذي لهذا السبب بالذات ، عاش وما يزال منذ 1970 وحتى اليوم بحماية  ودعم كل هؤلاء ، والذين هم من مفرزات النظام العالمي الجديد الذي عنيناه في عنوان هذه المقالة.

4.

لقد مثلت أكاذيب الممانعة والمقاومة ، ودعم " حزب الله " في لبنان ، الغطاء الضروري لعمالة هذا النظام لأمريكا وإسرائيل ، تلك العمالة التي تجلّت في :

السماح له عام 1976 بدخول لبنان ، ليقوم بتصفية المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية ، وفي اشتراكه المخجل عام 1991 مع الجيشين الأمريكي والاسرائيلي في حفر الباطن ( عاصفة الصحراء ) ضد الجيش العراقي ، وفي دعمه الظاهر والمستترلنظام المنطقة الخضراء في بغداد ، بما يعتبر تأييداً واضحاً ومباشراً للغزوالإنجلو ـ أمريكي ـ الغربي للعراق عام 2003 ( بغض النظرعن بعض التصريحات التضليلية الكاذبة التي كان يطلقها بين الحين والآخر بعض المسؤولين من مرتزقة النظام وشبيحته ) . كما وتجلت أكاذيب هذه الممانعة ، في حرب 1967، ولا سيما في إصدار حافظ الأسد للبلاغ 66 الذي أعلن عن سقوط مدينة القنيطرة ، عاصمة هضبة الجولان ، قبل وصول الجيش الإسرائيلي إليها ، ( انظر : الخاطرة الثالثة من خواطرشاهد عيان ، والتي ذكرنا فيها تفاصيل صدورهذا البلاغ  عن حافظ الأسد ، وهي منشورة في الحوار المتمدن والقدس العربي وأخبار الشرق والرأي في الشهر الثامن من عام 2011) ، وأيضاً في احتلال إسرائيل لهضبة الجولان وجبل الشيخ المطل على العاصمة دمشق ، دون مقاومة حقيقية من جيش حافظ الأسد لهذا الاحتلال ومن ثم سكوته وسكوت ابنه من بعده على هذا الاحتلال ،منذ 1967( حرب 1973 كانت حرب تحريك لاحرب تحرير ) وحتى يومنا هذا ، أي لمدة أربعة عقود ونصف العقد من الزمن ؟!.

لقد بعث الكاتب ‘ في إحدى المناسبات ، ببطاقة شخصية لحافظ الأسد ، ذكر له فيها ، إن تأخركم في تحرير هضبة الجولان المحتلة ، سوف يؤدي إلى تجذر هذا الإحتلال في الجولان ، بحيث يصبح من الصعب اقتلاعه ، وقد تصادف أن التقى حافظ الأسد بأحد الضباط من أصدقاء الكاتب ، بعد وصول هذه البطاقة ببضعة أيام ، وأبلغه أنه يضع بطاقة محمد الزعبي إلى جانب فراش نومه ، لكي تذكره دائما بضورة الإسراع بتحرير الجولان !!. نعم لقد كان حافظ الأسد يخدع الجميع ، ولقد ورّث هذه الصفة إلى ولده بشار بعد موته .

5.

حاول حافظ الأسد ومن بعده وريثه بشار أن يسوقا نظامهما الأسدي عالمياً ، على أنه  نظام علماني يقوم  بحماية " الأقليات " في سورية ، والتي تشكل طائفة الأكثرية الإسلامية السنية خطر عليها !! . نحن لانعتقد أن مثل هذه الأكاذيب المضللة يمكن أن تنطلي على الدول الكبرى ، ولا حتى إسرائيل نفسها ، ولكن مانعلرفه هو أن  لهذه الدول مصالح اقتصادية وسياسية في سورية تقتضي التظاهر بتصديق تصديق هذه الأكذوبة ، وبالتالي ، فإن هذه المصالح ، والتي يعتبر وجود إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط أمراً ضرورياً لحمايتها والدفاع عنها ،  هي التي تحكم الموقف السياسي والعسكري الغربي برمته من مجازر ومذابح بشار الأسد وحماة دياره ، من أطفال سورية ، وتحكم بالتالي مواقف كافة الدول العربية والإقليمية والأجنبية ، التي ترتبط مصالحها السياسية والاقتصادية  بالولايات المتحدة والغرب ، وبالتالي بإسرائيل ، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة .

إن تعاطف بعض الأقليات الدينية والإثنية مع نظام عائلة الأسد ، قد أفقد المرحلة الإستقلالية في سورية ،ولاسيما مرحلة الأربعينات والخمسينات طابعها الوطني ، ونكهتها الديموقراطية ، الأمرالذي تحولت معه الأحزاب السياسية الوطنية والقومية واليسارية ، إلى احزاب أقليات طائفية ، أو إثنية ، أو جهوية ، أو قبلية ، وابتعد بهذا مفهوم الأقلية والأكثرية ،عن طابعه السياسي ،إلى طابع تقليدي مثير للشبهة ، ولتجاهل معطيات الحداثة والتقدم  .

6.

لاخلاف على أن  العمود الفقري لنظام عائلة الأسد ، هم ضباط وجنود وشبيحة الطائفة العلوية ، ولكن لاخلاف أيضاً على أن الشحم واللحم الذي يكسو هذا العمود الفقري ، وكذلك جهاز الدوران الذي يغذي الجسم برمته ويملؤ شرايينه وأوردته بالكريات الحمراء والبيضاء ، إنما ينتمي إلى كافة  مكونات الشعب السوري ، وكل طوائفه ، وهو ماينطبق على ثورة آذار 2011 نفسها ، حيث تمثل الطائفة المسلمة السنية العمود الفقري لهذه الثورة الوطنية الكبرى ، بيد أن الشحم واللحم والدماء التي تكسو هذا العمود الفقري ، وتساعد بالتالي على صمود هذه الثورة 

واستمرارها  وإنجاحها القريب إنشاء الله ، إنما يتكون من كافة مكونات وطوائف الشعب السوري وقواه الحية ، بمن في ذلك أبناء الطائفة العلوية نفسها .

إن مفهوم الأكثرية والأقلية في عرف الثورة والثوارهوغيره في مفهوم الزمرة الحا كمة ، ومنظريها من " شبيحة القلم " ( shabbiha of Pin ) . إنهما في نظر الثوار مفهومان سياسيان بصورة أساسية ،أي يتعلقان بالمواقف السياسية ، والبرامج الانتخابية ، لهذا الطرف أو ذاك أي يتعلقان عمليّاً إما بالعقل دون النقل ( الاتجاهين المعتزلي والعلماني ) ،أو بالجمع بين العقل والنقل ( الاتجاه الإسلامي الوسطي المعتدل )  بينما هما بنظر النظام ومنظريه مفهومان دينيان و/ أوإثنيان ،يتعلقان  بالسماء وليس بالأرض ، بالنقل وليس بالعقل ،وأن السنة عامة ، والإخوان المسلمين خاصة ، هم المتهمون من قبل النظام الأسدي ، ومن قبل بعض الليبراليين والعلمانيين والقوميين المتعصبين ، بهذا المنظورالديني للعمل السياسي ، والمتهم ــ كما هو معروف ــ يظل بريئاً مادامت لم تثبت إدانته.

 كلنا يعرف أن النظام السوري الأسدي ، إنما يدعي نظرياً العلمانية ، بينما هويمارس عملياً الطائفية المقيتة ، التي يتهم غيره بها ، وهو أمر يدخل بنظرنا ، في إطار قلة الأخلاق ، بل وقلة الشرف ، عند رئيس هذا النظام ، وً عند كافة أعوانه ومريديه ( المحبكجية ) من الشبيحة والمرتزقة ، والذين يقومون هذه الأيام بتدمير المدن والقرى السورية فوق رؤوس أصحابها ، ويذبحون الأطفال البريئين بدم بارد . إن المرء وهو يشاهد أفعال هذا النظام على شاشة التلفاز ، وفي هذا الشهر الفضيل ، لايملك إلاً أن يردد مع آباء هؤلاء الأطفال وهم يمسحون دموعهم ، ويكتمون غصات بكائهم أمام عدسات التصوير  " مهما فعل شبيحتك بنا يابشار سنظل مصرين على الإنتصار" .

7.

يتساءل البعض ، عن السبب الكامن وراء هذا السلوك المشين لضباط وضباط صف وجنود الجيش السوري ، من

الذين لم يعلنوا تخليهم وبراءتهم وقطع علاقتهم بعد بهذا النظام القاتل ، وبالتالي انحيازهم لأطفال درعا والحولة وتريمسة وإعزاز وحلب ، بل وكافة أطفال ونساء وشيوخ سورية من أقصاها إلى أقصاها ، بدلاً من تلويث أيديهم وعقولهم وأخلاقهم  بدماء هؤلاء الأطفال ، ودماء ثوار الحرية والكرامة ؟! .

 إن جوابنا على هذا التسؤل هو :

إن وصول نظام ما ، إلى السلطة عن طرق القوة ، وخاصة القوة العسكرية ، إنما يعني بالضرورة أنه نظام غير ديموقراطي وغير شعبي و غير شرعي ، وهو بالتالي غير ممثل لإرادة الشعب . إن مثل هذا النظام لايمكنه البقاء في السلطة إلاّ عن طريق قمع إرادة الشعب ، وتغييب الديموقراطية وصندوق الإقتراع ، وهو مايعني عملياً اتخاذ كل الإجراءات العملية ، التي يمكن أن يحتاج إليها النظام ذات يوم ، إذا ماخطر للجماهير الشعبية المقموعة أن تتحرك ضده . نعم لقد بدأ النظام بتنظيم هذه الإجراءات منذ يومه الأول أي منذ عام 1970 . إن مانراه اليوم

على الساحة السورية من القمع الهمجي والوحشي لثورة آذار2011 ، ولذبح الأطفال واغتصاب النساء ، وتدمير الشجر والحجر في كافة المدن والقرى السورية ، ليس سوى ماتم ترتيبه بشكل منسق ودقيق  منذ أربعين عاماً على يد مرتزقة النظام وأزلامه . إن مايفسر محدودية الإنشقاقات داخل الجيش والحزب والحكم ،رغم هول وفظاعة ممارسات النظام في كافة المدن والقرى السورية ، إنما يدخل ، بنظرنا ، في إطار هذا الترتيب المسبق والمحسوب بدقة لكافة مكونات النظام المدنية والعسكرية ، والتي ربما يكون قد اشترك في وضعها مع أزلام النظام خبراء عرب وإقليميين ودوليين ،  تلك الترتيبات التي وضعت كافة الأسلحة الفتاكة والمتطورة ولا سيما الدبابات والصواريخ والطائرات بيد أنصار النظام حصرياً ، وجعلت من نصف الجيش السوري مراقباً لنصفه الآخر، ونصف الموظفين المدنيين يتجسسون على نصفهم الآخر، ناهيك عن الأجهزة الأمنية التي بلغت سبعة عشر جهازاً ، حيث تتلخص مهام كل جهاز ، بالإضافة إلى تجسسه على أبناء الشعب وإحصاء حركاتهم وسكناتهم ، التجسس على الأجهزة الأمنية الأخرى ، الأمر الذي معه بات من الصعب قيام تحرك كبير ضد هذا النظام ، اللهم إلاّ إذا كان هذا التحرك من قلب هذا النظام نفسه . ولهذا السبب ، فإن الكاتب قد وجه سابقاً ، ويوجه الآن أيضاً، نداءه الأخوي ، لأبناء الطائفة العلوية ، لكي يحقنوا دماء أبناء شعبهم ، بأن يضعوا حدّاً لانتهاكات بشارالأسد المتواصلة منذ سبعة عشر شهراً لكل القيم الإنسانية ، ولكل القيم العربية ، ولكل القيم الإسلامية ، ولكل القيم الوطنية ، بل ولكل حقوق الإنسان والحيوان والنبات.

 إن شعب سورية يا إخوتنا من أبناء الطائفة العلوية ، لم يعد بحاجة إلى هذا السفاح المسخ ، وتقع عليكم بصورة أساسية مسؤولية لجمه وأخذ كل الأسلحة الفتاكة من يده ، ودون أن أذكركم بالمثل الشعبي المعروف المتعلق بوجود السلاح بيد لاتحسن استخدامه ، أوبتحذير أحد الشعراء من وضع السيف ( وهنا الحل الأمني)  في موضع الندى ( وهنا الحل السياسي ) ولتعلموا ــ أيها الإخوة ــ أن التاريخ لايرحم ، حتى وإن رحمت الجغرافيا .

8.

إن هيمنة فئة إجتماعية بعينها منذ عام 1970 خاصة ،  على كل مقدرات سورية ، ولا سيما العسكرية والثقافية والاقتصادية منها ، قد زرع في الأرض السورية بذرة الطائفية ، وبذرة القبلية ، وبذرة الجهوية ، وبذرة الشوفينية ، وهي أمراض لم تكن موجودة  في المجتمع السوري ، على هذه الصورة المؤلمة والمؤسفة  قبل ذلك التاريخ ، ولا سيما في أربعينات وخمسينات القرن الماضي . نعم لقد أصبحت العلاقات التقليدية هي صاحبة اليد العليا في المجتمع السوري ، والتي أيقظها نظام عائلة الأسد ، بعد أن كانت في طريقها إلى التواري ومن ثم الاختفاء . كما أن الطابع الحداثي المتطور للمجتمع السوري والذي بدأت العلاقات الاجتماعية في ظله ، تأخذ الطابع السياسي ، أي انضواء جميع فئات الشعب تحت مظلة "المواطنة" المتساوية أمام الدستور والقانون ، قد بدأ بدوره يتراجع تحت وابل من دخان الشعارات الزائفة والكاذبة عن تطوروتقدم مزعومين .

 9.

إن مانرغب أن نشير إليه ونؤكده في ختام هذه المقالة ، هو أن  تدمير المدن والقرى السورية ، وقتل وذبح آلاف الأطفال ، واغتصاب النساء ، لاتتحملها عائلة الأسد وحدها ، ولكن يتحمله معها وقبلها ، وبصفتهم الشخصية ،  من جهة أولئك الضباط وضباط الصف والجنود الذين يطلقون قنابلهم وصواريخهم المدمرة سواء من الأرض أو من السماء على تلك المدن والقرى ،  ومن جهة أخرى  قطعان الشبيحة والمرتزقة الذين يمارسون هواياتهم في ذبح الأطفال ، واغتصاب النساء ، والتمثيل بجثث الشهداء ، وتعذيب المناضلين حتى الموت ، والإجهاز على الجرحى ، وسرقة البيوت ، وإهانة علماء الدين ، وغير ذلك من الممارسات التي يندى لها الجبين ، وتقشعر منها الأبدان . ونقول لهولاء الضباط وضباط الصف والجنود ، نعم إن طاعة الرؤساء واجبة ، ولكن فقط عندما تكون أوامرهم موجهة لتدمير القوات المقاتلة للعدو الخارجي ( وقاتلو في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين . البقرة / 190 ) ، في حين أن  عصيانها هو الواجب عنما تكون هذه الأوامر موجهة لتدمير المدن والقرى  السورية التي سبق لهم أن اقسموا على حمايتها من التدمير .

وكما هو معروف فقد بدأ بشار الأسد عدوانه على أطفال درعا ، في الوقت الذي كان فيه سلاحهم الوحيد بضعة شعارات اقتبسوها من ميدان التحرير في القاهرة وكتبوها على جدران مدرستهم ، وهو مالايمكن وضعه في خانة العدوان على النظام ، حتى في حال صدوره عن آباء أو أمهات هؤلاء الأطفال .

 ولابد لنا في ختام هذه المقالة  من أن نثمن عالياً مواقف إخواننا من أبطال الجيش السوري الحر ، الذين رفضوا قتل إبناء وطنهم ،وتدمير بلدهم ، وميزوا أنفسهم عن غيرهم من القتلة الذين مازال البعض يطلق عليهم إسم " الجيش النظامي " بدلاً من تسميتهم الصحيحة بـ " جيش النظام " ، وانحازوا  إلى ثورة الحرية والكرامة ، والذين يضعون المداميك الأخير لجدارية النصر ، ولسورية المستقبل ، ذات النظام الديموقراطي المدني التعددي والتداولي ، القائم على العدالة والمسواة بين الجميع ، حيث كلنا شركاء في هذا الوطن .

ــــ انتهى ــــ