الحدود وحقوق الإنسان في الإسلام

عدنان سعد الدين رحمه الله

المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية

من المفيد في هذا الفصل أن نقف وقفة عابرة عند العقوبات الجزائية والحدود في الشريعة الإسلامية متسائلين: هل تشكل هذه الحدود قسوة بالغة ضد الإنسان وحقوقه وحرياته وآدميته؟ أم هي قمة الرحمة بالمجتمع وأمنه واستقراره ومن ثم حفظ حقوقه؟

وعلينا أن ننوه أو نلفت النظر إلى أن الحدود شُرعت في الأيام الأخيرة من عهد الرسالة الخاتمة، وأن المجتمع الإسلامي بالتالي لم يَقُمْ أو يُبْن على الحدود والعقوبات الجزائية، وهذا يقتضي رسم صورة واضحة عن ترتيب وتركيب المجتمع الإسلامي، وعن الحدود وموقعها من هذا النظام العتيد.

لقد بُني الإسلام على خمس، وارتكز على أركان ست، وأُكملت أقسام البناء الأخرى، بالفلسفة والفكر، وبالمعاملات والأحكام، وبالأخلاق والآداب، وبالتربية والسلوك، وبالخيرات والمبرات، وتوج البناء المكتمل بالجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، وبعد ذلك جاء دور الحدود لتحمي هذا البناء وتحرسه في داخله من المفسدين والمجرمين، وتحميه وتحرسه من خارجه بالجهاد من الغزاة والمعتدين، بضوابط دقيقة تشكل ضمانات صارمة للإنسان كيلا يؤخذ بالظن أو التسرع، مثل: (ادرؤوا الحدود بالشبهات)، فلا ينفذ الحد إلا في حالات محدودة وشروط شديدة.

ولنأخذ لذلك مثلاً في حد السرقة التي يثير موضوعها المشككون، فإنه لا يطبق على السارق إلا إذا كان السارق مكتفياً ومعتدياً ومقتحماً حرمة المنازل إلى داخل غرفها التي يأوي إليها أفراد العائلة من النساء والأطفال ليناموا ويأمنوا، مما يعرضهم للقتل إذا قاوموا، وللهتك في بعض الحالات حينما يتمكن السارق من السيطرة على المنزل، ويصادف فيه نساءً آمنات لا حيلة لهن في مقاومة اللص المدجج بوسائل الفتك. وكم جَرَّت عمليات السطو على البيوت وعلى الناس من جرائم قتل وهتك وكوارث.

أما الجائع أو الدائن الذي لم يجد حيلة في استيفاء حقه، أو الذي لم يتجاوز في سرقته المبلغ أو الرقم الذي حدده علماء الفقه، أو الذي يسرق خارج الحرز والمنزل، فلا يطبق عليه الحد، لنخلص إلى أن حد السرقة يطبق على السارق الذي اتخذ من السرقة عملاً إجرامياً احترفه وأدمن عليه، فروع الناس في أمنهم وحياتهم وحرماتهم.

فبالقدر الذي حرص الإسلام فيه على أمن الناس واستقرار المجتمع وحماية الإنسان من العدوان، وتحصينهم من المفسدين وهواة الجريمة، كان شديد الوطأة على من سولت لهم أنفسهم الأمارة بالسوء ترويع الناس وهدم المجتمع وتقويضه من داخله.

وما جاء من أحكام في حد السرقة ينسحب على الحدود الأخرى الخاصة بالزناة والشاذين والقتلة، ليدرك المتفحص والمتأمل والمنصف أن حرص الإسلام على حفظ حقوق الناس وحرياتهم والدفاع عنها مقدم على ترك الحبل على الغارب للبغاة والمجرمين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

في هذا السياق يرى بعض المفكرين أن العقوبات تجمد أو تبقى موقوفة إلى أن يتم تشكيل المجتمع الإسلامي المتكامل من جميع نواحيه، فلا يمكن قطع يد السارق قبل أن يصبح المجتمع كله متمتعاً بالعدل وتأمين حاجات أفراده، مستشهدين بالخليفة العادل الذي أوقف تطبيق الحدود في عام الرمادة الذي حدثت فيه مجاعة، ويقولون إن كثيراً من فقراء المسلمين اليوم في مجاعة.