اللجوء السياسي في الإسلام

عدنان سعد الدين رحمه الله

المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية

اللجوء السياسي قديم في التاريخ الإنساني، أخذ به الإغريق، وجعلوا من أماكن العبادة ملاذاً آمناً للذين يطلبون الحماية، وكذلك فعل الرومان، ثم حدد الكاثوليك أعمدة مخصصة يقبض الهارب عليها كي تشمله الحصانة الكنسية.

في العصر الحديث ظهر مفهوم اللجوء السياسي في القرن الثامن عشر، وفي عام 1794 أخذت فرنسا كأول دولة أوربية بمبدأ عدم تسليم اللاجئين السياسيين، ووقعت اتفاقيات بهذا الخصوص مع سويسرا عام 1832م، ومع بلجيكا عام 1834، ثم أقر مجمع القانون الدولي في أكسفورد مبدأ عدم جواز تسليم اللاجئين السياسيين عام 1870م.

أما الإسلام فقد اعتبر - منذ ظهوره - أن حق الإنسان المضطهد في اللجوء إلى مكان آمن ينعم فيه بالحرية والاستقرار من الثوابت التي أقرتها الشريعة السمحاء، وبينت أحكامها من خلال عقد الأمان المنصوص عليه في القرآن والسنة والإجماع.

ورد في الكتاب العزيز قول الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه)، وجاء في الحديث الشريف: (أن أم هانئ بنت أبي طالب أجارت ابن هبيرة، فاعترض على ذلك، ونازعها في هذا أخوها علي رضي الله عنه، فرفعت أم هانئ الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقرها على ذلك وقال لها: لقد أجرنا من أجرت يا أم هانئ).

كما أقر الفقهاء هذا الحق الإنساني لمن يستجير بالمسلمين، يقول ابن المنذر النيسابوري شيخ الحرم في المبسوط: وأجمعوا على أن أمان المرأة جائز، ونقل النجفي إجماع المسلمين على مشروعية منح اللجوء من قبل العبد، كما ذهب محمد بن الحسن وأكثر المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية إلى أن أمان العبد جائز، فيكون أمان الرجال تحصيل حاصل ومن باب أولى.

والآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في هذا الشأن كثيرة، والكتب التي عالجت هذا الموضوع عديدة يأتي في مقدمتها كتاب أحكام الذميين للدكتور عبد الكريم زيدان، وكتاب غير المسلمين في المجتمع الإسلامي للدكتور يوسف القرضاوي، وكتاب حقوق أهل الذمة في الدولة الإسلامية للأستاذ المودودي.

وإذا كان حق اللجوء السياسي في القانون الدولي مصطلحاً جديداً، فإنه في الاصطلاح الفقهي الإسلامي قديم تحت مسمى آخر هو عقد الأمان الذي جاءت تعريفات الفقهاء عنه بصيغ كثيرة، منها تعريف ابن عابدين للاجئ السياسي الذي يشمله عقد الأمان: إنه (أي اللاجئ السياسي) من يدخل دار غيره بأمان مسلماً كان أم حربياً.

فالشريعة الإسلامية تخطت الأهداف التي أقرتها الأمم المتحدة في حماية اللاجئين وسبقت القانون الدولي بحوالي اثني عشر قرناً، لأن المسلمين لم يكتفوا بإعطاء المستأمن حق اللجوء وما يتفرع عنه من حقوق، بل زادوا على ذلك، وأوجبوا على أئمتهم حق النصرة للمستأمنين، فمن حق المستأمن - اللاجئ السياسي - الحماية والنصرة والإقامة في أقاليم الدولة الإسلامية، وحق التنقل بحرية، وحقه في استقدام أسرته وأولاده، وحقه في العودة إلى بلده، وحقه في أن يرث ويورث، وحقه في العمل والتجارة، وحقه في استخدام لغته وممارسة شعائره الدينية واللجوء إلى القضاء، وإذا غادر اللاجئ السياسي – المستأمن - دار الإسلام أو مات خلال فترة اللجوء تحفظ حقوقه وأمواله لورثته سواء أكانوا في دار الإسلام أم كانوا خارجها.

ويأتي بعد ذلك وتبعاً له الوفاء بالعهود مع الأفراد من المواطنين، ومع المستأمنين، ومع الدول والحكومات التي يعقدها المسلمون، ليبقى حق الإنسان مصوناً ومحفوظاً ليس في حياته وحريته وكرامته فحسب، بل وفي الوفاء له بكل ما أبرم معه، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بخياركم؟ خياركم الموفون بعهودهم)، ويقول: (أنا أحق من وفى بعهده)، وقد عقد المشركون مع النبي صلى الله عليه وسلم عهداً على ألا يقاتلوهم - أي المسلمون - وأن يوادعوهم مدة من الزمن، فذكر له بعض المسلمين أنهم على نية الغدر به، وعلى أهبة أن يقاتلوه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وفوا لهم ونستعين بالله عليهم)، وكان ينهى عن الغدر بمقدار حثه على الوفاء، وكان يعتبر أعظم الغدر غدر الحكام، ويقول: (لا غادر أعظم غدراً من أمير عامة، ويقول: لكل غادر لواء يوم القيامة، وأكثر لواء غدر أمير عامة).