مصر في زمن الرويبضات!!

حسام مقلد *

[email protected]

معلوم أن حق التظاهر السلمي مكفول لجميع المواطنين في الدول الديمقراطية، لأنه من أهم وأبرز وسائل التعبير عن الرأي، ولكن فرق شاسع بين الدعوة للتظاهر السلمي وبين دعوة عدد من الرويبضات للتخريب والتدمير، وإحراق المباني والمنشآت، وإهدار دماء الآخرين والحث على قتلهم، فالدعوة لارتكاب هذه الأعمال التخريبية ليست من الديمقراطية ولا من حرية الرأي في شيء، بل هي تحريض سافر على ارتكاب جرائم بشعة تقوِّض المجتمع وتفتك به؛ لأنها تثير الفزع والرعب والفوضى فيه، وتعرِّض أمْنَ أبنائه للخطر، وبالتالي لا بد من إيقاف هؤلاء المحرضين عند حدهم، وإعمال القانون معهم بكل حزم وصرامة، والأخذ على أيديهم بشدة لحماية الوطن من شرهم وإفسادهم.

في الحقيقة لم يدُرْ بخلدي يوما أن تصل حال فلول النظام البائد وكارهي ثورة 25يناير المباركة إلى هذا المستوى من الانحطاط والدناءة والسفالة والحقد على مصر والمصريين، لدرجة التحريض على الاقتتال الداخلي، وتهديد الأمن والسلم الأهلي في المجتمع، حتى إن أحد هؤلاء الرعاع قد أهدر دم رئيس الدولة علناً، وحرض الشباب والمتظاهرين على إحراق مقار بعض الأحزاب التي يختلف معها سياسيا، فعن أية حرية أو ديمقراطية يتحدث هؤلاء العملاء والخونة؟! ومنذ متى أفلحت أمة تكلم في شأنها الرويبضات التافهون؟!

وبصراحة شديدة لم أكن أتوقع أن هناك من الناس من تصل به كراهيتُه للإخوان المسلمين إلى درجة إشعال الفتنة بين المصريين، وجرِّ البلاد إلى حالة من الفوضى والاحتراب من خلال إباحة سفك دماء معارضيه السياسيين، وتحريض الناس على القيام بالقتل والسلب والنهب وإحراق المباني والمقرات الحزبية، وانتهاك حرمات الآخرين والعدوان عليهم.

ومفهوم أن يستاء البعض من وصول خصومهم إلى السلطة، وطبيعي جدا أن يشنِّعوا عليهم ويحاولوا إفشالهم ليحلوا محلهم، وألاعيب السياسة والتنافس السياسي كثيرة ومعروفة وتُمارَس في جميع الدول، لكنها تبقى في الإطار السياسي السلمي، ولا يفرط المتنافسون الوطنيون أبدا في أمن أوطانهم، ولا يدعون إلى إحراقه انتقاما من أعدائهم، ومعروف أن من عادة الخصوم السياسيين في الدول المتخلفة الاستعانة بالسفلة التافهين والجهلة والسفهاء وساقطي المروءة لإثارة البلبلة بين الناس، والتشنيع على خصومهم، لكن لم يُعْهَدْ قط أن يصل الأمر إلى حد التخطيط الإجرامي لإحداث فوضى عارمة في الدولة، وإشعال الحرائق في طول البلاد وعرضها، والدعوة لمحاصرة القصر الجمهوري، واحتلال أهم الأماكن الحساسة في البلد، ومنع الكهرباء والمياه عن المستشفيات، وقطع الطرق، وتعطيل السكك الحديدة، وحشد الخونة والعملاء لإشعال نيران الفوضى والخراب والقتل في كل مكان, وارتكاب مجازر مروِّعة تُخَلِّفُ أعدادا كبيرة من القتلى في صفوف المواطنين، واللافت للنظر أن دعاة هذه الفوضى هم من أحباب إسرائيل وعملائها وذيول الأمريكان المعجبين بسفاحي الحرب الأهلية اللبنانية...!!

وقد أكد الجيش المصري العظيم على حياده وتمسكه بالشرعية الدستورية وشرعية الانتخابات، ودعا للتنافس السياسي الحر بين جميع القوى السياسية، وقال: "لسنا طرفاً في أي صراع سياسي ولن نكون، لسنا طالبي سلطة أو طامعين في الحكم، ولن ننقلب على شرعية اختارها الشعب.. لقد استيقظ الشعب المصري من سباته العميق، وهو يعرف كيف يحقق أهدافه، ولا يحتاج إلى وصاية أحد".. كما دعا كافة المصريين إلى التحلي بالصبر والالتزام بالهدوء، قائلا: "كفى توترا وإرهاقا للدولة التي أصبحت تئن من تصرفات أبنائها، فمصر تريد أن تلتقط أنفاسها...".

نعم مصر تريد أن تلتقط أنفاسها كي تنطلق في مسيرة البناء والنهضة، ويجب إعطاء الرئيس المنتخب وحكومته الفرصة كاملة لتنفيذ برنامجه الانتخابي، ثم محاسبته لو قصر عن طريق صندوق الانتخابات، وليس عن طريق الإجرام والقتل وتدمير المجتمع كله وإحراق الوطن بأسره، ثم ليخبرنا أي عاقل في أية ديمقراطية في العالم دعا أحدٌ الشعب للثورة على رئيس منتخب لم يمر على توليه السلطة سوى عدة أسابيع فقط؟! وكيف ستنطلق مصر في مشروع النهضة والاستقرار ونحن على هذه الحال من التناحر والفوضى والتخريب ووطء القانون بالأحذية والنعال؟! 

إن مصر تمر بلحظات حاسمة بالفعل، وقد بلغ الصراع أوجَه الآن بين أنصار الوطن (من كافة الأحزاب الوطنية والقوى السياسية من إسلاميين وليبراليين ويساريين...) وبين أعدائه (من فلول النظام البائد والعملاء والخونة محبي إسرائيل وسمير جعجع المحرضين لأقباط مصر على إخوانهم المسلمين...!!) وعلى قوات الشرطة ومن يعاونها من قوات الجيش تفعيل القانون لردع هؤلاء المجرمين المخربين، واستخدام القوة والحسم الكافيين لمواجهة أية عناصر إجرامية مسلحة تسعى لقتل رئيس الجمهورية، أو تحاول تخريب الممتلكات والمرافق العامة أو الخاصة، أو تحرض على إحراق الوطن وإشعال الفتن بين أبنائه.

ولا أراني أبالغ إن قلت إن مصر مقبلة ــ لا قدر الله ــ على كارثة حقيقية إذا لم تهتم كافة الجهات المسئولة بالأمر بصورة فورية عاجلة، وتأخذ كل هذه التهديدات على محمل الجد، وتعد خطة طارئة وشاملة لمواجهة هذه المؤامرة ليس من أجل حماية رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي، ولا من أجل مصلحة جماعة الإخوان المسلمين، وإنما من أجل الحفاظ على أمن مصر وحماية المصالح العليا لشعبها الطيب المسالم، وكفانا خضوعا لهذا الابتزاز الصاخب الذي يمارسه الساقطون الموتورون، كفانا استسلاما وإذعانا لهذه البلبلة والفوضى العارمة التي تثيرها هذه الرويبضات الناعقة التي لن تجر على مصر إلا الخراب والدمار والفشل.

               

 * كاتب إسلامي مصري