المهدي المنتظر بين أحمدي نجاد وبشار الأسد

المهدي المنتظر

بين أحمدي نجاد وبشار الأسد

نبيل الحيدري

قام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بتحذيرات خطابية شديدة من تسليح المعارضة السورية، قائلاً: "لن نسمح بسقوط النظام السوري أبداً متوكلين على الله مستمدين العون من المهدي المنتظر"، وهو يسمى الذين يدعمون الشعب السوري، بـ"الأعداء" ومحذرا العرب من مساعدة الشعب السوري أو مساندته!

ليست هي المرة الأولى التي يستفيد منها نجاد في قضية دعم "المهدي المنتظر"، فإن نجاد قد ذكره في خطابه المطول في الأمم المتحدة وقال أيضا أن أمريكا نفسها قامت بتفجيرات 11 سبتمبر وادعى ادعاءات كثيرة قد تضحك الثكلى وتظهر مستواه الفكري.

وقال نجاد أيضا "إن القوى العظمى مذهولة، هل تصدقون أن تصبح إيران قوة نووية هكذا؟ نحن نرى في ذلك اليد المدبرة للإمام الغائب". وفي كلمة نجاد في أصفهان بتاريخ 23-2-2010، قال "إن مجيء أمريكا للعراق هو لعلمها ومعرفتها بظهور المهدي قريبا وتريد القضاء عليه قبل ظهوره وانتصاره فهي أكبر عائق عن ظهوره". وفي خطابه الحماسي بقم وبحضور أئمتهم قال "أن الإمام المهدي يدير العالم كله، ونحن نرى يده المدبرة في شؤون البلاد كافة". ومن جانب آخر ادّعى "ولي الفقيه" خامنئي "أنّ اليد الإلهية وراء نجاح نجاد في الانتخابات الأخيرة، رغم وجود التهم الكبيرة للتزوير الواسع ضد منافسه مير حسين موسوي، والثورة الخضراء لملايين الشعب الذي قمع بكل وحشية". كما قال المرجع الديني المتشدد محمد تقي مصباح يزدي "أن طاعة نجاد هي طاعة للمهدي المنتظر وطاعة لله تعالى"!. وأصدر يزدي الفتاوى الشديدة في إهدار دماء معارضيه.

إن أحمدي نجاد لا يترك مناسبة ولا فرصة حتى في القرى والأرياف في ادعاءاته عن "المهدي الغائب" وكأنه يلتقي به كما زعم العديد من فقهائهم على مر التاريخ وتبين خطأ هذه الإدعاءات وعدم تحققها أصلاً، بل المروي في الآثار "من ادعى رؤيتي بعد اليوم فكذّبوه" "وسيأتي إلى شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر"، "كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله"، "مثل من خرج منا أهل البيت قبل قيام القائم مثل فرخ طار ثم وقع من وكره تتلاعب به الصبية". وأكثر من أربعين رواية اعتمدها المحدثون لحرمة الخروج على الحاكم قبل ظهور "المهدي".

إن نجاد هو الرئيس الإيراني الوحيد الذي وقع على يدي خامنئي لتقبيلها في أول رئاسته، وهو الرئيس الذي خرجت الملايين ضدّه تقول له "الموت للدكتاتور"، وهو الذي اتهم من البرلمان بحمايته للفاسدين الذين سرقوا مليارات الشعب ومصادرتها للخارج. وهو الرئيس الأكثر استغلالا لقضية "المهدي" حتى تبرع بالملايين لمسجد جمكران المبني قرب قم باسم "المهدي" ويرتاده الكثيرون للصلاة والدعاء فيه وطقوس خاصة مثل أربعين أسبوعا لرؤية "المهدي" فيه.

استغل نجاد قصة المهدوية في مآربه السياسية ضد خصومه من الشعب الإيراني الذي يخضعون للإقامة الجبرية أو السجن أو القتل أو الهجرة خصوصا مير حسين موسوي الذي سأل نجاد عن أصله ولقبه الحقيقي فبهت ولم يجد جوابا، وذلك في مناظرات ما قبل الرئاسة.

وقبل ذلك كانت الدولة الصفوية ومؤسسها الشاه إسماعيل الصفوي الذي ادعى لقاءه بـ"المهدي" في كهف مدينة تبريز الإيرانية وقال له "المهدي" "لقد حان وقت الخروج، اذهب فقد رخصتك". وادعى رؤيته للإمام علي وأخبره أنه "نائب المهدي" في غيبته، ومن وراء الشاه، كان الفقيه محمد باقر المجلسس الأصفهاني صاحب موسوعة (بحار الأنوار) واعظ السلطان وصاحب المقام وهو يدعي أن الملائكة تضع أجنحتها في خدمة الشاه.

في عصرنا يحتكر أحمدي نجاد، "للمهدي الغائب" وحده ويحدد له وظائفه أن يكون مع الجلادين ضد الشعوب المقهورة والمظلومة.

وفي الوقت الذي يحذر نجاد فيه العربَ من مساعدة الشعب السوري وتسليحه يعلن وقوفه ودعمه للنظام، والملاحظ تورط النظام الإيراني دفاعا عن النظام الأسدي ومجازره ضد الشعب! فكيف يعقل من حقه الدفاع عن جرائم الحكام والقتلة وليس من حق الشعوب الدفاع عن نفسها وحريتها وكرامتها؟ إنها قضية شعب كريم يطالب بالحرية والكرامة وحقوقه المشروعة.

قامت الثورة الإيرانية على شعارات كبيرة وأن الشاه يظلم الشعب ويثرى على حساب الشعب المحروم وكذلك على فكرة "المهدي" وأن خميني نائبه العام في "ولاية الفقيه"، رغم أن النظام الجديد قد أفقرهم وظلمهم أكثر من الشاه بكثير، بل وباسم الدين وفكرة "المهدي الغائب"، كما استمرت (الحرب العراقية-الإيرانية) ثمان سنوات على أن "المهدي" يقودها وسوف ينتصرون ويسقطون صداما ويحررون القدس عن طريق كربلاء وخميني يسلّم الراية "للمهدي" ولا مرجع بعده، وخطابات خميني "الحرب يقودها المهدي المنتظر وهو لن يفشل، وهي حرب الإسلام ضد الكفر بقيادة الإمام، وصدام زائل في نهاية الحرب، وإقامة الإسلام، وتحرير كربلاء الحسين فلا معنى للصلح معه، ولا يقبل المهدي بذلك، وسنحرر القدس عن طريق كربلاء، وسنسلم الراية للمهدي"… وغيره من الشعارات التي تبين خطؤها فقد وافق خميني على الصلح الذي اعتبره بمثابة تجرع السمّ، ثم مات خميني قبل صدام بسنين ولم يسلم "الراية للمهدي"، الذي لم يظهر منذ غيابه لأكثر من ألف عام، والذي انقسم شيعة أبيه الحسن العسكري إلى أربعة عشر فرقة كلها لا تؤمن بولادة طفل عمره خمس أعوام لم يروه ولم يعرفوه وهو خائف من المعتمد العباسي ليختفي في سرداب سامراء عام 259 هجرية. غاب وهو خائف منذ أكثر من ألف عام وقد قامت باسمه "دول شيعية" كثيرة آخرها حكومة "ولاية الفقيه" في إيران. وفي التراث ينقلون عن "المهدي" وعصر ظهوره أحاديث عجيبة منها "ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح"، "اتق العرب فإن لهم خبر سوء أما إنه لم يخرج مع القائم منهم أحد"، "يسير – المهدي - في العرب بما في الجفر الأحمر – قتلهم –"، "إذا قام القائم سار إلى الكوفة فهدم بها أربعة مساجد"، "ألا يا ويل بغداد من الري (طهران) من موت وقتل وخوف يشمل أهل العراق إذا حل بهم السيف فيقتل ما شاء الله... فعند ذلك يخرج العجم على العرب ويملكون البصرة"، "إذا ظهر القائم قتل تسع أعشار العرب"... ومما يظهر انتقام الفرس من العرب وكأنه انتقام من القادسية التي انتصر بها العرب وزعيمهم الفاروق لتحطيم عنجهية وغرور الدولة الكسروية، وعندما فرح المؤمنون بانتصارهم على ملوك الفرس، كما فرحوا بانتصار الروم على الفرس، كما حدّثنا الله في آيات خالدة ((غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُون)) وأيضا يفرح المؤمنون عندما ينتصر الشعب السوري والشعوب الإيرانية على طغاتهم وتتحقق الكرامة والحرية للشعوب المقهورة.

ولا زالت الكثير من الفرق الشيعية الموجودة الآن لا تؤمن بمحمد بن الحسن "المهدي المنتظر" كالزيدية والإسماعيلية والبهرة والأغاخانية وغيرها.

ومن هنا تظهر عشرات الأسئلة ومنها:

هل "المهدي" مع الشعوب المقهورة أم مع الطغاة القتلة في سوريا وطهران؟ وهل أنه يكره العرب ويحب الفرس عكس أجداده؟

وهل يكون "المهدي" نقمة على العرب والأمة والناس أم رحمة للعالمين كجده رسول الله الذي قال الله له (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) سورة الأنبياء-الآية 107؟