لماذا الممانعة

نور الدين العباس

 لم يكن الشعب السوري يوماً يقبل الاملاءات الخارجية, أو يرضخ للضغوطات الأجنبية, بغض النظر عن الحكومات, أو النظام, الذي ارتمى بأحضان قوى شرقية, وغربية ينفذ أجندات لها, يدفعه في ذلك عوامل من أهمها:

أولاًــــــــــ ترسيخ المبدأ الشيوعي الإيراني: يقتضي هذا المبدأ :

أ‌-     من جهة الشيوعية: لم يكن الابن أبرع من أباه في الكيد للمسلمين, في بلد غالبيته من المسلمين, بغض النظر عن الطائفية, فقد عمل والده السياسي المحنك- كما قيل سابقاً- على أن يجعل من المسلمين في هذا البلد, مسلمين بالهوية بعيدين عن جوهر الإسلام, من خلال تنفيذ الأجندات الشيوعية المعادية للإسلام والمسلمين, والتي اقتضت تفريغ الإسلام من مضمونه التربوي, والأخلاقي, والاعتقادي, وصولاً إلى شعب ترتسم في ملامحه عناوين الإسلام, من غير تطبيق أو انقياد .

ب‌- من جهة ايران الصفوية : هنا العلاقة بين النظام في سورية, والنظام في إيران علاقة تاريخية, ودينية, فما تزال إيران تسعى لإعادة أمجاد الدولة الفارسية, التي قضى عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وذلك عن طريق تصدير الثورة بأبعادها الدينية والخلقية, عقيدة, وسلوكاً, وصولاً إلى الدولة - الفارسية الكبرى- التي جهدهم وطاقاتهم وكل إمكانياتهم من أجل إقامتها منذ ابن سبأ إلى يومنا هذا, حيث يتبعون سبلاً كانت حتى الأمس القريب مقبولة عند شريحة واسعة من المجتمع المسلم, وتتمحور حول استلهاب المشاعر في قضية مقتل الحسين, ومظلمة الزهراء, الأكذوبة الأكثر شيوعاً, وموضوع أحقية الخلافة. لذا كان هذا التحالف الأسدي الإيراني, يأخذ أبعاداً سياسية, كالممانعة, ودعم المقاومة, وغيرها من الشعارات الكاذبة, لزرع بؤر ناشطة هنا وهناك, تتسلل إلى عقول المسلمين, واقناع البسطاء, بمذهبهم الطائفي كخطوة أولى للوصول إلى أهدافهم.

ثانياًــــــــــ تأصيل مبدأ الممانعة: لقد اتخذ هذا النظام ومنذ قيامه, وإمساكه بزمام السلطة في سورية, الممانعة كمبدأ من مبادئه, واستراتيجية تأصلت في قانونه, وهدفاً لا يمكن الحياد عنه, وجعل منها مدخلاً للتمسك بالسلطة, ومبرراً لتحالفات جعلت من البلد أسيراً لقوى خارجية, فلا يمكنه اتخاذ قرارات خطيرة إلا بعد العودة إليها, والأخذ بمشورتها, ظهر هذا جلياً من خلال الأحداث التي نعيشها. هذا وقد جعل من الممانعة جسراً يصل من خلاله إلى:

أ‌-     المحافظة على السلطة: لقد أدرك النظام ومنذ أن أمسك بمقاليد السلطة أنه نظامه هش ضعيف, لذلك اتبع سياسات عدة في سبيل المحافظة على السلطة, فأعلن أن سورية دولة ممانعة, فضرب بيد من حديد كل معارضيه, وقد بدأ بالمقربين منه الذين قاموا معه بثورته المزعومة, فقتل واعتقل كل من لا يثق به موالياً له, ثم ضرب بيد من حديد معارضيه في الثمانينيات, وارتكب ما ارتكبه من جرائم, وفي سبيل تثبيت سلطته عمل على تقوية علاقاته السياسية, والاقتصادية, وبناء تحالفات عسكرية, مع دول ذات تأثير في قضايانا العربية, والإسلامية, ليستمد الشرعية من خلال ألاعيبه السياسية, والتي باتت مكشوفة واضحة للقاصي والداني.

ب‌- التوازن الطائفي: وذلك من خلال بناء قوة ذات تأثير فعال في الساحة الداخلية, تقوم على طائفية, وفئوية, للمحافظة على التوازن بين الطائفة ذات الأقلية, من خلال دعمها مادياً, وتقليد أبنائها مناصب قيادية, وإدارية, حيث أصبحت الوظائف الحساسة, والقيادات الأمنية, والعسكرية, في الدولة بأيدي علوية, لإحداث التوازن مع الطائفة ذات الأكثرية, وصاحبة القوة الحقيقية على الأرض, والثورة المباركة هي خير دليل على هذا, ثم عمل النظام على تقويض هذه الطائفة, والحيلولة دون وصول رؤوس الأموال إلى العناصر ذات التأثير الفعال فيها, ليتحول المسلمون إلى مجرد أفراد, يعملون ليأكلون ويشربون لا أهداف لديهم يسعون لتحقيقها.

هكذا أرادنا – النظام- أن نكون حيوانات بصور بشر, نسمع ونطيع, بعيدين عن واقع الرفعة, والسمو. لكن هذا الشعب تسامى فوق الأغراض التي ما انفك الموتورون يسوقونها – الممانعة والمقاومة والإرهاب ...- وانتفض حينما انتقل هؤلاء من الإذلال المبطن, إلى انتهاك الكرامة الصريح, فخرجت الجموع في درعا, وتتالت لتصل إلى كل مدينة, وقرية, وبإذن الله تعالى سيحقق هذا الشعب مآثر تبقى على مر التاريخ, عنوان حضارة رسمها شعبنا ممزوجة بدمائه, وأشلائه على مر العصور.