مرسي... الرجل القوي الأمين!!

حسام مقلد *

[email protected]

في اللحظات الحاسمة وأوقات الخطر التي تواجه الأمم والمجتمعات لا يصلح الضعف والرخاوة لإدارة الأمور بزعم الحكمة والحنكة وعمق الخبرة والتجربة...!! ولا شك أن (الحلم والأناة) من أعظم صفات القائد الشجاع، وهما خصلتان محمودتان يحبهما الله ورسوله كما في الحديث الشريف، وأحسب أن فخامة رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي يتحلى بهما؛ ولذلك آثر التريث وعدم أخذ الناس بالريبة وهذا مسلك شرعي وسياسي حكيم وحصيف؛ ولذا نراه دفع بالأمور نحو الاستقرار وعدم التصادم، ودعا الجميع إلى التَّرَفُّعِ عن الصغائر والعمل لمصلحة مصر قبل أي شيء، وحذر من التمادي في الخطأ قائلا: "لا يغرنكم حلم الحليم".

لكن المتآمرين على الثورة المصرية تمادوا في غيهم وضلالهم، واستباحوا كل شيء، وتجاوز بعضهم الخطوط الحمراء التي لا تتنازل عنها قيادة أية دولة مهما كانت ديمقراطية، وفي مثل هذه الظروف يجب أن يلمس الشعب في قائده بأسًا شديدًا ويجد له عزمًا قويًّا، وإلا لأُكِلَ من قِبَلِ أعدائه، ولذهبت هيبتُه وتجرأ عليه الرعاع والسوقة فضلا عن المتآمرين والخونة.

وفي خطوة شجاعة وجريئة كان ينتظرها الشعب المصري منذ مدة قرر السيد رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي  إلغاء الإعلان الدستوري المكمِّل وإحالة المشير محمد حسين طنطاوي، والفريق سامي عنان رئيس الأركان إلى التقاعد، وأصدر وفق صلاحياته إعلانا دستوريا جديدا.

وأحسبني لا أعدو الحقيقة إن قلت: نحن الآن في مسيس الحاجة إلى قبضة قوية ــ بل فولاذية دون تجاوز للقانون أو تقييد للحريات أو تقليل من الديمقراطية... وكل ما توخيْناه من ثورتنا ــ وبحاجة ماسة كذلك إلى مزيد من القرارات الحازمة التي تطهر الكثير من المواقع في الدولة المصرية، وفي مقدمتها الإعلام والقضاء لتعيد لنا ثقتنا في ثورتنا وقدرتها على إنجاز أهدافها؛ فقد نالت مشاعر الإحباط من نفوس وقلوب الكثيرين، لاسيما ونحن نرى حثالة القوم ومنافقيهم يتطاولون على رئيس الدولة، بل يتطاولون على الدولة ذاتها دون رادع، حتى خيَّم اليأس على الحلماء والعقلاء وظنوا أنها ليست ثورة بل الفوضى التي اجتاحت المجتمع وضربته في الصميم...!!

وما أدعو إليه ليس جديدا في تاريخ مصر المحروسة، وليس بدعا بل هو من طبيعة الأشياء فلا تستقيم الأمور لحاكم مهما أوتي من حكمة وعبقرية دون حزم وقوة شكيمة، وهذا هو ما فعله في مصر صلاح الدين، وقطز، وبيبرس... وغيرهم، وهو عين ما فعله تشرشل في بريطانيا، وديجول في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، وأعتقد أن الوقت الآن ليس وقت ملاينة أو ملاطفة للتافهين والساقطين المتآمرين على مصر وشعبها وثورته العظيمة، وليس أمام رئيس مصر (أيا كان...) فرصة للدعة والراحة فالمنطقة تتقلَّبُ على صفيح ساخن، والوضع لا يحتمل ضعفا في مصر ولا تراخيا ولا أنصاف حلول، نحن بالفعل نعيش أوقاتا عصيبة  في ظل الأجواء العاصفة التي يمر بها عالمنا العربي، وخصوصا العصف الإقليمي والدولي بسوريا العزيزة التي باتت باعتراف الأمين العام للأمم المتحدة نفسه ساحة حرب بالوكالة تتصارع فيها أطراف كثيرة لا يهمها سوى مصالحها، فهي غير معنية بثورة الشعب السوري ورغبته في الحرية والكرامة، ولا تُلقِي بالا لحمَّام الدم السوري النازف رغم أن بإمكانها وقفه لو أرادت...!!

ومن الجيد أن نرى معظم القوى السياسية المصرية وقد رحبت بقرارات رئيس الجمهورية، بل دعا الكثير من هذه القوى الشعب المصري إلى النزول للشوارع تأييدا لمرسي ودعما لقراراته، وعدَّ كثير من السياسيين هذه القرارات تدعيما حقيقياً للدولة المدنية، كما عدَّها البعض انتصارًا حقيقيا للثورة المصرية ولأرواح شهدائنا الأبرار.

وفي رأيي هذه القرارات تصحيحا كان حتميا لمسار ثورة 25يناير المباركة، وأزعم أنها ربما تأخرت بعض الشيء عن وقتها؛ فهناك العديد من الأخطاء (الكارثية ربما...) التي وقع فيها المجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية مع تقديرنا الكبير لانحيازه للشعب، ودوره الذي لا ينكر في إنجاح ثورته، لكن بسبب انغماس بعض قادة المؤسسة العسكرية في السياسة وتورطها فيها أكثر من اللازم قصرت في حماية أمن الوطن، ووقع  حادث رفح الذي يعد دليلا على وجود خلل في منظومة الأمن القومي  المصري، وكان على رئيس الجمهورية التدخل الفوري والعاجل لوضع الأمور في نصابها الصحيح، وإنهاء حالة الازدواجية في قيادة الدولة المصرية.

فبحجم الحادث الأليم المفجع الذي وقع في رفح، والخطر الفادح المحدق بنا من كل حدب وصوب كان لا بد أن يتخذ الرئيس قرارات قوية وحاسمة تحقق مطالب الشعب المصري وتؤكد للعالم الخارجي أن مصر لم تضعف بعد ثورتها الباسلة بل امتلكت إرادتها وصارت بفضل الله أكثر قوة وقدرة على الدفاع عن مصالحها وحماية أمنها القومي، وكان لا بد من رسالة حاسمة للداخل والخارج تؤكد للجميع أن مصر يحكمها رجل قوي أمين، وأن الشعب المصري لم يقم بثورته العظيمة طلبا للحرية والكرامة ثم يفرِّط بسهولة في حماية أمنه القومي.

وبهذه القرارات المهمة أثبت الدكتور محمد مرسي أنه رئيس قوي أمين وأنه يمتلك صلاحياته كاملة غير منقوصة، وأنه وحده رئيس مصر، وأن الدولة المصرية ليس لها رأسان كما ظن الصغار والتافهون الذين استغلوا مناخ الديمقراطية وأجواء الحرية وراحوا يتطاولون على رئيس الدولة ومقامه وبالفعل كانت المؤسسة العسكرية بحاجة ماسة لإعادة الترتيب ووضعها في صميم عملها خاصة بعد أحداث رفح الأخيرة التي راح ضحيتها ستة عشر جندي مصري بسبب التراخي والانغماس في السياسة!!

               

 * كاتب إسلامي مصري