العمل بوحي الحق

د. سماح هدايا

"في حروب التحرّر من الطغاة والمستبدين، سيأخذ الحق مداه، لكن للأسف ليس سلما فقط، بل عنفا أيضا..."الحرب أمر في غابة البشاعة، لكنها مرارٌ دموي لابد منه. ومن الطبيعي أن تمر سوريا الآن وفي القريب العاجل والآجل في حالات فوضى دموية نتيجة الظلم الإرهابي الذي خبرته بشكل مكثّف وفجائغي. فالذين تضرّروا جدا من الحرب: بقتل عائلاتهم، وإبادة قراهم، واغتصاب نسائهم. وتشريدهم وأهليهم في الشتات. والذين حصدت المجازر أطفالهم والصواريخ بيوتهم، وأشعل همجيو العصر الجديد القتنة في بلادهم، واستنزفوا دماءهم؛ سيجدون في انتصار أي معركة للثوار والثورة مجالاً للانتقام والثأر وتطبيق الحكم باليد، لكي يأخدوا حقهم، وتبرد قلوبهم من نار المأساة، فيتخلصوا من إرث ماخبروه من الفجائع والطغيان..

المهم ألا تطول مرحلة الفوضى واللا قانون، وألا يقوم الناس بتهويل طبيعة المتناقضات والمبالغة السلبية في تفسيرها وتأويلها. والأهم أن يتحقق بناء دولة القانون والمواطنة والحق والعدالة في أسرع وقت ممكن درءا لخطر مأسسة الانتقام في حرب تطهير.

فليس من السهل تجاوز صورة ماكان، عندما كانت البلاد تتفتت، ويستبيح الظالمون كل المحرمات؛ من اغتصاب النساء وقتلهنّ، وذبح الأطفال أمام أمهاتهم، والأمهات أمام عيون أطفالهن، وعندما كان المجرمون من عصابات الأمن والشبيحة يسحقون بأقداهم الغليظة رؤوس الرجال والعجائز والأطفال ويقطعون بحرابهم الأجساد، ويقلعون الأظافر ويسلخون الجلود. لكن ليس من المقبول، أيضا، الخروج بالثورة عن معانيها الكبرى ومفاهيمها المتمثلة في الحرية والعدالة والكرامة. 

يجب أن تصل الثورة إلى بر الأمان. وبر الأمان هو إسقاط منظومة الاستبداد كاملة، وألا تستبدل بالمجرمين مجرمين جددا. وألا تتيح لطوابير الخائنين اللعب بها والرقص على الدماء، وألا تسهّل ترويج الأكاذيب ورفع حالة التزوير والتهويل، وأن تردع أصوات المطالبين بحقوق المجرمين، والمنادين بالدفاع عن إنسانية الوحوش، تحت بند وجهة النظر المحايدة.

الثورات تحتاج إلى صوت الحسم. والثورة السوريّة تقوم على مبدأ عظيم، حتى وإن حاول المغرضون شدها إلى أسفل طبقات الغرائز، فإنها تبقى وفيّة للمبدأ. فالحرية تقرع السماوات الواسعة بدمائها الشريفة السخيّة. والإرادة فعل والتزام.