العالم الحق

محمد فريد الرياحي

[email protected]

لو وضعت علماء هذا العصر جميعا في كفة ميزان، ووضعت عالما من العلماء الذين سبقونا بالإيمان في الكفة الأخرى، لرجحت هذه الكفة، وكيف لا ترجح وصاحبها في القلب من المعرفة، والكبد من العلم، والفؤاد من الاجتهاد الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فيما عنده من القدرة، ولديه من الاقتدار. أقول قولي هذا، فيما أدركه من البصر بالحقيقة، وأبصره من الإدراك للحق، في مسلك من الرأي هو هو، وطريقة من المعرفة هي هي. لقد كان العلم في حال هي حال الشريعة، منظومة من الرواية والدراية تجري لمستقر لها في الوحي، بدءا ووسطا ونهاية. وكان العالم يصدر عن هذه المنظومة، وهو يجتهد في الجهد الذي لديه، والموقف الذي عنده، فيطلع على الناس بالرأي الجميل، والحكم الجليل،وهو يعلم أنه مسؤول عن هذا الحكم، وذلك الرأي، أمام الله، فلا مجال لأن يخضع لبشر أو حجر، وهو يقول من الحق ما تأيد بآد من الوحي الذي انعقدت عليه الخناصر عقيدة وشريعة فيهما الحق الذي يعلو، فإذا هو الحق الشامخ الذي يدرك بالبصر والبصيرة، فلا مكان معه للضلال، ولا وجود فيه للشك، وهل يكون الشك حين يكون اليقين، وهل يكون الضلال حين يكون الهدى.؟ إنه في هذا الهدى، وذلك اليقين، كان الذي كان من حضور العالم الرباني في عالم الغيب والشهادة، فلا يحجم حين يجب الإقدام، ولا يغيب حين لا معدى عن الحضور.تراه فتتيمن بوجهه، وتميل إليه فيما عندك من الاطمئنان، وتعلق به فيما لديك من السكينة، فتجده حاضرا بعلمه وفتواه في الرواية والدراية، قائما بالحق، مقيما عليه، في الذي تعوده من المسلك القويم، والخلق العظيم، والدعوة إلى الله في السراء والضراء وحين البأس، لا تغره الحياة الدنيا، ولا تخدعه، ولا تجره إلى التهلكة، فهو في حرز من عقيدته، وعصمة من إيمانه، ومأمن من علمه الواسع الذي لا يقر بالاختصاص منهجا، وبالانتقاص مخرجا، ولكنه يجمع ما عند الأولين الصالحين فيفهمه، ويتفهمه، ثم يضيف إليه، مما أفاض الله عليه من الجهد والاجتهاد، ونعم العالم الذي إذا تكلم في مجلسه، جاء بالدرر والغرر التي لا يقدر عليها من لا يستطيع أن ينبس بكلمة، في غياب أوراق يعتمد عليها، وكتب يفزع إليها، حين يطلب منه القول أو الكلام. فإذا قرأ ما عنده من الأسطار، لم تخل قراءته من اللحن، فأين هو إذن من العالم الذي يأكل من عمل يده، ويفتي من اجتهاده، ويكتب من تأليفه، ويخطب من بلاغته في فصاحته، فيما هيئ له من الطلوع والسطوع، وقدر له من الهيمنة على ما عنده من العلم، الذي لا يبلغه علماء هذا العصر، ولو اتخذوا له الأسباب كلها، والحبال جميعها.