الحكم الذي يحفظ للإنسان حقوقه

الحكم الذي يحفظ للإنسان حقوقه

عدنان سعد الدين رحمه الله

المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية

عندما يكون المواطن مطمئناً على غده، ضامناً أسباب عيشه، آمناً على نفسه وماله وعرضه وأهله، يجهر برأيه، ينصح دونما خوف أو وجل، عندئذ فقط يكون الحكم قريباً من روح الإسلام وجوهره، متمثلاً هدي النبوة قدر استطاعته، جديراً بمقام المستخلفين في الأرض.

قد يتوهم البعض أن المعارضة في ظل الحكم الإسلامي ضرب من الجدل العقيم، وأن الأحزاب تفضي إلى الشقاق والتمزق ودعوى الجاهلية!! وأن الشورى معلمة للناس وليست ملزمة للحكومة، وأن ولي الأمر مطلق السلطات، وأن الخلفاء الراشدين كانوا يمارسون حكماً مطلقاً حين يقف الخليفة على المنبر قائلاً: أيها الناس: اسمعوا وأطيعوا دون أن يعترض عليه أحد، ناسين أو غافلين أن المسلمين كانوا يقولون للخليفة: لو انحرفت لقومناك بحد سيوفنا، كما كانوا يحاسبون الخليفة على ملبسه وطعامه وشرابه وعلى راتبه وكل تفاصيل حياته، ومن باب أولى كانوا يحاسبونه ويناقشونه في السياسة العامة التي تمس مصير الأمة ومستقبلها.

إن الحاكم الذي يستلم السلطة بموجب البيعة الحقيقية – الانتخاب- ملزم أن يتقيد في النصوص فوق الدستورية، وكذا بالشورى الملزمة ورأي الأكثرية، يتقبل النصح والنقد والرأي المعارض، ويأبى التملق والمديح الكاذب الذي كثيراً ما يضلل المسؤول ويخدعه ويعميه عن تقصيره وخطئه، وأن يقيم العدل مع الجميع - مسلمين وغير مسلمين- ويحسن اختيار وزرائه وأعوانه وأفراد حاشيته، يؤدي الحقوق إلى ذويها، ويفسح مجلسه وصدره للجميع، ويعمل على اكتساب ثقة الرعية – المواطنين- ومحبتهم، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم).

منذ أكثر من ثمانين سنة - بعيد الحرب العالمية الأولى - وشعوب الأمة الإسلامية تواقة إلى العيش في ظل حكم إسلامي حقيقي، خاضت حروباً وثورات ضد المحتلين والمعتدين، وقدمت تضحيات غالية لتحقيقه، لكن هذا الأمل سرعان ما اضمحل وتلاشى، واكتشف أبناء الأمة أنهم لم يكونوا مهيئين لإقامة المجتمع المثالي المنشود الذي طالما حلموا به ودعوا إليه، والنتيجة الحتمية لذلك تغلب الرأي المناوئ واستئثاره بالسلطة والحكم، لأن لديه أنظمة مستوردة ومدروسة بعناية ودقة، ومجربة في بلادها مما يساعده على حسم الأمور لصالحه، وعلى إقصاء المشروع الإسلامي ووضعه في غياهب النسيان.

من أسباب هذا الفشل الذي تكرر في بلدان عربية وإسلامية عديدة، والإخفاق في الأخذ بالإسلام وتطبيق مبادئه كأنظمة للحياة والحكم، أن أصحاب هذا الاتجاه كانوا مفتقرين إلى الدراسات الفقهية والعلمية والإدارية، وإلى المشروعات الدستورية والقانونية، - مضافاً إلى ذلك الضغوط الخارجية-، ولم تكن لديهم فكرة واضحة في مشروعهم تتضمن الأهداف والوسائل والخطط والمراحل... إلخ، وأن نظام الشورى لدى الكثير منهم سرعان ما يتلاشى أو يضيق هامشه، فيضيع الجوهر، ويبقى المظهر، ويبدو الشكل، ويختفي المضمون، فتنفر الجماهير من المشروع الأمل، جراء سوء التطبيق، أو بالأحرى التراجع عن المبادئ المعلنة والبرامج المستخلصة من الشريعة السمحاء، فيلتفت المواطن إلى مصدر آخر يخلصه من معاناته، ويحل له مشكلاته، ويأخذ بيده إلى شاطئ الأمان كظمآن يسعى راكضاً خلف سراب، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ولا ماءً، فتضيع حقوق الإنسان بين مبادئ زائغة وأحلام خادعة.