الحريات الشخصية في الإسلام

الحريات الشخصية في الإسلام

عدنان سعد الدين رحمه الله

المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية

لقد بلغ حرص الإسلام على صون الحريات الخاصة وعدم المس بها إلى أبعد مدى، فالإسلام شرع أحكاماً صارمة ترمي إلى حفظ الإنسان في ماله وعرضه وكرامته ونفسه وعقله ونسله ومسكنه وسمعته في غيبته من أن ينم أحد عليه أو يذكره بما يسوؤه، بل إن الإسلام يهدر دم من يعتدي على الإنسان في ماله أو دمه أو عرضه.

كما حرم الإسلام التجسس على الإنسان من وراء حجاب أو التنصت عليه أو التلصص عليه من ثقب الباب، فإن ذلك يعرض عين المتجسس إلى إيقاع الأذى بها، يقول الفقيه الشيخ عبد الوهاب خلاف: إن الحرية الشخصية معنى مكون من حريات عدة وهي: حرية الذات وحرية المأوى وحرية الملك وحرية الاعتقاد وحرية الرأي وحرية التعليم، ففي تأمين الفرد على هذه الحريات كفالة لحقوقه الشخصية وحرياته الفردية العديدة التي من أبرزها:

حق الحياة، فقد رفع الله منزلة الإنسان على كثير من خلقه، وكرمه في ذاته، وسخر له ما في السموات وما في الأرض لصالحه، وأخضع له الحيوان وغيره لخدمته. "ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض"، "وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار".

واعتبر القرآن إزهاق الروح جريمة ضد الإنسانية كلها، وعد إنقاذ النفس البشرية وحفظها من الهلاك إنقاذاً للإنسانية كلها، "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".

وإشعاراً بقداسة حق الحياة يقف النبي صلى الله عليه وسلم أمام بيت الله ويقول (للكعبة): ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك، دمه وماله.

فالمسلم وغير المسلم والحر والعبد والرجل والمرأة كلهم سواء في حق الحياة وحقن الدماء، فالاعتداء على أهل الكتاب مساو للاعتداء على المسلمين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة.

صيانة حرية الفرد: لقد أحاط الإسلام حرية الفرد بهالة من الرعاية والحفظ كي لا يمسها الآخرون أو ينالوا منها بضغط أو إرهاب أو تخويف، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس الرجل بمأمون على نفسه إن أجعته أو أخفته أو حبسته أن يقر على نفسه، فالإسلام يحفظ للمسلم دمه فلا يهدر، ويحفظ ماله وملكه فلا يصادر، ويحفظ له كرامته فلا تهان.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يأخذ عصاً من أخيه إلا بطيب نفس منه. وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي الظلم أظلم، فقال: ذراع من الأرض ينقصها المسلم من حق أخيه المسلم).

وفي هذا السياق تعتبر خطبة الوداع أقدم وثيقة لحقوق الفرد في التاريخ، فهي أول بيان من نوعه يتعهد فيه الحاكم لأبناء رعيته بأن الدولة مسؤولة عن صيانة دمائهم وأموالهم وأعراضهم.

وعندما اشتد المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم تحامل على نفسه، وقام في المسجد، وقال: من جلدت له ظهراً فهذا ظهري، فليستقد مني، ومن أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد مني.

إن مطالبة الفرد بحقه والدفاع عنه يبلغ حد اعتبار ذلك جهاداً وفريضة على كل مسلم، ومن قتل في سبيل الله فهو شهيد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون مظلمته فهو شهيد).

سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: يا رسول الله: أرأيت إذا أراد رجل أن يأخذ مالي؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تعطه، قال: إذا قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني، قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار، وفي ذات يوم كان عمر بن الخطاب في إحدى جولاته فرأى في البادية امرأة على معصية، فاستشار أصحابه في حكم الدين، وقال لهم: ما رأيكم لو أن أمير المؤمنين شاهد امرأة أو رجلاً على معصية، أتكفي شهادته لإقامة الحد؟ فقالوا له وعلى رأسهم علي: يأتي بأربعة شهداء، أو يجلد حد القذف، شأنه في ذلك شأن سائر المسلمين.

فأين الثورات والأيديولوجيات البشرية من هذا؟ فالثورة الفرنسية قتلت أعداءها، ثم أكلت أبناءها، والثورة الشيوعية قتلت النبلاء والإقطاعيين والرأسماليين والبرجوازيين، ثم أعدمت كثيراً من قياداتها وأنصارها من أبناء العمال والفلاحين!!!