نهاية السفاح وطغمته في دمشق؟..

اليد الربانية ومسار الثورة الشعبية في سورية

نبيل شبيب

يُطرح هذه الأيام بإلحاح سؤال حاسم:

هل تشهد الثورة الشعبية نهاية السفاح وعصاباته الهمجية بين ليلة وضحاها عبر ما يجري في دمشق مع دخول الثورة شهرها السابع عشر؟..

قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال ينبغي التوقف عند ظاهرة تميّزت بها الثورة الشعبية في سورية عن سواها، وتعبّر عنها موجة جديدة من التساؤلات الآن، المعبّرة -كما كان الحال طوال هذه الثورة البطولية- عن حيرة من يحترفون التحليل السياسي والإعلامي، ومنها مثلا:

- ما الذي يمكن أن تسفر عنه جولة مواجهات بين عصابات متسلّطة تستخدم الأسلحة الثقيلة ضدّ المدنيين دون رادع ولا وازع، وبين عدد محدود نسبيا من عناصر الكتائب الحرة تدافع عن المدنيين ولا يكفي تسلّحها وفق القواعد العسكرية المعروفة لتحقّق نصرا حاسما؟..

- إذا كانت الكتائب الحرة عازمة على خوض "حرب عصابات" فكيف (تهاجم وتواجه) وتخالف بذلك القواعد التقليدية لتلك الحرب، والتي يمكن تلخيصها بكلمتي (اضرب.. واهرب)؟..

- لم تنقطع حملة العصابات المتسلّطة ضد المدنيين في دمشق حيّا بعد حيّ دون أن تتدخل الكتائب الحرة للدفاع عنهم، فما سرّ توقيت تدخلها الآن، لا سيما وأنه لم يظهر وجود تنسيق مسبق مع الكتائب الحرة في المحافظات السورية الأخرى؟..

- يوجد احتمالات كبيرة لحصول الكتائب الحرة في سورية على مزيد من الأسلحة، إلى جانب ما تحصل عليه داخل الحدود عبر عملياتها وعبر انضمام مزيد من الأحرار إليها، فعلام لم تنتظر في إطلاق "بركان جمشق وزلازل سورية" بعض الوقت لتحسين مستوى تسلّحها؟..

يبدو أنّ الوقوع في الخطأ محتّم على كل محاولة لإجابة تقليدية مستمدّة من "الخبرة" بحالات سابقة، وهذا ما يشهد عليه الوقوع من قبل في أخطاء مشابهة، عند محاولة "الإجابة التقليدية" على موجات أخرى من الأسئلة التي توالى طرحها شهرا بعد شهر، منذ اندلاع الثورة الشعبية، بما في ذلك الشهور الأولى الحافلة بالمظاهرات السلمية المحضة، مقابل القتل الهمجي المتواصل المتصاعد، أي من قبل أن يتحوّل الجنود والضباط الأحرار من فئات محدودة العدد "تنشقّ" (أي تتحرر من قبضة الاستخبارات الهمجية والقيادات العليا المنحرفة وأوامر القتل والتدمير) لتحتمي بالمدنيين، إلى كتائب صغيرة وكبيرة بقيادات محلية في الدرجة الأولى، تتولّى بنفسها واجب الدفاع عن الشعب والوطن.

من تلك الأسئلة مثلا:

- ما الذي حوّل "الرئيس الشاب الضليع في صياغة الخطب السياسية وإلقائها" إلى "رئيس عصابة" لا يلقي كلمة ولا يدلي بتصريح ولا يعلن عن إجراء جديد إلا ويزيد الثورة لهيبا وانتشارا بسائر ما يقول ويصنع، حتى بات المبدعون في "التهكّم الثوري" -كما في كفر نبل- يطلقون عليه وصف "القائد الفعلي للثورة!"؟..

- ما الذي جعل مسار الثورة الشعبية في سورية متميّزا بطول أمده بالمقارنة مع ثورات أخرى في الربيع العربي، ليشهد تساقط "أوراق سياسية ووجوه سياسية مرموقة" فرادى وجماعات، حتى ظهر أن الثورة تتحرك دون "قيادة تقليدية" ممّا عرفته حركات التغيير تاريخيا، بل ظهر للعيان أيضا أن "سقوط العصابات الإرهابية المتسلطة" لو حصل في بداية الثورة، لتولّى السلطة قوم قد لا يمضون بالوطن والشعب على طريق تحقيق أهداف الثورة الشعبية كما ينبغي؟..

- كيف نشأ ذلك الوعي السياسي "الفطري" لدى كافة الفئات العمرية والاجتماعية من الشعب الثائر رغم حياة "الحصار والقهر لمدة نصف قرن" مع الحرمان من أيّ مصدر من مصادر التوعية السياسية للتمرّد على ما تفرضه العصابات المتسلّطة من رؤى وأوضاع شاذة؟..

. . .

يوجد الكثير من الأمثلة على هذه الأسئلة، ويوجد الكثير من الأمثلة عن تطوّرات جرت على الأرض وفي مسرح السياسات العربية والإقليمية والدولية، تؤكّد جميعا أنّ الثورة الشعبية في سورية اتخذت مسارا لا يمكن فهمه وتفسيره عند الاقتصار على ما ساد قبل الثورة من قواعد منهجية لاستيعاب مجرى حركات التغيير الكبرى.

إنّ العنصر الحاسم الظاهر للعيان في مجرى الثورة هو أنّ النداء " يا ألله.. مالنا غيرك يا ألله" أصبح سمة ثابتة، تتجلّى في كل لحظة زمنية وكل موقع مكاني وعلى ألسنة كل فئة من فئات الشعب الثائر.

وإنّ العنصر الحاسم الظاهر للعيان في محاولات إخماد الثورة هو "الهمجية الانتحارية" المطلقة، التي جعلت من قتل كل طفل بريء واغتصاب كل فتاة طاهرة وتعذيب كلّ فتىً حرّ وإهانة كل كهل كريم في الشوارع جذوة نار تحرق القتلة والمغتصبين والمعذبين والهمجيين.

. . .

ما يجري هذه الأيام في دمشق وريفها -وهو جزء مما يجري في الوطن بأسره- لا يسمح بالتنبّؤ بنصر قريب أو بعيد، إذا اكتفينا بما اعتدنا عليه من "رؤى وتكهنات وتوقعات" قديمة تسيطر على أصحاب الأقلام.

إذ نستقبل شهر رمضان هذه الأيام، ينبغي أن يذكّرنا الشهر الفضيل بمعارك انتصارات تاريخية كبرى، كانت بموازين عصرها أشبه بالمعجزات، بدءا بغزوة بدر مرورا بعين جالوت انتهاء بما عرف بمعركة العاشر من رمضان حديثا-بغض النظر عن الانحراف بنتائجها- ويمكننا استيعاب مسار الثورة الشعبية في سورية ومآلاتها على ذلك النهج، لنرى يد الخالق الربانية تتحرك في صناعة الأحداث عبر ما تصنعه اليد المخلوقة البشرية على أرض الواقع.

لا ينبغي الحديث عن ميزان القوى فيما تشهده دمشق وتشهده سورية من حيث العدد والعتاد، دون أن نستذكر قول رب العزة {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} - 249 البقرة-

لا ينبغي الحديث عن الاختلاف بين ما تعتمد عليه "استراتيجية بركان دمشق وزلازل سورية" وفق ما أعلنه الجيش الحر، وبين المعتاد في "استراتيجيات" معارك تحرّر سابقة في التاريخ الحديث، دون أن نستذكر قول رب العزة {وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى} - 17 الأنفال-

لا ينبغي الحديث عن ثمن التحرر، المثير للإحساس بالأسى والألم، من شهداء وجرحى ومروّعين ومشرّدين ومعتقلين ومعذبين، دون أن نستذكر قول رب العزة {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} -214 البقرة-

لا ينبغي الحديث عمّا ستسفر عنه "معركة دمشق" كما باتت توصف، دون أن نستذكر قول رب العزة {وما النصر إلا من عند الله} -126 آل عمران-

لا ينبغي الحديث عمّا سيكون عليه مصير السفاح وطغمته عند استعراض مشاريع قرارات دولية وتصريحات روسية ومخاوف إيرانية وكلمات حماسية وعقلانية، دون أن نستذكر قول رب العزة {ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الابصار} -2 الحشر-

هذا الذي يوصف بالمعركة الفاصلة، هو فصل آخر من فصول ثورة تاريخية تصنع مسارها اليد الربانية، منذ انطلقت شعبية عفوية من المساجد والأسواق، وهي ثورة محسومة.. بالنصر، سواء أتى النصر خلال أيام في دمشق بانهيار الحصون على رؤوس العصابات المتسلّطة، أو أتى في رمضان شهر الانتصارات التاريخية الكبرى.. أو أتى من بعد، و{لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم} -4و5 الروم-