احذروا الزئبق الروسي

وفد المجلس الوطني إلى روسية

زهير سالم*

[email protected]

يتوجه وفد من المجلس الوطني إلى روسية في الحادي عشر من الشهر الجاري . ليس من الحكمة السياسية في شيء أن يعزل الإنسان نفسه ، أو أن يرفض اللقاء مع أعدائه وخصومه ومخالفيه ، وفي الوقت نفسه ليس من الحكمة في شيء أن يخوض السياسي مباراة يعلم مسبقا أنه الخاسر الأول فيها ، وأن عدوه أو غريمه سيوظف هذا اللقاء لينقضّ عليه أو ينقضَ عليه موقفه ...

وبعد كل هذا الذي رأيناه ونراه من الروس على مدى عام ونصف في كل المحافل الدولية ، يبقى السؤال الأول المطروح : ماذا يتوقع  المجلس الوطني من الروس ؟ الجواب على السؤال قبل الزيارة يساعد على تحديد الموقف منها . نعلم أن في صفوف المجلس الوطني رفاقا يساريين ، ما زال بعضهم ينظر إلى الاتحاد الروسي كوريث للاتحاد السوفياتي . وكنا سندعو لهم بالتوفيق لو استطاعوا أن يوظفوا نظرتهم أو علاقاتهم في مصلحة المشروع الوطني ، ولكن إن صحت الرؤية فإن المنى تبقى غير نافعة ..

ومن الجواب على السؤال الأول يجب أن نضع السؤال الثاني المقابل ماذا ينتظر الروس من المجلس الوطني  ؟ وهم ما زالوا يستقبلون معارضات سورية  وقوى عربية !!! تشكرهم كأيام زمان على مواقفهم المبدئية والثابتة في مواجهة الامبريالية العالمية ومشروعها وأدواتها في المنطقة وفي سورية الاشتراكية المقاومة والممانعة .  المقاومة طبعا للامبريالية وأدواتها الذين هم في رؤية هؤلاء  حمزة الخطيب وأبناء جيله من الأطفال الذين يدافعون عن حقهم في رسم الجداريات التي يحبون بالصور أو بالكلمات : الشعب يريد ..

هل في وفد المجلس الوطني من يتصور أنه بخطبة عصماء أو بكلمات حنون يمكنه أن يلين أو يغير موقف السيد بوتين الذي لا اظنه سيسمح وقته بلقاء وفد المعارضين ، أو سيؤثر في عقل السيد لافروف وقلبه بعد أن أعلن عن انحياز طائفي مسبق ضد السواد العام من أبناء الشعب السوري ، وتخوفه منهم على ....

هل يوجد في جعبة وفد المجلس الوطني ما يعوض الروس عما ينتظرونه من الأمريكي حول ملف الدرع الصاروخي ، أو صفقات الروس مع حليفهم الإيراني أو تعويض الروس عن قواعدهم على الأرض السورية خلف الخطوط المتقدمة للناتو الذي يزعمون أنه ما زال يعتبرهم أعداء ..

هل يؤمن الأخوة الماديون بتبادل المنفعة بالعاطفة كما يمكن أن يؤمن من يطلقون عليهم الانفعاليون والعاطفيون والغيبيون ، هل يمكن لخطيب مفوه كائنا من كان أن يهز عطف السيد لا فروف بخطبة عصماء تستدر دموعه وتقلب مواقفه وتجعله ينحاز إلى جانب أحرار سورية وأطفالها ...

هل يظن أحد من وفد المجلس الوطني أنه سيطلع الروس في المشهد السوري على معلومات وحقائق لا يعلمونها تجعلهم يغيرون موقفهم وينقلبون على أنفسهم وعلى حلفائهم وإذا كان لا هذا ولا ذاك ممكنا فسيبقى السؤال الأول مفتوحا عن جدوى الزيارة وعن حقيقة المنتظر منها !!!

وكيف نستطيع ألا نأخذ بالاعتبار هذه الزئبقية التي تعلمها الروس من بشار الأسد أو علموه إياها لسنا ندري . الرئيس الروسي الذي يشهد عليه رؤساء دول كبرى مثل أوباما وأولاند وكاميرون وميركل أنه يقول  كلاما أو يعبر عن موقف ثم ما أن يخرج من مجالسهم حتى ينقض ما قال أو يكذبهم او يرد عليهم !!

هذا التدني في الأداء السياسي الروسي يجعل أي موقف يتم الاتفاق عليه مع الروس كلام ليل لا يلبث أن يتلاشى مع أول ضوء للنهار . وحين تسقط مصداقية الأنظمة والرؤساء يصبح الحوار معهم غير ذي معنى كما حصل مع بشار الأسد وحلفائه في موسكو وطهران .

ماذا ينتظر وفد المجلس الوطني من زيارة موسكو ؟! السؤال ما زال مفتوحا ولن نتساءل عما تنتظره المعارضة السورية لأن هناك معارضين سوريين يشتقون مشروعهم من المشروع الروسي الذي تم اشتقاقه أصلا من مشروع بشار الأسد ..

الخسارة الفادحة التي سيدفعها المجلس الوطني ومشروع الثورة السورية من هذا اللقاء أن السيد لافروف سيجلس في المحافل ليؤكد على أنه على علاقة إيجابية مع جميع قوى المعارضة السورية وأنه ينسق معها جميعا بلا استثناء .....

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية