عن حزب الله والمقاومة والثّورة السّوريّة

عن حزب الله والمقاومة والثّورة السّوريّة

صلاح حميدة

[email protected]

يحاول بعض النّاس الخلط بين الموقف من "حزب الله" اللبناني وبين مقاومته للاحتلال الاسرائيلي وبين موقفه المخزي من الثّورة السّوريّة، فبعض هؤلاء يأخذه الغضب من طائفيّة الحزب بعد أن كان أغلب مناصريه من أهل السّنّة والجماعة، فقد كان الحزب يقدّم نفسه كحزب مقاوم عربي ومسلم، ولم يكن يتبنّى خطاباً طائفيّاً بشكل معلن، ولذلك كان يلقى مقبوليّة جماهيريّة واسعة في العالمين العربي والاسلامي، وكان لبطولات عناصر الحزب في المقاومة وتحرير جنوب لبنان، ولدوره في مساعدة حركات المقاومة الفلسطينيّة في مقاومتها للاحتلال، أثر بارز في في زيادة التّعاطف الشّعبي معه.

غالبية هل السّنة والجماعة لم تكن تؤثّر عليهم أي دعوات للطّائفيّة لعزل "حزب الله" شعوريّاً وسياسيّاً، وكان كل من يهاجم الحزب يجد نفسه معزولاً عن جمهور العرب والمسلمين السّنّة، بل كان يهاجم من يدافعون عن الحزب وعن إيران ويوصفون بأقذع الأوصاف، ومنهم كاتب هذه السّطور، فطالما كانت بوصلة الحزب في مواجهة دولة الاحتلال والسّياسة الاستعماريّة الغربيّة في المنطقة، كان الحزب يتلقّى كلّ الدّعم بكل أشكاله، وفي أيّ وقت من الممكن أن يكون هناك معركة للحزب مع الاحتلال، ومن يدعمونه من الغرب ومن العرب، فبوصلة الجمهور العربي مع من يقاوم الاحتلال.

ولكن مواقف الحزب من الثّورة السّوريّة قلبت المعادلة رأساً على عقب، ففي البداية كان الحزب حذراً في تعاطيه مع الأزمة هناك، ولكنّه انزلق في الصّراع بكلّ وعي وإدراك، ولا زال يدعم النّظام السّوري سياسيّاً وإعلاميّاً بشكل مستميت، بينما يظل الدّعم العسكري موضع جدال بين الكثير من الأطراف، وإن كان في سوريا الكثير من المجرمين الّذين يمعنون في تقتيل الشّعب السّوري، وليسوا بحاجة لقَتَلَة من لبنان والعراق وإيران وروسيا، وإن كان هناك خبراء لبعض تلك الأطراف يدعمون بشّار في إدارة المَقتلَة، وهنا يبرز سؤال جدّي، هل من يدعم القاتل سياسيّاً وإعلاميّاً ويبرّر له القتل، ويدعوه للاستمرار فيه، ويروّج دعاية القاتل بأنّ من يقتلهم " عصابات مسلّحة" هل هو بريء من دم السّوريين؟ وهل المحرّض على القتل يختلف عن القاتل المباشر؟.

برزت حادثة اختطاف بعض المواطنين اللبنانيين في سوريا كخطوة من بعض الثّوّار السّوريين لمعاقبة الحزب على مواقفه الدّاعمة لتقتيل الشّعب السّوري، تمّت تسوية القضيّة وبدأ إطلاق سراح المخطوفين، ولكن حسن نصرالله بادر لإلقاء خطاب استفزازي للخاطفين، وكأنّه يريد أن يدفع الخاطفين للإبقاء على المخطوفين، أو ربّما قتلهم؟ فنصرالله والحزب خبيران في الحرب النّفسيّة وفي التّعاطي مع الآخر، ولهم باع واسع في عمليّات خطف الرّهائن منذ الثّمانينيّات، فلماذا لم يصبر نصرالله حتّى يصل المخطوفين لتركيا أو لبنان ويقول بحق خاطفيهم ما يريد؟ وما يثير الاستغراب أكثر تخييره لهم فيما بعد " سلماً فسلم أو حرباً فحرب" ؟! فهل استفزاز أطراف حديثة العهد في عمليّات اختطاف، وفي ظل مجازر دمويّة في الحولة والقبير وحماة وإدلب ودرعا ودير الزّور، وتهديدهم بحرب لا يستطيع نصرالله شنّها عليهم- يكفيهم الحرب الّتي يشنّها حليفه بشّار عليهم- فهل هذا التّهديد سيدفعهم لإطلاق سراح المخطوفين، أم ربّما سيدفعهم لشيء آخر؟.

ومن حقّنا أن نتساءل، هل نصرالله يهدف لدفع خاطفي اللبنانيين لقتل الرّهائن كردّة فعل على استفزازه لهم؟ وهل بات يبحث عن مبرّر لتسويق تأييده للقاتل بشّار الأسد؟ وهل كانت عمليّة الخطف مدبّرة، وتمّ دفع اللبنانيين لسير طريق لا يسيرونها عادةً يهدف لجعلهم هدفاً؟ وهل هناك حرص على وصم الثّورة السّوريّة بانّها ثورة عصابات تخطف مواطنين أبرياء؟ وهل هناك من يرغب بحشد الطّائفة الشّيعيّة في لبنان لمعركة طائفيّة في سوريا يعتبر أنّها باتت وشيكة؟. قد يكون هذا التّحليل منسجماً مع نظريّة المؤامرة، ولكن يقيني بأنّ نصرالله ليس أحمقاً، وأنّ سلوكه لا يشكّل إلا استفزازاً إضافيّاً مقصوداً للخاطفين، كل هذا يدفع للتّفكير باتّجاه مغاير.

لا أعتقد أنّ الاستمرار في احتجاز اللبنانيين سيخدم الثّورة السّوريّة، ولكن بإمكان من يحتجزونهم المطالبة بالمعارض السّوري شبلي العيسمي الّذي خطفه لبنانيون موالون لبشّار الأسد وأرسلوه لسوريا، ويمكنهم المطالبة بمعارضين سوريين آخرين خطفوا في لبنان، ويمكنهم مبادلتهم بأسرى سوريين موجودين بالآلاف في السّجون السّوريّة، ولماذا لا تطرح مبادرة عبر الوسطاء لمبادلة كل واحد بألف أسير في سجون بشّار؟ فالأفضل مبادلتهم بأسرى وإنهاء المسألة بشكل نهائي، بالإضافة إلى تبعات إعلاميّة وسياسيّة ونفسيّة ستتوالى تباعاً بعد طرح مسألة مبادلتهم بآلاف الأسرى، فإذا كان بشّار حريص على حلفائه فليبادلهم بأسرى بالآلاف يقبعون في معتقلاته.