سالومي تنتقم من يحي والمجزرة مستمرّة

سالومي تنتقم من يحي والمجزرة مستمرّة

محمد علي شاهين

[email protected]

وجاءت البشارة زكريا، وولد له يحي، براً بوالديه، تقيّاً ورعاً متمسّكاً بأحكام الشريعة، وكان ليحيى بن زكريا منزلة كبيرة بين قومه لورعه وتقواه، ولم يكن من السهل على سالومي ابنة زوجة الحاكم التي أغرمت به وحاولت إغواءه القبول بموقفه منها، ولكن الله أعانه على مقاومة إغرائها، فأرادت الانتقام منه.

وكان الشعب السوري مثل يحي متمسّكاً بأهداب الدين، عصيّاً على محاولات التمدّد الشيعي على حساب أهل السنّة، يوم أطلق بشار العنان للشيعة، ومنحهم حريّة الدعوة، وفتح لهم أبواب دمشق على مصراعيها بعد تحوّله من النصيريّة إلى الشيعة الإماميّة، وخضوعه لولاية الفقيه، فمارست الحسينيات والحوزات العلميّة التي انتشرت في شرق البلاد السوريّة وغربها في عهده الدعاية للمذهب الشيعي، ومنحت الساعات المجانيّة في التلفزيون الرسمي للترويج لفكر الروافض، واستخدم الدعاة المال والمتعة والبعثات الدراسيّة لإغراء الشباب دون جدوى.

فجاءت الراقصة الحسناء البارعة سالومي (طهران) إلى هيرودس (بشّار) المفتون بمذهبها، فرقصت أمامه عارية لتتمكّن من السيطرة عليه، انتقاماً من أهل السنّة في سوريّة، وكان الثمن هو رأس يحيى عليه السلام.

وأتى جنود هيرودس المدجّجون بالسلاح، الملوّثة أيديهم بالدماء يدهمون المكان الآمن الوديع ويعتقلون يوحنا (الشعب) ثم يذهبون برأسه الطاهر ليقدموه على طبق من فضه مهراً لامرأة من بنى اسرائيل تدعى سالومى لترقص بالرأس رقصتها الاخيرة، قبل أن يدفن الرأس الطاهر في مسجد بني أميّة الكبير بدمشق.

وأعطت إيران النظام الضوء الأخضر لتنفيذ جرائم شبيهة بالجرائم التي ارتكبتها في الأهواز، وأكّدت دعمها لحليفها الرئيسي في المنطقة، وادّعى الإمام الخامنئي أنّ طهران تدافع عن دمشق لأنّها تجمي الخطّ المقاوم في وجه العدو الصهيوني، وأنّها تدعم الإصلاحات التي بدأت في سوريّة.

وعلى مدى أربعة عشر شهراً في مواجهة الثورة، والعالم يتفرّج، وقفت طهران إلى جانب النظام السوري، رغم بلوغ عدد ضحايا السفّاح السوري الموغل في الدماء خمسة عشر ألفاً من أبناء سوريّة الكرامة، وانتهكت الحظر بتزويد النظام السوري بالسلاح لقمع شعبه، وزوّدته بالنفط والمال وأجهزة مراقبة الانترنت، وبنادق القناصة، وطائرات بدون طيار إيرانيّة الصنع، فأسهمت في دعم نظام الأسد، ومكّنته في السلطة ليرتكب المزيد من المجازر.

وقدّمت للنظام القاتل الإرشادات والنصائح والخبراء والمقاتلين ليواصل قصف المدن براجمات الصواريخ ومدافع الدبابات، ويقتل مزيداً من الأطفال والنساء بالقنابل المسماريّة، ويمثّل بجثثهم، وينفّذ الإعدامات الميدانيّة، ويقطع الكهرباء عن المستشفيات لقتل الخدّج.

وتورّط الخاضعون لولاية الفقيه بالتدخّل في الشأن السوري الداخلي بشكل مباشر، وشارك في إزهاق أرواح السوريين فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وميليشيات مقتدى الصدر، وميليشيات حسن نصر الله، وتورّطوا في خطف النساء واغتصاب الحرائر، وارتكاب المجازر، وكم من مرّة ألقى الثوّار القبض على إيرانيين يقومون بأعمال مريبة في سوريّة تحت دعوى زيارة العتبات المقدّسة في مناطق تخلو من هذه العتبات.  

ولم يتورّع النظام السوري عن ارتكاب المجازر المروّعة بدم بارد نقمة وحقداً، وآخرها مجزرة الحولة التي تبرّأ منها النظام السوري بعد ردود الفعل العنيفة من قبل الرأي العام العالمي، وطرد السفراء، كما تبرّأ من مجزرة بابا عمرو، ومجزرة دوما والرستن وعسّال الورد وتفتناز واللاذقيّة ومجازر حماه التي ذكرتنا بحماه الأمس ونوروز قامشلو والرقّة.

ولذرّ الرماد في العيون أعلن المتحدث باسم الخارجيّة السوريّة أنّه بصدد تشكيل لجنة عسكرية قضائية للتحقيق بهذا الموضوع، وادّعى بان النتائج ستظهر خلال ثلاثة أيام، وأكّد "على حق الدولة السورية ومسؤوليتها في الدفاع عن مواطنيها سواء أعجب هذا الموضوع البعض أو لم يعجبه" وكأنّ ارتكاب الجرائم اليوميّة هو الوسيلة الوحيدة للدفاع عن المواطن السوري.

وسخرت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش من لجنة التحقيق هذه قائلة: لا يمكن أن تحقق لجنة من الجيش السوري بمصداقية في هذه الجريمة المروعة، بينما توجد أدلة كثيرة على أن قوات موالية للحكومة هي التي نفذتها، لابد أن يصمم عنان على أن تمنح سوريا بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق حق الدخول للبلاد للتحقيق في هذه الجريمة وغيرها من الجرائم الجسيمة. 

وكان على طهران التي ترتدي العباءة السوداء حزناً على الحسين (عليه السلام) الذي قتل مظلوماً، أن تقف مع الشعب السوري المظلوم، لا أن ترفع في سوريّة شعار: (يا لثارات الحسين)، وتتخذ النظام أداة للانتقام من أهل الشام كما فعلت (سالومي)، وأن تتحمل مسؤوليتها التاريخيّة أمام الله وتتبرّأ من الظالمين، لا أن تطلق يد القاتل وتدافع عنه ليرتكب في كل يوم جريمة جديدة.

وجاء على استحياء تنديد طهران بمجزرة الحولة التي أبكت مشاهدها العالم، مستبعدة في الوقت نفسه تورط (هيرودس) في هذا العمل المشين الذي حمّلت الأمم المتحدة مسؤوليته على القوات الحكومية السورية، وأدانه أعضاء مجلس الأمن بعد يومين من وقوعه بأشد العبارات الممكنة، وأدانوا أعمال القتل التي أكدها مراقبو الأمم المتحدة لعشرات الرجال والنساء والاطفال واصابة المئات غيرهم في قرية الحولة قرب حمص، في هجمات شملت قصفا حكوميا بالمدفعية والدبابات لحي سكني، كما أدان اعضاء المجلس أيضا قتل مدنيين بإطلاق الرصاص عليهم من مسافة قريبة وبالانتهاكات البدنية الجسيمة.

وقال التلفزيون الإيراني نقلا عن بيان لوزارة الخارجية: إن إيران تؤيد الرواية السورية بشأن المجزرة وتحمّل مسؤوليتها على الجماعات الإرهابية التي تهدف الى نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار وعرقلة جهود السلام.

وأغرب ماصدر عن طهران وفق المصادر الدبلوماسية الأميركية المطّلعة أن إيران سعت خلال اجتماعها مع مجموعة (5+1) في بغداد في 23/5/2012 لمقايضة برنامجها النووي بالتدخل في شؤون سورية والبحرين.

خمسة عشر ألف شهيد عند ربّهم يرزقون، قتلهم (هيرودس) شفاءً لصدر (سالومي) كل شهيد منهم اسمه يحي، "كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ".

وطوبى للغرباء