ابتزاز الإخوان وشيطنة الإسلاميين

ياسر الزعاترة

لو كان هؤلاء الذين يملؤون الدنيا ضجيجا ضد الإسلاميين في طول العالم العربي وعرضه هم الذين يصغي إليهم الشارع، لكانت النتيجة أن أصبح الإسلاميون يعيشون في عزلة عن الشارع، ولن يمضي وقت طويل حتى يصبحوا من ديناصورات السياسة.

منذ اندلاع الربيع العربي وظهور الإسلاميين بوصفهم من رموزه، وتاليا بوصفهم اختيار جزءٍ كبير منه أبناء شعوبه، حتى جنَّ جنون حشد من الحزبيين والطائفيين والليبراليين الكارهين للظاهرة الإسلامية برمتها، ورأينا حملة إعلامية بالغة الشراسة تنشر سمومها على اتساع الفضاء العربي. والحق أن ميزان القوى الإعلامي بين الإسلاميين وخصومهم لا يبدو متوازنا بأي حال، فالطرف الثاني يملك من وسائل الإعلام والتأثير الشيء الكثير، لاسيما أن حشدا من رجال الأعمال الذي كانت معظم ثرواتهم نتاج التحالف مع الأنظمة الفاسدة قد انخرطوا في اللعبة عبر أدوات الإعلام التي أسسوها، وعبر المال الذي خصص لأغراض الدعاية لمرشحي الفئات الأخرى.

على أن ذلك كله لم يؤد إلى فض الناس من حول الإسلاميين، رغم عبثية إنكار تأثيره على قطاع منهم، إذ واصلت القوى الإسلامية تقدمها وحصولها على ثقة نسبة كبيرة من الجماهير.

المهمة الجديدة التي يقوم بها أولئك القوم تتمثل في التأثير على الإسلاميين أنفسهم، وذلك على أمل حرف مسيرتهم نحو خيارات جديدة تؤدي إلى فض الناس من حولهم، فيما تؤدي إلى تقليم أظافرهم في اللعبة السياسية.

ما تابعناه بعد الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية هو لون بشع من الابتزاز مارسته بعض القوى السياسية المصرية ضد الإخوان المسلمين الذين صعد مرشحهم للجولة الثانية في مواجهة مرشح الأجهزة الأمنية والعسكرية ورجال الأعمال، والقطاع الأكبر من الأقباط، فضلا عن الفلول بتنوعاتهم (دعك من دعم الخارج).

ويبدو أن خصوم الإسلاميين قد أرادوا استثمار التراجع الذي أصاب الإخوان بين انتخابات مجلسي الشعب والشورى وبين انتخابات الرئاسة، عبر ضغوط مشددة عليهم تحرمهم من التأثير الكافي في الواقع السياسي المصري، فيما تشوه صورتهم عبر اتهام جماعتهم بأنها ببيع المبادئ من أجل الرئاسة والسلطة.

والحال أن التراجع المذكور يبدو مبالغا فيه إلى حد كبير، فما بين 40 في المئة في الجولة البرلمانية وبين 25 في المئة في الجولة الرئاسية رقم له مبرراته، لعل أولها أن المرشح الذي خاض انتخابات الرئاسة هو المرشح الاحتياطي، إلى جانب الانقسام الذي ساد الساحة الإسلامية بسبب الخلافات بين رموزها (أصوات عبد المنعم أبو الفتوح هي في معظمها أصوات مؤيدي الإخوان).

بعد نتيجة الجولة الأولى أصيب قطاع من السياسيين المصريين المحسوبين على الثورة بحالة من العمى السياسي غير المسبوق، إذ ظهرت عليهم معالم الشخصنة المرضية والروح الإقصائية وأرادوا أن يفرضوا على الإخوان شروط استسلام كي يؤيدوا مرشحهم في جولة الإعادة، وهذا نفس شخصي وانتهازي غير مسبوق، لأنه ببساطة يتنكر للثورة ويدير ظهره للجماهير.

قلة من هذه الفئات التي لم تتردد في دعم مرسي، بينما ذهب آخرون نحو سياسة الابتزاز، مع أن الناس لن تلتفت إليهم في الغالب لأنهم لا يلزمونها بشيء، وكل ما هنالك أن هذه الروحية الإقصائية قد تصيب الناس بالإحباط وتدفع قطاعا منهم نحو مقاطعة الانتخابات، الأمر الذي سيصب في صالح مرشح الفلول المدعوم من الخارج، والذي تعمل لصالحه ماكينة رهيبة من المال والسلطة المدنية والعسكرية والأمنية.

لا خلاف على أن الإخوان قد أخطأوا في بعض تكتيكاتهم السياسية، ولكنهم كانوا مجتهدين في كل الأحوال، وقد قدموا طوال الوقت، لاسيما بعد ظهور نتيجة انتخابات الرئاسة الكثير من التطمينات للناس والقوى السياسية، لكن ذلك شيء وقبول شروط الاستسلام المعروضة عليهم شيء آخر.

إذا فاز شفيق في الانتخابات، أكان بالتزوير، أم بسبب عزوف قطاع من الناس المؤيدين للثورة عن التصويت، فإن الذنب لن يكون ذنب الإخوان، بل ذنب أولئك الذين يتباكون على الثورة بينما يضعون حبهم في طاحونة أعدائها.

في أي حال، فإن فوز شفيق الذي لا يمكن استبعاده لن يعني دفن الثورة، لاسيما أن الدستور المقبل سيحجم صلاحيات الرئيس، أما الأهم فهو أن الثورة قد كرست التداول على السلطة والرقابة عليها، ولن يتمكن أحد من استعباد المصريين بعدما اكتشفوا سر قوتهم وقدرتهم على الإطاحة بأي طاغية.

بعد مسرحية الحكم على مبارك وأنجاله وقادة الأمن شهدنا عودة الروح للثورة المصرية، الأمر الذي يؤكد ما ذكر آنفا من أن صحوة الشعب المصري ليست آنية، وأن عودته لواقع الاستعباد غير واردة بحال.