في فقه الشعارات الخمسة : والجهاد سبيلنا

مشروعنا السياسي (6):

زهير سالم*

[email protected]

الجهاد في سبيل الله تعالى شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام ، وفريضة من فرائضه فهو حسب حديث الرسول الكريم : ( ذروة سنام الإسلام ) كما ورد في حديث سيدنا معاذ رضي الله عنه . وهو أي الجهاد الفريضة الماضية إلى يوم القيامة ( الجهاد ماض إلى يوم القيامة ...) . ولقد أكد القرآن الكريم في مواطن متعددة ، تفضيل المجاهدين على القاعدين ، وأن الله سبحانه وتعالى فضل المجاهدين في سبيله على القاعدين أجرا كبيرا .

ولكون ( الجهاد ) هو الشعيرة الربانية التي تنفخ روح الحياة في هذه الأمة ، وتحفظ وجودها، وتدفع عنها شر أعدائها ، وتبث الحمية والقوة والجرأة في نفوس أبنائها ، ليكونوا الجرآء على الحق، المضحين في سبيل الله ، الذين لا يخافون في الله لومة لائم ، لا يرهبون قتلا ، ولا يتهيبون ضنكا ، ولا يخضعون لطاغ ، ولا يستسلمون لمعتد ، لا يطأطئون ولا يذلون ولا يحسبون الحياة تستحق أن تعاش إن لم تكن عزيزة كريمة حرة رضية ؛ فقد تعرضت هذه الشعيرة الربانية لأكثر من حملة تشويه وعدوان ونكران وسوء توظيف . حملة من أعداء الإسلام يشنونها على حكم الجهاد منذ أكثر من قرن . حملة منظمة ممنهجة لتشويه هذه الشعيرة الإسلامية التي تخيف أعداء الإسلام . فعملوا على النيل من شعيرة الجهاد وتزييف حقيقتها ، وجعلها عنوانا لاتهام استباقي يلحق بكل من يدعو إليها أو يلابسها أو يلامسها . وحتى غدا بعض المحسوبين على الإسلام ، مع الأسف ، يتخوفون من مرور لفظ هذه الشعيرة الإسلامية المقدسة على ألسنتهم ، أو انزلاقها على أطراف أقلامهم ، أو في وثائقهم ونصوصهم متناسين أن ( الجهاد ) و( الجهاد في سبيل الله ) بشكل خاص هو شعيرة من شعائر الإسلام ، وعنوانا من عناوين فرائضه الكبرى يجب تعظميها والتمسك بها والدفاع عنها في مبناها ومعناها ، في صيغتها اللفظية التي تعج بها نصوص الكتاب والسنة . فأكرم بها من كلمة وأعظم بها من شعيرة ، يجب أن تظل لفظا مأنوسا تطرب لذكرها الآذان ، وحقيقة حاضرة في العقول والقلوب ، وشعارا موقظا تظل تردده الحناجر ، وتتعلق به الأفئدة ، وتتربى عليه الأجيال ، فقها وخلقا في أطره الشرعية التي أمر الإسلام بها فريضة جماعية تبني وتربي وتعلم وتهذب . يجب أن يظل الجهاد حاضرا على مائدة ثقافة هذه الأمة ، وفي كتب تعليم أجيالها ، وفي مناهج تربيتها تعليما وتثقيفا وتدريبا .

وانضم إلى ركب السائرين في الحملة على ( شعيرة الجهاد ) حكام متخاذلون مستسلمون ، لم يروا في موقع الحكم إلا الرغبات واللذائذ والفساد والاستبداد والاستئثار والتحكم برقاب العباد فناموا عن المعالي ، وأخلدوا إلى الأرض ، واثاقلوا عن نصرة الأرض والعرض ، وسار في موكبهم طائفة من الأدعياء كان أكبر همهم أن يسوغوا عجزهم ، وأن يشرعنوا تقاعسهم ، وان يجدوا المعاذير لخنوعهم واستسلامهم ونومهم في أحضان عدوهم ، فصادروا على المنادين بهذه الشعيرة طريقهم ، وفتحوا الباب على مصراعيه أمام نفوس أبت للتمرد فتمردت ، ولسوء الفهم والتوظيف فأساءت ووظفت . وكان ما نرى من فوضى واضطراب وفساد يمضي على طريق تدمير الذات وليس كما هو مطلوب على طريق صيانتها وحماية وجودها . 

إنه كما تربي جميع الأمم والحكومات شبابها على ما تدعوه اليوم (عقيدتها القتالية ) دفاعا عن مصالح غالبا ما تكون آنية أو عارضة أو قائمة على ظلم وبغي وعدوان يجب أن يتربى شباب الإسلام في أوطانهم وقد وقر في قلب كل واحد منهم وعقله أن من واجبه أن يضحي وان يبذل دفاعا عن قيمة عليا ، أو عن حق مهضوم ، أو نصرة للمستضعفين في الأرض تنال منهم أنياب البغي ومخالبه . دون أن يعني ذلك أبدا ما نراه اليوم من حالة من الفوضى يستنفر فيها أفراد تحت رايات عمية بدعوى للجهاد هي لمنهج الخارجين على الدولة والمجتمع أقرب ، وبمنهج أهل البغي أشبه.

تربية علمية منهجية واعية تضع الحق شعيرة الجهاد في نصابها النظري والعملي ؛لا تسوغ لمتقاعس مثاقل إلى الأرض تقاعسه وتثاقله ، ولا لمتهور تهوره مندفع بلا روية ولا حكمة ولا بصيرة تهوره واندفاعه في طريق التهلكة وجرّ الجرائر على الأمة على طريقة الصعاليك والفتّاك ..

يجب أن يكون واضحا أن ما نقرره نحن - الإخوان المسلمين – عن رؤيتنا لشعيرة الجهاد الربانية هي رؤيتنا العامة الكلية التي تجري على الأمة أحكامها في حال ضعفها وقوتها . وليس كما يتذرع البعض بإخفاء نصف ما يعتقدون بذرائع واهية ما أنزل الله بها من سلطان.

وكما يتربى الشاب الأمريكي على جندية والتزام تجعله يقبل التضحية في سبيل ما يزين له أنها مصلحة أمريكية على قطع آلاف الأميال لقتال شعوب لم يسمع بها ، وحرب أمم لا يعرفها في قارات العالم الخمس ، ثم تجد حكومة بلاده وغيرها من حكومات العالم الذرائع لتضفي على حروبها صفات (الإنسانية ) و ( العدالة ) والدفاع عن ( الحرية ) تارة أو عن ( حقوق الإنسان أخرى ) ؛ يشرع الإسلام لأمته فريضة الجهاد ليس مدخلا لظلم أو بغي أو عدوان أو استعلاء على الناس وإنما كوسيلة للدفاع عن الوجود ، وحماية الحقيقة ونصرة المستضعفين .

لقد شرع الإسلام الجهاد بكل أشكاله ومراتبه فريضة ماضية إلى يوم القيامة ، لإبلاغ الرسالة الحق لكل الخلق ، ورفع الظلم عن الناس ، وهاتان هما الكلمتان المختصرتان اللتان لخص بهما سيدنا ربعي بن حاتم رسالة الجهاد : الله ابتعثنا لإخراج من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة .

كما شرع الإسلام الجهاد فريضة ( جماعية ) لا يحق لفرد ولا لمجموعة أفراد أن يباشروه بأنفسهم ، وأن يجروا على شعوبهم وأوطانهم مالا قبل لحكوماتهم والقائمين على أمر دولهم قبل به . كل فقهاء المسلمين أناطوا قرار الحرب والسلم بحاكم المسلمين . وصاحب قرارهم لإدراكهم ما يجره إشعال نار الحرب بغير قرار جماعي من فوضى وفساد . 

إ وكما أساء أقوام من أعداء الأمة عمدا إلى مصطلح الجهاد ومفهومه ، وشوهوا التصور عنه في العقول والقلوب ؛ ، وكما شاركهم في ذلك لفيف الطغاة والمستبدين والناطقين باسمهم ؛ فقد فعل الشيء نفسه فريقان آخران من أبناء الأمة عبر تاريخها الطويل ...

فريق آثر الخمول والسلامة وما دعاه زورا العافية ، فآثر العزلة ، وأدار ظهره للحياة ، ودعا إلى ترك التدبير والعمل والجهد في دعوى زهدية كاذبة لم تكن من أمر الزهد الإسلامي في شيء ، ولا من منهج أرباب التصوف الصادق في ورد ولا صدر ، حتى ذلت الأمة ، وطمع فيها أعداؤها ، وركب أكتافها المعتدون الطامعون ، والمستبدون والطاغون الفاسدون .. ..

 وفريق وظفوا شعيرة الجهاد في غير موضعها ، وأسقطوا معانيه على غير ما رسمتها شعيرة الإسلام ، فخاضوا تحت عنوانه الغمرات ، وركبوا باسمه اللجج ، واعتسفوا الطريق ، وارتكبوا الجنايات التي ما أنزل الله بها من سلطان فأعطوا بذلك الذرائع لكل معتد أثيم ولكل خوان مريب ليمعنوا في النيل من هذه الشعيرة الربانية ، وليجلبوا على أمة الإسلام بما يجرون عليها من الجرائر وبما يرتكبون باسم الجهاد من آثام ...

إننا في جماعة الإخوان المسلمين حين نرفع (ذروة سنام ) الإسلام ، الشعيرة الماضية إلى يوم القيامة شعارا، ونتمسك بها منهجا وسبيلا ، فإنما نفعل ذلك واضعين هذه الشعيرة في إطارها الشرعي الضابط والمنضبط ، وفي حدود أهدافها الإسلامية في الدفاع عن الوجود وحماية الذات ولبسط الحق والعدل لجميع لناس. هذا هو فهمنا الشرعي الإسلامي لحقيقة ندائنا الخالد ( الجهاد سبيلنا ) الذي أردناه سبيلا ونبراسا فقها وتربية وموقفا ومنهجا .

الجهاد بين مفهومين : عام وخاص ..

لقد خص فقهاء الشريعة رحمهم الله تعالى تفسير الجهاد في مصنفاتهم (بالقتال ) ، وقسموه إلى ضربين جهاد دفع وجهاد طلب ، وقرروا لكل ضرب أحكامه العامة والخاصة ، وهذا أكثر ما نجده في موسوعات الفقه الإسلامي ومختصراته . بينما يفيد لفظ ( الجهاد ) بمعناه الشرعي العام الغالب على نصوص الكتاب والسنة معنى أعم وأوسع وأشمل من (القتال) . بحيث يتضح لكل متأمل أن إطلاق لفظ الجهاد على (القتال) هو من باب إطلاق الخاص على العام . ويتضح أكثر لكل باحث جاد أن في قصر معنى الجهاد على ( القتال ) تحكما بالغا تأباه نصوص الشريعة المتواترة في معانيها على ما هو أعم منه في نصوص الكتاب والسنة على السواء . ففي الكتاب العزيز الكثير من الآيات تقرن الجهاد بغير القتال ، ومنها قوله تعالى ( ...فلا تطع الكافرين جاهدهم به جهادا كبيرا ) ، والمقصود وجاهدهم بالقرآن الذي أنزل عليك ، ومعلوم أنه لا يقاتل بالقرآن الكريم ، فالقرآن كريم كتاب بيان وبلاغ وحوار وحجاج يكون بمثله الجهاد بمعناه العام الذي أشار إليه القرآن الكريم والذي يعني بذل الجهد في نصرة هذا الدين ، وبلاغ دعوته وإيصال رسالته ...

في آيات كثيرة أخرى يقرن القرآن الكريم (الجهاد بالنفس بالجهاد بالمال) ، ويجعل بذل المال نصرة لدين الله قرينا لبذل النفس فما أكثر ما كرر القرآن الكريم (( وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ.. )) تأكيدا أن حقيقة الجهاد أوسع وأشمل من المعنى الذي قصره عليه بعض الفقهاء في أبواب كتبهم ربما لمجرد تيسير البحث ، ثم سار على نهجهم في هذا القصر من حجروا الواسع ، وأساؤوا الفهم ..

نصوص أخرى من السنة النبوية الشريفة كانت أكثر تفصيلا ، في بيان سعة مفهوم هذه الشعيرة الربانية حيث يؤكد أكثر من نص صحيح صريح عن جهاد بيد وجهاد بلسان وجهاد بقلب كحديث سيدنا ابن مسعود الذي رواه الإمام مسلم عن الخلوف ، وفي رواية عن الأمراء ، الذين يقولون ما لا يفعلون ويعملون ما تنكر الأمة ولا تعرف : ( فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ..) . ولكي لا يتبادر إلى فهم قاصر أن جهاد اليد يتقدم على جهاد اللسان والكلمة فقد أوضح سيدنا رسول الله صلى الله وسلم عليه في أكثر من حديث أن أفضل الجهاد جهاد كلمة كما في حديث سيدنا أبي سعيد الخدري من رواية الترمذي ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ..) أو حديث سيدنا ابن عباس : ( سيد الشهداء حمزة ابن عبد المطلب ورجل قام إلى سلطان جائر أمره فنهاه فقتله ..) الذي صححه الحاكم والسيوطي ووافقهما على تصحيحه الشيخ الألباني رحمهم الله جميعا.

وبالمقابل فقد عدّ الكثير من علماء الأمة ( الجهاد ) نوعا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وقالوا إن جهاد اليد هو من حق الحاكم وواجبه يدعو إليه ويشرف عليه ، ويأذن به ، وأن جهاد الكلمة بيانا وأمرا ونهيا هو حق العلماء والدعاة يقومون بالدعوة إلى المعروف بالمعروف ويدعون إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإن الإنكار بالقلب هو من حق بقية أبناء الأمة . وإن الفساد الذي ما بعده فساد هو هذا الذي يحصل بعد أن تخلت الطبقتان الأوليان عن واجبهما ، فتطلع إلى سد الثغرة ، من ليس كفؤا لها ، أو من لم يحسن تقدير الأمر حق قدره فيها ..

الجهاد سبيلنا : قاعدة لرد العدوان وليس مدخلا للعدوان ...

نؤمن نحن الإخوان المسلمين أن شعارنا ( الجهاد سبيلنا ) هو قاعدة أساسية لرد العدوان عن أوطاننا ، لرد العدوان عن الإنسان والعقيدة ، عن الحضارة والثقافة . ونؤمن الإسلام أعطانا الحق في رد العدوان ، ولم يعطنا الحق في العدوان . إن الأمر الرباني (( وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )) هو أيضا أمر ماض إلى يوم القيامة . وإن توظيف بعض آيات القرآن ذات الطبيعة التوجيهية الوقتية ( الزمانية – المكانية ) لخدمة بعض الأهداف الخاصة تمريرا لأي شكل من أشكال العدوان لا يمكن أن تصمد أمام توجيهات القرآن الكريم ( الكلية ) مثل قوله تعالى (( وَلاَ تَعْتَدُواْ.. )) . لقد سبق القرآن الكريم إلى اقتراح منظومة متكاملة للقانون الدولي , يمكن أن نعتبر منها الأمر بالجنوح إلى السلم (( وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ )) ونعلم أن هذا الجنوح لا يتعلق بالتسليم للمعتدين بما جنوا من ثمرات العدوان أصلا . ولكنه أساس كلي لعلاقة إنسانية تقوم على السلم واللقاء على الكلمة السواء (( وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ )) بأي شكل من أشكال إعلان الربوبية على الناس . وفي إطار والتعاون على البر والقسط والخير بين الناس أجمعين .

( الجهاد سبيلنا ) طريق لتحرير الإنسان وليس لاستعباده وإذلاله ....

نؤمن ، نحن الإخوان المسلمين ، أن غاية الجهاد في الإسلام هو تحرير الإنسان وليس استعباده واسترقاقه . الغاية هي إطلاق أشواق الإنسان وتحرير إرادته وخياراته ، وليس قمعه وكسر إرادته.

إن ما يمارسه بعض أهل الغلو والضلالة اليوم من ممارسات في العدوان على كرامة الإنسان ، وحريته ، أو استرقاقه ، أو أي شكل من أشكال الإساءة إلى شخصه أو حياته أو معتقده باسم الإسلام ، وباسم شعيرة الجهاد بالذات هي ممارسات ضالة ومنحرفة وشاذة لا تنتمي إلى الإسلام ولا إلى مجموعته القيمية في شيء ..

وكذا كل ما يحاول بعض أهل الغلو الضلالة أن يفرضوه على بعض المواطنين على الجغرافيا الإسلامية بعناوين ومصطلحات ذات طبيعة تاريخية بهدف إذلال الناس ، وإظهار المبالغة في أذاهم ، أو تهجيرهم وإخراجهم من ديارهم، مع أن الإسلام قرن جريمة الإخراج من الديار بقتل النفس، هو من قبيل التنفير من الإسلام وشعائره وشريعته وهو ليس من أمر الإسلام والجهاد في شيء . إن أي مسلم يملك حدا أدنى من الثقافة والعلم يدرك أن مصطلح ( الجزية ) هو مصطلح اقتصادي تاريخي وليس مصطلحا شعائريا . وقد كان في عصره عنوانا لمشاركة غير المسلمين في خزينة الدولة . بدلالة أن سيدنا عمر رضي الله عنه أعفى بني تغلب منه لمجرد أن قالوا : نحن نأنف منه ..

ليس من غرض الجهاد الإسلامي الذي يرفعه الإخوان المسلمون شعارا ويحددونه سبيلا إعادة بناء دولة بزي تاريخي قضت سنن الحياة تجاوزه . إن ما أقرته شريعة الإسلام في الأصل هو مجموعة من القواعد العامة المترابطة التي تتيح لأبناء كل عصر أن يبنوا مجتمعهم ودولتهم على أسسها ...

الجهاد سبيلنا مدخل للتعاون على البر والقسط بين بني البشر

نؤمن نحن الإخوان المسلمين

أن ما أنجزته الحضارة الإنسانية من قانون دولي ، ومن ثقافة حقوق الإنسان ، بشكل عام ، هو مكسب إنساني حضاري للناس جميعا . وهو بجملته أقرب إلى روح ما توافقت عليه قريش في دار ابن جدعان من نصرة للمظلوم والأخذ على يد الظالم الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه : ( ولقد شهدت في دار ابن جدعان حلفا لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت . ) وأي مسلم يمكن أن يأبى أن تحفظ كرامة الإنسان ، وأن تعطل شريعة استرقاق البشر ، وأن يحقن دم الأسير وتحفظ حقوقه الأساسية ، والقرآن الكريم يقول في حماية حياته (( فإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء )) ويقول في الأمر بالإحسان إلى الأسير (( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا )) .

نؤمن نحن الإخوان المسلمين ونحن نعلن تمسكنا بشعارنا ( الجهاد سبيلنا)

أن ما أنجزته الحضارة الإنسانية من صيانة حق الإنسان في الاعتقاد والرأي والتعبير والبلاغ يجعل ما دعاه الفقهاء جهاد الطلب والذي شرع في الأصل لتحقيق هذا الهدف ، هدف رفع نيرة الطغاة عن عقول الناس وقلوبهم ، يجعل المعنى الأصلي المراد من هذا الجهاد مكسبا إنسانيا عاما وأصبح بمقدور الفرد والجماعة أن تمارس مهمة البلاغ دون عائق أو مانع ، مما يسقط الحاجة أصلا لهذا النوع من الجهاد ...

ليبقى شعارنا (الجهاد سبيلنا ) حاضرا في حياتنا في عقولنا وقلوبنا متجليا في آفاقه الشرعية جهاد يد وجهاد كلمة وجهاد قلب منضبطا بضوابطه الشرعية التي أقرها فقه شريعتنا العظيم فلا غلو ولا تهور ولا فوضى ولا فساد كما لا جبن ولا تقاعس ولا تثاقل إلى الأرض ولا إخلاد إلى طين الأرض أو شهوات الحياة ...

وسيظل شعارنا ( الجهاد سبيلنا ) باق ما بقيت شريعة الإسلام وشعائر الإسلام . وخير ما نختتم به هذا المقام أن ندعو الله أن يكتب لنا أجر المجاهدين مذكرين ببعضُ ما ذكّر به سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بشروط وآداب الجهاد :

قال رجل لعبد الله بن عمر رضي الله عنه: أُريدُ أن أبيعَ نفْسي مِنَ اللهِ فَأُجَاهِدَ حتى أُقْتَلَ، فقال: ويْحَكَ وأَينَ الشُّرُوط؟ أيَن قوله تعالى (التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحامدُونَ السَّائِحُون، الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُون، الآمِرُونَ بالمعروفِ والنَّاُهونَ عن المنكر، والحَافِظُون لُحِدودِ الله، وبَشِّرِ المؤمنين).

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية