تحرير الأفكار من الاستحمار(الاستعمار)

تحرير الأفكار من الاستحمار

(الاستعمار)

ياسر الباز

سألني صاحبي ، ماذا تعني بالمرجعية الإسلامية ؟ وقبل أن أجيب أحب التنويه أنه صاحب آخر مختلف عن الأول الذي جلب عليَّ الهجوم ولكن الحمد لله فأنا لا أكتب لأن أحدًا طلب مني ذلك ولن أتوقف لأن أحدًا طلب مني ذلك، إنما أكتب لأنفع الناس ما استطعت إلى ذلك سبيلًا. ومن الغريب أن تشرح للمسلمين ما هي المرجعية الإسلامية ولكنه أثر من احتلال الأوروبيين لبلادنا واستحمار الأوروبيين لعقولنا  في القرنين الماضيين، وقد غرسوا فينا نبتًا شيطانيًا من الأفكار الهدامة التي - وللأسف الشديد - يحمل لواءها بعض من بني جلدتنا ومازلنا نعاني منها حتى الآن، وعلينا أن نحرر أفكارنا كما حررنا في الماضي أوطاننا.

يعتقد كل مسلم أن الحياة طريق سفر إلى الآخرة ، وهناك يحصد الناس ما قدموا من عمل في سفرهم هذا إما جنة وإما نار، وفي طريق السفر هذا يسلك الناس طرقًا شتى، كل حسب اختياره. ولعلها إشارة النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطًا ثم قال : هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره ثم قال : هذه سبل ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ).

فالمسلم حين يختار الإسلام إنما يختار قطارًا يسافر به عبر صحراء الحياة، وهذا القطار يسير على شبكة من القضبان الحديدية، يتطور القطار مع الزمن ، قاطرة أقوى ومحركات توربينية بعد أن كانت بخارية، تتغير أجهزة التحكم إلى رقمية  (digital)بعد أن كانت تناظرية(analog) ، تزداد وسائل الترفيه والمتعة، تختار الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة حسب قدرتك ورغبتك، بل حتى توجد بعض عربات النوم، هناك ضوابط عامة تحكم حياة المسافرين معًا داخل القطار تدور حول الحرية والعدل، والإحسان والإنصاف، يتغير طاقم التشغيل والخدمات والنظافة، تقريبًا كل شئ قابل للتغيير والتطوير والتحسين.

 شئ واحد لا يمكنك تغييره هو مسار القضبان الحديدية، لا يستطيع أحد كائنًا من كان أن يغير السكة الحديد كما يسميها أهل مصر الكرام، ولكن بعض الناس يريدون القطار وفي نفس الوقت يريدون تغيير المسار، فنقول لهم تستطيع أن تختار السفر بطريقة أخرى، لا بأس فَلَكَ مطلق الحرية ، ولكن الطرق الأخرى لا تضمن لك سلامة الوصول عبر صحراء الحياة التي لا زرع فيها ولا ماء، وعليك أن تختار إما القطار دون تغيير المسار، وإما ما شئت من طرق أخرى فكلها تتساوى في المحصلة النهائية ... لن تصل لشئ وستهلك من حيث لا تدري سعيًا وراء السراب ومع ذلك فأنت حر فافعل ما تشاء.

وأرجو أن يكون المثال واضحًا لأن من يريدون غير المرجعية الإسلامية إنما يريدون مسارات أخرى، ونحن كمسلمين لا نملك هذا الخيار، وموضوع أن يجتمع الإخواني والسلفي والعلماني والليبرالي واليساري و.... إنما هو من المستحيلات إلا إذا .... إلا إذا وافقوا على مسار القطار. وأرى عقلك يفكر الآن ليثبت خطأ ما أكتب، أرجوك أن تتمهل .... وتفكر.... ربما تتوقف عن القراء قليلًا وتفكر مرة أخرى.... ، ستقول لقد أسقط كل هؤلاء نظام مبارك في 18 يوم وهذا أكبر دليل على أن توحد التيارات الوطنية من أجل هدف واحد سيحقق النجاح. هل انتهيت ؟ ..

يا أخي الحبيب: الهدم يحسنه أي أحد ولا يهم فيه نظام وترتيب وتجانس، أما البناء فيحتاج إلى هندسة، وما الهندسة إلا نظام وترتيب وتجانس.